أناييس: النساء قدوتي للعيش والرجال للتفكير

تظهِر أناييس أنها في الخيار بين الحياة وأي شيء آخر ستختار الحياة في كل مرة، وجعلت من الكتابة إصبعها التي تشير بها إليها، ولسانها الذي يعلن اختيارها.

كاتبة اليوميات، أناييس نن / Getty Images
كاتبة اليوميات، أناييس نن / Getty Images

أناييس: النساء قدوتي للعيش والرجال للتفكير

سارة عبدالعزيز

اشتعلت النيران في جانبٍ واحد من الطائرة التي تبعد ست دقائق عن مدينة لوس أنجلوس، هلع الركاب مخافة الموت، وهلعت أناييس مفكرة في كل الأماكن التي لم ترها بعد: «كان هذا ما شعرت به، من العار ألّا أرى كل شيء، وأستمع إلى كل شيء، وأن أوجد في كل مكان». في زمن اليأس والدمار من المنعش أن يقرأ المرء كتابًا يقول مؤلفه: حاوِل، ما زال في الأرض لذّة تنتظر أن تُحصَد.

في مقالات كتابها «تقديرًا للرجل الرهيف» تظهِر أناييس، الأديبة التي عُرفت عبر يومياتها وعلاقتها بهنري ميللر، أنها في الخيار بين الحياة وأي شيء آخر ستختار الحياة في كل مرة، وجعلت من الكتابة إصبعها التي تشير بها إليها، ولسانها الذي يعلن اختيارها. 

في التاسعة من عمرها شُخِّصت أناييس خطأً بداءٍ عضال تنبأ الأطباء بأنه سيعوقها عن المشي طيلة عمرها، فكان أول رد فعلٍ لأناييس وقتها أن طلبت ورقةً وقلمًا لتكتب القصائد. وفي سن الحادية عشرة انتقلت أسرة أناييس إلى أمريكا دون والدها، فبدأت كتابة يومياتها أملًا في أن يغريه ما تصف من هذه الأرض الجديدة فيأتي إليهم. لم تكن الكتابة لها يأسًا أو وسيلة للتعايش، بل رفضًا تشهره في وجه ذلك اليأس. 

في مقالتها «حكاية مطبعتي» تشهر أناييس رفضها ذا؛ حيث تحكي عن تجربتها في النشر. رفض الناشرون طباعة كتبها في الأربعينيات، فاشترت طابعة مستعملة تعمل بالضغط على القدم كآلات الخياطة القديمة، مضمخة بالحبر والعرق. مستعينةً ببقايا الورق التي ابتاعتها من هنا وهناك طبعت أناييس كتبها بنفسها، وعوضًا من التشكي من صعوبة ذلك تقول بحيويتها المعتادة إن الجهد الذي تطلبته طباعة كل كلمة أعانها على تعلُّم الإيجاز في الكتابة والتخلص من الحشو. 

في القسم الأول ضمَّ الكتاب عددًا من مقالات أناييس المتعلقة بهوية المرأة وشكل العلاقة بين الجنسين. كثير من النساء، اللاتي حاولن منح المرأة حريتها المستحقة، وقعن في فخ التجريم المطلق للجنس الآخر، أو محاولة استنساخه. في إحدى المقابلات الواردة في الكتاب تفصِّل أناييس منهجها في ذلك، حيث تقول إنها لم تقلِّد الرجاليومًا ولكنها تتعلم منهم؛ لأن الرجل بطبيعة الحال كان هو الطبيب والعالم والمفكر، فيما لم تتوافر نماذج نسائية لهذه الأدوار آن ذاك: «النساء كنّ قدوتي للعيش، والرجال للتفكير». مقالات أناييس لا تأتي مُنظِّرةً من برج عاجي لامرأة حظيت بمزايا حياة الجنسين، وإنما امرأة تشعر وتدرك قيمة الشعور في فهم أي تواصل بين الجنسين. 

تتطرق المقالات إلى إشكاليات ونقاط مهمة من شأن الالتفات إليها أن يعين على فهم المرأة الحديثة لنفسها وفهم الآخر لها، مثل غياب نموذج المرأة المعاصرة، وضرورة أن يكون الخطاب النسوي بنّاءً غير عدائي.

تستشهد في إحدى مقابلاتها بوالاس فولي الذي يعرِّف الكاتب بأنه «الشخص القادر على الحفاظ على رؤية الطفل الغضة متقدةً داخل الإنسان الناضج». يظهر هذا الجانب من أناييس بخاصة في القسمين الثاني والثالث من الكتاب، حيث ترد مراجعات كتبتها أناييس لبعض الكتب والأفلام التي أعجبت بها، ومقالات وصفية لرحلاتها. 

تظهر من المقالات قدرة أناييس على الارتباط بكل جانب من جوانب الفن، ومع كل موطنٍ ما دام مرحبًا بها. لم تسقط أناييس نظرةً «غربية» على تجاربها، ولعل ذلك يعود إلى كونها ترى العالم موطنًا لا حدود له. أصل والديها الكوبي وطفولتها في فرنسا ونضجها في أمريكا ورحلاتها العدة إلى المغرب، كل ذلك زوَّدها بالقدرة على رؤية الآخر وفهمه دون نبذٍ له. 

