«مندوب الليل» فلم جيِّد لم يقع في الفخ الاعتيادي

بعد عقد أو عقدين قد يكون فلم مندوب الليل منسيًا تمامًا، ولن يتابعه إلا مجموعة مهووسة من محبي الأفلام بهدف أن يقولوا: «تابعت أفلام علي الكلثمي كلها!».

لقطة من الفلم السعودي مندوب الليل / تلفاز ١١
لقطة من الفلم السعودي مندوب الليل / تلفاز ١١

«مندوب الليل» فلم جيِّد لم يقع في الفخ الاعتيادي

مازن العتيبي

هذا الحكم بوصفه لبّ المراجعة، «فلم جيد»، من الممكن أن يؤخذ على وجهين: إيجابي وسلبي. 

الجانب الإيجابي جليّ، فـ«مندوب الليل» فلم درامي سعودي جيّد يأتي بعد سيلٍ من الدراما المحلية السيئة، ويكسر الكثير من العقد التي عابت أعمالًا سابقة. أحداثه تدور حول الشاب فهد ومحاولاته تحصيل المال للاعتناء بوالده المريض وأخته وابنتها. وبالرغم من أن هذه المساحة غُطِّيت مرارًا وتكرارًا في أعمال درامية سابقة، إلا أنك ستشعر بأنك تراها للمرة الأولى على الشاشة؛ فلا توجد خطبة طويلة للأب المريض عن «صح أننا فقارى يا ولدي بس ترا نفوسنا عزيزة»، ولا تعلن الشخصيات رغباتها ومشاعرها بشكل واضح عند كل منعطف قصصي.

القصة تأخذ منعطفًا غير تقليدي إذا قورنت بالأعمال المحلية، وعملية السرد نفسها تمت بكفاءة. الكلثمي يثق في أدواته، فلا توجد لقطات معقدة أو مبهرة دون داع، وهو أيضًا يثق بالجمهور، فيترك المَشاهد تتحرك دون أن يفسّر كل شيء لحظة حدوثه. والأكثر إبهارًا لي أنَّ «مندوب الليل» فلم درامي سعودي لا توجد فيه حوارات فلسفية فارغة، ولا «رمزيات» بين كل مشهد وآخر.

هذه الأشياء الجيّدة المذكورة هي التي تجعل الفلم «جيدًا»، أنَّه لم يقع في العديد من الفخاخ التي وقع فيها سابقوه. وإذن يحصل «مندوب» على تقدير «جيّد» مثلما حزت أنا التقدير نفسه في مادة الاقتصاد مع الدكتور أسامة عثمان؛ لأن بقية الطلاب رسبوا.

لو استثنينا سعوديَّة «مندوب الليل» فإن مقارنته بأي تجربة مشاهدة أخرى توضِّح النقص فيه. أستطيع القول بأريحية إنه من الأفلام التي ترى غلافها صدفة بعد سنوات من مشاهدتك لها، وتعلم يقينًا أنك شاهدته دون أن تستطيع استرجاع أي تفصيلٍ منه.

وأسباب هذا الضعف كثيرة، ربما أكثرها تأثيرًا هو شخصية المندوب «فهد». فأداء الممثل محمد الدوخي كان ممتازًا، ورؤيته يجسد «فهد» كشخصية نشفق عليها ونتعاطف معها في آن واحد كانت رائعة، إلا أن الفلم ينتهي دون أن تشعر بأنك فهمت هذه الشخصية أكثر مما فهمت عنها في البداية. وفي فلم يقدِّم الشخصية على الحبكة يكون الفشل في عرض الشخصية مشكلة عويصة.

وأستخدم تعبير «الفشل» هنا لأن من الواضح أن الفلم يحاول التعبير عن مكنونات الشخصية دون نجاح. على الورق نجد الشخصية في غاية الوضوح؛ فـ«فهد» مضطرب، يشعر بقلة الاحترام والتقدير من دوائره الاجتماعية، ويخشى أن فشله في جني المال كَتَب على عائلته الذل والمهانة، ويعتقد بأن ما ينقصه فعلًا هو فرصة واحدة لتعديل كل شيء.

