هل «ناقة» الفلم السعودي المنتظر؟

الفلم السعودي «ناقة» يعطيك تجربة رحلة البر المخيفة، التي تجعل أعصابك مشدودة من بدايتها إلى نهايتها مع بعض العشوائية في الإخراج والتصوير والصوتيات.

لقطة من الفلم السعودي «ناقة» / Netflix
لقطة من الفلم السعودي «ناقة» / Netflix

هل «ناقة» الفلم السعودي المنتظر؟

رياض القدهي

أكتب هذه المراجعة في فصل الشتاء، الفصل المفضل للجميع في مدينة الرياض لقضاء الوقت في البر أو المخيمات، وكالعادة، لما تنتهي من رحلة البر تخرج منها مُرهق الجسد والروح بسبب الرحلة الطويلة. هذا ما حصل معي عندما خرجت من قاعة سينما فلم «ناقة»، وهو من إخراج وكتابة مشعل الجاسر.

انتهيت من الفلم وأنا مرهق تمامًا من الرحلة التي خاضتها بطلتنا «سارة» -تمثيل أضواء بدر- ورفيقها «سعد» -تمثيل يزيد المجيول-. وما يضفي نكهة مجنونة على هذه الرحلة هو «شاهي الخطوط»، أو بكلمات رسمية بعيدًا عن العامية «الشاهي السحري». 

تجهيزات خط السفر 

قبل أن نشغِّل السيارة في رحلتنا المجنونة يبدأ الفلم مع مشهد يذكِّرك بأفلام الإثارة والرعب: رجل يدخل المستشفى حاملًا سلاح «رشاش» وهو غاضب جدًا لأن المستشفى لا يوجد فيه أي دكتورة متخصصة في الولادة، وبكل بساطة يقتل الرجل الدكتور. هذه المقدمة شكّلت لدي انطباعًا سلبيًا لأنها من أكثر الأفكار التي حُلِبت مرارًا وتكرارًا.

لكن مع تجاوزِنا المشهد الاستهلالي بدأت حدة السلبية لديّ تخف مع ظهور سارة. فقبل انطلاق الرحلة نشاهد بطلتنا سارة جالسة تدخِّن، وأسلوبها في اللبس وطريقة كلامها «العربجية» حقيقية جدًا. وحوارها عند وصولها إلى «سوق العويس» مع صديقتها التي تحاول أن تغطي عليها حتى تستطيع الخروج مع سعد واقعي أكثر من كونه مزيفًا، إلى حد أنني في نقطة معينة من الحوار تذكرت أنَّ أصحابي ينادونني «البعير» لأني ما أنسى وأتذكر تواريخ بعض الحوادث التي حصلت بيننا. 

هنا يهيئنا الفلم لنتوقَّع أنَّه سيكسر الأداء النمطي للشخصيات النسائية. فقبل «ناقة» كانت أدوار النساء في الأفلام السعودية ضعيفة جدًا، حتى فلم «حد الطار» قدَّم للأسف القالب المكرر للشخصية النسائية، وحاول التوجه إلى المثالية «الزايدة عن حدها».

في أفلام «الرحلات» إما أن تكون المشاهد التصويرية في السيارات ساحرة أو لا. وأدري، سيخطر على بالك عندما جلست سارة مع سعد في سيارته القديمة: «خلاص يا ليت نوقّف نجيب طاري الماضي ونعيش الحاضر!» لكن المميز في سعد أنه شخص يحب الكلاسيكيات، والسيارة عنصر من شخصيته. أيضًا سعد «زاحف وشوي خوّاف»، وبعض المواقف التي أدّاها كانت مضحكة وتراها في العالم الواقعي (مثل لمّا تهايط متأخّر على واحد يحّدك بالسيارة). أما الحوار بين البطلين في السيارة، فعلى خلاف توقعاتي، لم أنزعج منه؛ لأنه كان طبيعيًا وحقيقيًا أكثر من كونه في القالب المُكرر «أنا أحبك ودي أتزوجك»، أو «أهلي ناوين يزوجوني بنت عمتي».

جرعة توتُّر عالية «جاية» بالطريق!