يتجلى ذلك في موقفها عندما دعتها أسرة مغربية إلى منزلها لتناول طبق الكسكس المغربي. لم تكن والدة ربة المنزل تأكل معهم، فسألت أناييس عن ذلك وأجابوها بأنها لم تكن تجيد الأكل بالشوكة والملعقة. ردَّت أناييس: «نحن الخُرق لا نعرف كيف نأكل بأيدينا». لتصف بعدها أكل السيدة بيدها ببراعة، دون أن تورد عبارات تهكمية أو دهشة زائفة. 

بتعدُّد الكُتّاب تعددت إجاباتهم عن سؤال الكتابة، ومن خلال هذه الإجابة نتعرف نحن كقراء إليهم. لماذا نكتب؟ تجيب أناييس «نكتب لنرقى بإحساسنا بالحياة، ونكتب لنجذب الآخرين ونأسرهم ونواسيهم، ونكتب لنتغنى بأحبتنا ولنتذوق الحياة مرتين لحظة عيشها وعند استعادة هذه اللحظات فيما بعد. ومثل بروست، نكتب لنجعل كل ما في الحياة أبديًا ونقنع أنفسنا بأنه كذلك. نكتب لنكون قادرين على تجاوز حيواتنا لنصل إلى ما هو أبعد، ولنعلِّم أنفسنا أن نتحدث مع الآخرين وأن ندون رحلتنا في المتاهة. نكتب لنوسع عالمنا حين نشعر بالكبت أو التقييد أو الوحدة». 


  1. أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» الروايات المرشحة للقائمة الطويلة بدورتها لعام 2024، وضمت القائمة 16 رواية من أصل 133 رواية.

  2. فازت قصة «الصحراء حريصة أيضًا» (The Desert Also Keened) للروائي الليبي إبراهيم الكوني وترجمة ديما المعلم بجائزة «آرابليت» (ArabLit Story Prize) لعام 2023 كأفضل قصة عربية قصيرة مترجمة إلى اللغة الإنقليزية.

  3. تعرض منصة نتفلكس فلم «اترك العالم خلفك» المقتبس من رواية الروائي الأمريكي رمان علم.

  4. فقد الوسط الثقافي الكويتي والعربي الشاعر والأديب عبدالعزيز البابطين يوم الجمعة الماضي عن عمر يناهز 87 عامًا. أسَّس الراحل مؤسسة «عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية»، وحصد عددًا من الجوائز، آخرها جائزة الأمير عبدالله الفيصل العالمية لعام 2022 عن فئة «جائزة القصيدة المغناة» عن أغنية «لن أسلاكم» للفنانة ولاء الجندي.


من منيرة سعود:

  1. حياة كاملة، روبرت زيتالر

    رواية عن قصة رجل له علاقة بالطبيعة وعاش عزلة بعيدًا عن الحياة العصرية، تذكرنا بأننا نستطيع العثور على السعادة في كدحنا اليومي ومتعنا البسيطة. الرواية متميزة في طريقة سردها بين الماضي والحاضر والمستقبل، تقول لنا إن الفرح والنبل يمكن أن يوجدا في حياة شاقة قاسية تحتاج إلى الصبر والشجاعة.

  2. أصوات المساء، نتاليا جينزبورق

    في الرواية قصة أناس يحاولون دفن أفكارهم وتحديد هويتهم، من خلال الأفعال التي يقومون بها والكلمات التي يقولونها. رواية مؤثرة وتتميز بواقعيتها وسخريتها المبطنة.

  3. قلب الظلمات، جوزيف كونراد

    هذه الرواية التي قال عنها إدوارد سعيد: «هي أكبر مواجهة مع غير العقلاني والمجهول سياسيًا ونفسيًا وجغرافيًا وثقافيًا». تعد الرواية من الأعمال المهمة في الأدب الغربي، حيث تدور أحداثها في البحر، بحثًا عن تاجر عاج في قلب القارة الإفريقية. جرى تحويلها إلى مسلسلات إذاعية وأفلام سينمائية ومسرحيات من أشهرها فلم «نهاية العالم الآن» للمخرج فرانسيس فورد كوبولا. الرواية مليئة بالتشويق في مواجهة الخطر المجهول.

  4. بذلة الغوص والفراشة، جون دومينيك بوبي

    أصيب الصحافي والكاتب بُوبي بمتلازمة المنحبس، وهي عبارة عن حالة من شلل معظم أجزاء الجسم وبقاء العقل في وعي كامل. لا يستطيع بوبي الكلام ولا الحركة باستثناء رمش جفن العين اليسرى. رتبت مساعدته كلود بيل الحروف على حسب تكرار استخدامها في اللغة الفرنسية؛ فألّفَ كتابه برمش جفنه. الرواية ككل الأعمال الكبرى؛ نبْش في أسئلة الماهية وثنائية الجوهر والعرض، وفيها طابع الفكاهة.

نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.