التحدي الذي تواجهه كل الأفلام هو تحويل هذه الأوصاف المختزلة إلى قصص وصور مؤثرة، أن نشعر بقلة الاحترام التي يشعر بها، أو على الأقل أن نفهم كيف تولَّد هذا الشعور داخله. «مندوب الليل» لم يستطع الوصول إلى هذا المستوى للأسف، الفلم مليء بالمشاهد التي تفهم المراد منها دون أن تشعر بأي شيء. وعندما تأتي اللقطة الأخيرة في الفلم، وهي لحظة ضخمة يرتفع فيها صوت الموسيقا، وتتحرك الكاميرا بشكل مدروس لتضع النقطة الأخيرة على «ثيم الطبقة المسحوقة» التي ينتمي إليها «فهد»، حينها ستفهم المقصود من اللقطة، لكنك لن تشعر بأي شيء؛ فهي لحظة ضخمة لكنْ خاوية وغير مُستحَقَّة.

ربما تكون أفضل طريقة لشرح مقصدي هنا هي في وضع «مندوب الليل» جنبًا إلى جنب الفلم العالمي الأكثر شبهًا به، بالرغم من اعتراض الكلثمي على ذلك في لقائه مع هذه النشرة، وهو «تاكسي درايفر» (Taxi Driver). التشابهات بينهما كثيرة، ففي الفلمين رجل يائس يعمل في سيارة كوظيفة، وفي الفلمين تقود هذه الوظيفة إلى تقاطع الرجل مع مجتمعه وتحرِّك الأحداث إلى الأمام، وفي الفلمين يحب الرجل الواهم امرأةً مرموقة ويغار من زميلها في العمل، والأهم: كلا الفلمين يستخدمان البطل للتعبير عن شريحة مجتمعية مسحوقة.

إلا أن تعاطي «تاكسي درايفر» مع البطل كان أكثر فاعلية، وبالرغم من اضطراب «ترافيس بيكل» الجلي إلا أن لشخصيته رحلة نتتبعها طوال الفلم، ودوافعه غير المنطقية كانت مفهومة للجمهور حتى لو رفضها. رحلة «ترافيس» طوال الفلم تجعل نهايته الصادمة حتمية، لكن رحلة «فهد» في الجهة الأخرى أكثر ضبابية، ومِن ثَم كانت أقل تأثيرًا بمراحل.

بالإمكان أن نعزو ضعف التأثير هذا إلى جعله اختيارًا فنيًا، أسلوبًا أكثر ركودًا وتأنيًّا في سرد القصة، وهذا الأسلوب هو نقطة قوة «مندوب الليل» وضعفه في آن واحد. لو قارناه بفلمٍ سعودي آخر من الأستديو نفسه، أي: «ناقة» الذي صدر قبله بأسبوع، فسأصف «مندوب» بأنه أكثر نضجًا، إلا أني غالبًا لن أشاهده مرة أخرى في أي وقت قريب. في الجهة الأخرى كان أسلوب مشعل الجاسر الإخراجي طاغيًا في فلم «ناقة»، والنتيجة فلم غير متوازن، لكنه بالتأكيد أكثر إثارة للمشاعر، ومِن ثَم أكثر إثارة للاهتمام.

ربما كان هذا ما يفصل بين «مندوب» والأفلام التي ألهمته مثل «تاكسي درايفر» و«نايت كراولر» (Nightcrawler)؛ فكل هذه الأفلام تتحدث عن شخصيات منبوذة بطريقة غير رومانسية، لكن النموذجين الأمريكيين كانا أنجح بمراحل في بناء عمود فقري أخلاقي عاطفي للفلم.

أنا أعي هنا أن المقارنة ليست عادلة تمامًا. حتى لو تجاهلنا الفرق في الحجم والعراقة بين الصناعتين المحلية والعالمية فلا يزال هذا فلم علي الكلثمي الأول، على حين كان «تاكسي درايفر» الفلم الروائي الخامس لمخرجه، وفي الجهة الأخرى كان «نايت كراولر» أول أفلام دان قيلروي كمخرج، إلا أنه كان قد قضى حينها أكثر من عشرين عامًا في كتابة السيناريوهات في هوليوود.