مثل ما كانت «أم سارة» حريصة على بنتها وتقول لها «اقرئي المعوذات»، أقول أنا لك الشيء نفسه في هذه الرحلة المرعبة التي تشد الأعصاب. فالفلم يتوجه إلى «الرعب النفسي» الذي يركز في رفع القلق لديك، مثل فلم «Uncut Gems» و«Good Time» من إخراج الأخوين بيني وجوش صفدي.

ومع وصولنا إلى مخيم في نصف البّر تبدأ الرحلة تصير مرعبة أكثر في الطرق المظلمة، وفي لحظة التفاعل مع أول ناقة صدمها سعد وسارة بالخطأ، ومع ضرب راعي الإبل على شباك السيارة، وصراخ سعد وظهور نوبة القلق على وجه سارة، تبدأ أعصابك تشتد. وقد نجحت تداخلات الصوت والصورة في نقل توتُّر الشخصيات إليّ. 

لكن حين تبدأ الموسيقا العالية مع وصولهما إلى المخيم ترتفع زيادة، هنا بدأت أشعر بأن المَشاهد دخلت في طور «التمطيط»؛ يعني لو افترضنا أنَّ المدة المناسبة للمشهد المُحدد ثلاث إلى ست ثوان، فستصبح مدتها في فلم «ناقة» 15 إلى 30 ثانية. وأيضًا، تجربة الصوت كانت متذبذبة، ففي مرات تكون ممتازة وتأثيرها جيد، وفي مرات تصبح عشوائية ضعيفة التأثير. الملاحظة نفسها على بعض المشاهد التصويرية، حيث تشعر بأن الكاميرا تتحرك لبناء مشهد غامض، لكن عشوائية التنفيذ تخرجك من جو الفلم. 

مثل ما يخف «الشاهي» بزيادة «الموية»، خففت الكوميديا الجانب المرعب في الفلم، مثل موقف «الشاعر» مع سارة، الذي يعتمد على تجمُّد تعبيرات الممثلين لوهلة دون أي ردة فعل حتى يصنعوا لحظة محرجة منكَّهة بالكوميديا. والمثال الآخر عندما كان سعد وسارة في قمة جبل، وبدأت سارة تصرخ بشكل عشوائي. حَبْك المشهد هنا خدم الفلم وعرَّفنا أكثر على شخصية سارة.

ليه حبينا سارة أكثر؟ 

كيف استطعنا التعرُّف على «سارة» عن قرب؟ عبر محاولتها النجاة. سارة شخصية ذكية في المصائب، وسنعرف أنها «دبرة» وليست ضعيفة عبر المواقف وليس من خلال تسميع كلمات في النص مثل «أنا قوية». هنا طبَّق كاتب السيناريو قاعدة «ورني ولا تقول لي» الإنقليزية (Show don't tell).

لو قرأت نص السيناريو كاملًا سأقول إنه يعتمد اعتمادًا كليًا على طريقة التنفيذ البصرية. حتى أقرِّب لك الصورة: تخيَّل أحد أفلام ويس أندرسون وأنت تقرؤها كنص فقط؟ ستظن أنها قصة عادية أو أقل من عادية، لكن ما يميزها هي طريقة التنفيذ (التصوير وجودة الإنتاج… إلخ). نجح المخرج مشعل الجاسر من خلال الكتابة الجيدة في تنفيذ أجواء الرعب في الفلم. فهل سيتبع الجاسر هذا القالب ويصبح النسخة السعودية الرائعة من المخرج والكاتب جوردان بيل المعروف بأفلامه «Nope» و«Get Out»؟

مع ذلك، كان الفصل الأخير من الفلم يحتاج إلى تنفيذ أفضل. حين نشاهد سارة تركض في شوارع الرياض بين زحمة السيارات والطرق، جاءت طريقة التحرير لمحاولة حل هذه الأزمة أشبه بـ«التسليك» وإغلاق الفلم بأسرع طريقة ممكنة، لنصل إلى النقطة التي بدأنا بها، والمُفترض أن تكون درامية أكثر. لكن تعوضها الرمزيَّة العبقريَّة في النهاية التي يفهمها مُشاهد الفلم الحقيقي الجالس في السينما، وليس فقط المُشاهد في عقل المخرج.