لكن متابعة الأفلام بطبيعتها تقود إلى هذه المقارنات الظالمة، يجلس المشاهد في مقعده ويبدأ الفلم، وتختفي حينها كل الظروف والتبريرات التي أثَّرت في جودته، ولا يبقى سوى القصة والأثر الذي تتركه فيك. وتظل أفضل هدية يستطيع الجمهور تقديمها للمخرج هي التعامل مع فلمه بجديَّة، وإعطاء ردة فعل صادقة تجاه عمله، بدلًا من إرضائه بتعبيرات عامة عن «المجهود» و«المحاولة»، مثل ما يطري معلم الفنيّة أعمال طلابه ذوي الثماني سنوات.

تقدم الصناعة بشكل عام يأتي من عملية التعثر والنهوض المستمرة. مارتن سكورسيزي لم يكن ليصنع «تاكسي درايفر» بهذه الطريقة لولا ردة الفعل المستاءة على «بوكسكار بيرثا» (Boxcar Bertha)، التي غيرت توجهه في صناعة الأفلام بالكامل. لو توجهت إلى صفحة الفلم في «imdb» لوجدت أن معظم من راجعوه يستغربون أن هذا الفلم من إخراج الرجل نفسه الذي أخرج «قودفيلاز» (Goodfellas) و«تاكسي درايفر».

ربما يكون هذا هو مستقبل «مندوب الليل» أيضًا، فبعد عقد أو عقدين قد يكون الفلم منسيًا تمامًا، ولن يتابعه إلا مجموعة مهووسة من محبي الأفلام بهدف أن يقولوا: «تابعت أفلام علي الكلثمي كلها!».

أما رقميًا، فالفلم: 6 من 10 🍿🙂


اقتباس النشرة

فلم «Minari»
فلم «Minari»

أخبار سينمائية

  • بعد أربعة أيام من إطلاق فلم «مندوب الليل» في السينما السعودية، مبيعات التذاكر وصلت إلى 114 ألف تذكرة مُباعة. «كفو 👏🏻🤩»

  • الدنيا تتغير، لكن النقاد ما يتغير رأيهم عن أفلام المخرج «زاك سنايدر»😑.  فلمه الجديد «Rebel Moon - Part One: A Child of Fire» وصل مجموع تقيماته إلى 26% عند النقاد في «روتن توماتوز»، وعند الجمهور وصل 76%، في تكرار  لأزمة فلم «Batman Vs Superman».🥱

  • «لاري ديفيد» بعد 25 سنة من تمثيل شخصيته الحقيقية في العالم الواقعي في مسلسل «Curb Your Enthusiasm» يعلن أنَّ الموسم 13 هو الأخير. «لا يكون ناوي يرجع مع موسم جديد من ساينفيلد!»😳 

  • أودا كاتب «ون بيس»، شكله بدأ يخطط لمشروع التقاعد ويترك المسلسل في عهدة نتفلكس. فبعد «ون بيس الواقعي»، عمل «ون بيس» منفصل عن شخصية ريوما، والآن يعيد صناعة الأنمي من جديد مع أستديو (WIT). 😔🏴‍☠️


شرح مشهد مع حمد القحطاني

ثمة تقنيات في المونتاج ترفع قوة مستوى الفعل، وهذا شاهدناه في فلم «The Killer»، في مشهد القتال في منزل القاتل المأجور.

في هذا المشهد استخدم محرر الفلم ثلاث تقنيات: في البداية استخدم ثبات الكاميرا في مرحلة دخول بطل الفلم للبيت، القاتل كان هادئًا وثابتًا ومثله كانت الكاميرا ثابتة، لكن بعد المواجهة مع القاتل الآخر بدأت الكاميرا تهتز في محاكاة لحالة البطل النفسية. شاهد لقطات الثبات واللقطات المهزوزة.

في لحظة «الضربة» حذف المحرر عدة فريمات لتظهر الضربة أقوى، وفي اللحظة نفسها أضاف هزة قوية وكأنك أنت استقبلت الضربة. شاهد هنا بعض اللقطات في الحركة البطيئة.