مثل أي رحلة بر تكون فيها جوانب إيجابية وسلبية، كانت الرحلة إيجابية بالرفقة الحلوة التي منحتها الممثلة أضواء بدر، التي قدمت أفضل دور نسائي في السينما السعودية، واستطاعت تحمُّل «الكرف» الذي وضعها المخرج فيه، (حتى هو قالها قبل عرض الفلم: «شكرًا لفريق الفلم اللي كرفتهم.») 

وأداء أمل الحربي في شخصية «أم سارة» كان مفاجأة لي وللمشاهدين، حيث جسَّدت دور الأم الحريصة التي تتصل كل دقيقة بابنتها. وما يميز أداءها أنَّ شهرتها في التواصل الاجتماعي لم تخرجنا من سياق الفلم وجوَّه.

هل «ناقة» أفضل فلم سعودي؟

أكثر سؤال طُرح عليّ خلال وجودي في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي: «هل "ناقة" أفضل فلم سعودي؟». قبل الإجابة، يُقال دائمًا إن المقارنة لغة تسرق السعادة، لكن نحتاج المقارنة هنا حتى نعرف إلى أين وصلنا. وتتضح أهمية المقارنة إذا سألتك «وش الفلم السعودي اللي بعد كل فلم سعودي جديد تشوفه تقول: ياخي مو مثل هذاك الفلم»؟ هنا نعرف أهمية وجود فلم مرجعيَّة في السينما السعودية.

نرجع إلى سؤالنا الأساسي: إجابتي المختصرة ستكون: لا، وللتوضيح: فلم «ناقة» شخصيًا أراه ممتازًا، وغادرت صالة السينما وأنا سعيد؛ لأن مخرجًا سعوديًا أجاد عمل فلم في تصنيف جديد. وحقيقةً، وضع مشعل الجاسر ضغطًا كبيرًا جدًا على فلم «مندوب الليل» القادم إلى صالات السينما يوم 14 ديسمبر، من إخراج وكتابة علي الكلثمي، وهناك كثير من التوقعات بأن يكون «مندوب الليل» هو الفلم المرجعية.

عن نفسي، «شمس المعارف» أفضل فلم سعودي حتى الآن، وحتى إذا لم يتربَّع على عرش الأفلام لدى الجمهور أو يعدّه النقاد مرجعيَّة، فيكفيه أنَّه كسر سياق الفلم السعودي وقوالبه السيئة المكررة. 

المُختصر المفيد: فلم «ناقة» يعطيك تجربة رحلة البر المخيفة، التي تجعل أعصابك مشدودة من بدايتها إلى نهايتها مع بعض العشوائية في الإخراج والتصوير والصوتيات. ولكن تُنقذه الكوميديا والتمثيل الممتاز جدًا من الممثلة أضواء بدر، التي تستحق بلا شك جائزة أوسكار سعودية على تصنيف «أفضل ممثلة في دور رئيس». 

التقييم بلغة الأرقام المختصرة والمنطقية: 7 من 10 🍿😨


اقتباس النشرة

فلم «شمس المعارف»
فلم «شمس المعارف»

أخبار سينمائية

  • يوم الخميس الموافق 30 نوفمبر، جرى افتتاح مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وحضر عدد كبير من الممثلين منهم جوني ديب وويل سميث. وشهدت ليلة الافتتاح العرض الأول للفلم السعودي «حوجن» (ترقبوا المراجعة الشهر الجاي 👀).

  • بعد ما رمى أحد المشجعين نيمار بالفشار، جاء الدور على طاقم تمثيل فلم «Dune 2» والضحية كانت الممثلة فلورنس بيو.«ما عليه! جماهير البرازيل متعودين على الرمي.»🫣

  • حملات التشويق التسويقية مستمرة لفلم «باربي»، هذه المرة هبَّة شرائك سيناريو الفلم بحجز مسبق. «إذا وصلك اقرأه وغني الأغاني بنفسك.»🤪

  • اللحظة التي أبكت جيل التسعينيات، اجتماع ماكولي كولكين، الطفل البطل في فلم «Home Alone»، مع أمه في الفلم كاثرين أوهارا.🥹