توصيات سينمائية

عبارة «Literally me» والمقصود فيها «هذا الرجل يمثلني» التصقت ببطل فلم توصيتنا لهذا الأسبوع رايان قوسلينق. هذه الظاهرة الإنترنتيَّة عصفت بدايةً في تك توك مع انتشار مقاطع مونتاج سريع عن دوره في فلم «Blade Runner 2049»، وزادت بعدها في دوره الذكوري الأيقوني في «Barbie»🤪 مع جملة «I drive» لما صرَّخت فيه باربي «وش تسوي هنا!»، لأنَّ الجمهور ربطها فورًا بدوره المذهل في فلم «Drive» اللي هو فلمنا لهذا الأسبوع.

الفلم يشبه موسيقا عدد اليوم، معزوفة لا تلعب على أوتار موسيقية بل على أعصابك، يجهزك بوتيرة حادَّة من التوتُّر من مشهد البداية مع بطلنا السائق الاحترافي «درايفر» الذي يعمل في هوليوود كبديل للممثلين في أداء مشاهد القيادة الخطرة، ويعمل ميكانيكي سيارات، وأيضًا هو «سائق الهروب» عند العصابات. بطلنا مشاعره وتعابيره وجهه ميتة تمامًا، حتى عندما يمسك مطرقته ويقتل لا تظهر عليه أي مشاعر، إلى أن يقع في غرام امرأة متزوجة ساكنة بجواره، ويقرر بطلنا أن يخوض مغامرة هي الأشد خطورة في حياته ويحاول هزيمة الوحدة.  

الفلم عبارة عن تحفة بصرية وسمعية، والإبداع في الجانب البصري كان في استخدام تقنية «التصوير العريض» حيث ترى كل ما يوجد أمامك. وعلى صعيد الأزياء لا أزال أتذكر ملابس البطل ورمزية العقرب على سترته (تجد شرح الرمزيَّة في هذا الفيديو.) والأهم الموسيقا التصويرية التي كانت مميزة تناسب هوية الفلم، وتذكرك بلعبة اسمها «Hotline Miami». 🏎️


ميم النشرة

وضع الفترة الجاية مع المناديب.


يعرض الآن

في السينما فلم الأبطال الخارقين «Aquaman and the Lost Kingdom» بطولة جاسون ماموا وأمبر هيرد. يحاول «أكوامان» الموازنة بين واجباته كملك ودوره في «رابطة العدالة» وبين مسؤولياته في تنظيم حفل زفاف. في الوقت نفسه يعود الشرير «بلاك مانتا» ويحاول سرقة تقنية من مملكة أطلانطس لإعادة بناء قوته.

VOX / IMDB

في السينما فلم الدراما الكوميدية «Dunki» بطولة شارو خان وتابسي بانو. يتشارك أربعة شباب من قرية بنجابية الحلم نفسه: الذهاب إلى إنجلترا، لكن تقف في وجههم مشكلة الحصول على فيزا. يصادفهم جندي يعدهم بتأمين ذهابهم إلى أرض أحلامهم.

VOX / IMDB

في السينما فلم الرسوم المتحركة «Masha and the Bear: Twice the Fun». تأخذنا مغامرات ماشا إلى حفل زفاف، وسرعان ما تبدأ المواقف المحرجة حين تتعبث ماشا بطرحة العروس وتتسابق في عربة حاملةً الكعكة، لكن لا بأس! فالمغامرة الشتوية تزداد سحرًا وجمالًا.

VOX / IMDB

في السينما فلم الكوميديا «كارت شحن» بطولة بيومي فؤاد ومحمد ثروت. شريف شخص يعيش حياة هادئة، ثم يظهر رجل غامض يستغله ماديًا عبر استخدام التقنية.

VOX

في نتفلكس فلم الدراما «Maestro» بطولة برادلي كوبر وكاري موليقان. يحكي الفلم علاقة الحب المعقدة التي جمعت الأسطورة الموسيقية لينارد برنستين بزوجته فيليشيا على مر زواجهما.

NETFLIX / IMDB

النشرة السينمائيةالنشرة السينمائيةمقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.