  • وشهد شاهد من أهلها، الرئيس التنفيذي لشركة ديزني بوب إيقر اعترف بأنَّ «المبدعين في الشركة فقدوا هدفهم الأول. علينا أن نستمتع أولاً، ولا نركز على إيصال الرسائل إلى الجمهور.» عشان كذا شاهدنا أفلام ومسلسلات مارفل وحرب النجوم تنحدر في الجودة الكتابية!😡


توصيات سينمائية

بعد رحلة البر المخيفة مع «ناقة» تذكرت فلم قديم من عام 2001 عنوانه «Joy Ride» ونويت مشاركته في التوصية الأسبوعية، لكن أجمع فريق التحرير بعدها على فلم نجح رغم حبكته «الهادئة» إنه يتركك في حالة قلق مستمر إلى نهاية الفلم. 

تخيلت الممثل «آدم ساندلر» في فلم درامي غير كوميدي؟ تعودنا عليه دائمًا في الأفلام الكوميدية، دوره الدرامي الوحيد كان في فلم «Punch-Drunk Love» في عام 2002، وعاود ساندلر المحاولة مجددًا مع الأخوين المخرجين بيني وجوش صفدي في فلمنا «Uncut gems».

تتمحور القصة حول تاجر مجوهرات منحوس عنده مديونية بسبب إدمانه على القمار ويحاول يوازن بين عائلته وعشيقته. بدأ يومه مع قراره تسليف أحد لاعبي كرة السلة قطعة مجوهرات فاخرة، وتبدأ مرحلة شد الأعصاب عند تأخر وصول القطعة إليه.

الفلم ينطبق عليه المثل «المصائب لا تأتي فرادى»، وميزته أنه يستعرض طريقة كسر الشخصية «مع كل مصيبة» وكيف تجعلها تصل إلى أعلى درجات التوتُّر. الأخوان صفدي نجحوا من خلال الكاميرا والتحرير والصوتيَّات في تهيئة الأجواء المقلقة، وما زلت أتذكر التحليل في هذا الفيديو الذي يبيِّن كيف أنَّ «الصوت» كان البطل الحقيقي في الفلم لأنَّه نجح في تجسيد منظور البطل تحت ضغط زحمة المشاكل التي حوله.

وكذلك أتذكر أحد الأصدقاء لدى مشاهدته الفلم، ارتفع عنده مستوى القلق لدرجة شعوره أنَّ نوبة هلع قادمة في الطريق. 

لذلك وجب التنويه!


ميم النشرة

وضع محررنا رياض وهو طالع من فلم «ناقة».


يعرض الآن

في السينما فلم الدراما «وداعًا جوليا» بطولة إيمان يوسف وسيران رياك ونزار جمعة. منى مغنية سودانية شمالية، بعد أن دمرتها مشاعر الذنب بسبب تستُّرها على جريمة قتل تحاول إصلاح الأمور من خلال توظيف جوليا، أرملة المقتول من جنوب السودان، خادمة في منزلها.

VOX / IMDB

في السينما فلم الإثارة «Silent Night» بطولة جويل كينمان. يفقد أب طفله في تبادل لإطلاق النار بين عصابات في ليلة الكريسماس، وبعدما يُشفى من جرح أفقده صوته، ينطلق الأب في رحلة انتقامية شرسة.

VOX / IMDB

في السينما فلم الأكشن «Hypnotic» بطولة بن أفليك وأليس براقا. يفقد محقق طفلته فجأة، وفي رحلته البحث عنها يكتشف أنَّ لديه قوى لم يعرف بوجودها من قبل.

VOX / IMDB

في السينما فلم الإثارة «شماريخ» بطولة آسر ياسين وأمينة خليل. رؤوف ابن غير شرعي لأهم تجار السلاح في مصر، يعيش في الظلام ودوره تنفيذ المهام غير الشرعية أهمها القتل. يسعى رؤوف للتطهر من حياته، لكن لديه مهمة أخيرة: قتل محامية يقع في حبها.

VOX / IMDB

في منصة نتفلكس فلم الرعب النفسي «ناقة» بطولة أضواء بدر ويزيد المجيول. تخرج سارة بالتخفي عن أهلها للبر مع سعد، وتقع عدة أحداث تحولها إلى رحلة مرعبة.

NETFLIX / IMDB

النشرة السينمائيةالنشرة السينمائيةمقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.