لماذا أترجم الفانتازيا؟ لأنها أدب حقيقي

إقبال القراء العرب على الفانتازيا ملموس، وعندهم تمييز لا بأس به للكتابة الجيدة من السيئة أيًّا كان الموضوع واللون الأدبي، والأعمال الفانتازيَّة المراوحة بين الجيد والعظيم غزيرة.

قصص الأطفال من الخيال البروسي في القرن التاسع عشر / Getty
قصص الأطفال من الخيال البروسي في القرن التاسع عشر / Getty

لماذا أترجم الفانتازيا؟ لأنها أدب حقيقي

هشام فهمي

ذات مرَّة سألني صديق عن سبب شغفي بترجمة الفانتازيا الملحمية تحديدًا، على رغم أنني ترجمت في عدة ألوان أدبية أخرى، فأجبت: إنها، ببساطة، أكثر لون أدبي أحب قراءته. 

قراءاتي متعددة ومتنوعة، لكن يبقى دومًا التفضيل والذوق الشخصي الذي يجعل نوعًا واحدًا أو أكثر أثيرًا عند المرء. وثمة أعمال عظيمة عديدة أراها جديرة بأن تُنقل إلى العربية، إضافة إلى رؤيتي في نفسي الرغبة والقدرة على نقلها. 

وعلاوةً على ذلك، تركيزي الشخصي في الفانتازيا بمثابة ردٍّ عملي على من يستهينون بهذا الأدب أو من لا يعدونه أدبًا حقيقيًّا. بمعنى أنني لا أصنف ألوان الأدب المختلفة حسب درجةٍ أولى وثانية وثالثة، فلا تهمني حقًّا الوسيلة التي قرر بها الكاتب حكي حكايته والبيئة التي تدور فيها أحداثها، سواء أكانت بلاطًا ملكيًّا في إنقلترا في العصور الوسطى أم مجرَّة بعيدة أم جزيرة غارقة في المحيط، لكنني بكل تأكيد أصنف الكتابة حسب درجات مختلفة من الجودة.

في أصلها اللاتيني، تعني كلمة «فانتازيا» ببساطة «الخيال»، وبمرور الزمن، خصوصًا مع كتابات شيكسبير وجون ملتن، أصبحت الكلمة تعني أيضًا «نتاج الخيال»، واليوم هي جنس أدبي قائم بذاته، ولو أن شيئًا من الجدل يحيط بالتصنيفات التي تندرج تحته. 

إذ يشترط البعض وجود عناصر معينة في العمل لكي يُصنَّف فانتازيا، كأن تدور الأحداث بالكامل في عالمٍ خيالي لا يمتُّ بصلة إلى عالمنا، وأن يحتوي ذلك العالم على قدرٍ من السحر والنبوآت والكائنات الخارقة للطبيعة. ويرفض بعضهم وضع الفانتازيا في سلة واحدة مع الخيال العلمي أو الرعب، على رغم أن عناصر كثيرة من هذا اللون وذاك تتداخل وتتضافر. فمثلًا: روايات «كثيب» لفرانك هربرت تُعد فانتازيا وخيالًا علميًّا في آنٍ واحد، وسلسلة «برج الظلام» لستيڤن كينق تُعد فانتازيا ورعبًا وخيالًا علميًّا في آنٍ واحد.

شخصيًّا، لا أبالي كثيرًا بالتصنيفات الأكاديمية، ولا يهمني حقًّا هل تنتمي الرواية إلى هذا التصنيف الفرعي أو ذاك من الفانتازيا، أو طبقًا لمن. المهمُّ أن تكون رواية ممتعة ومثيرة، شخصياتها من لحمٍ ودم وتجعلني أتفاعل معها، تتعرَّض إلى مِحن وتمرُّ بأوقاتٍ عصيبة وتدور في داخلها الصراعات، تحاول وتخطئ وتفشل وتتعلَّم وتنضج وتكتسب الحكمة، تدفع بخياراتها الإنسانية، التي قد تصيب أو تخطئ، الأحداث إلى الأمام وتُحرك الحبكة بدلًا من أن تُحركها ضرورات الحبكة التي يرغب فيها المؤلف. بتعبير آخر: ضروريٌّ للكتابات الفانتازيَّة الجيدة أن تحتوي على كلِّ المقومات التي يتألَّف منها أي أدب جيد.

الحقيقة الأكيدة أن الفانتازيا بمختلف عناصرها قديمة قِدم الحكاية عند الإنسان، فهي بلا شك ابنة الميثولوجيا (أساطير الشعوب)، والميثولوجيا الكلاسيكية زاخرة بالقصص التي توظف عديدًا من العناصر الفانتازيَّة في أحداثها. من أشهرها بالطبع وأكثرها تأثيرًا حتى اليوم «الإلياذة» و«الأوديسة» عند الإغريق و«الإنيادة» عند الرومان. وفي «جمهورية أفلاطون» نجد قصة خاتم السلطة السحري عند الغجر. وفي قصائد إمپيدوكليس يجعل لعناصر الطبيعة دورًا فانتازيًّا فاعلًا. 

عند الهنود حكايات «پنجاتنترا» أو «الفصول الخمسة» التي تُرجمت إلى الفارسية في صورة حكايات «كليلة ودمنة»، وحكايات «فيكرم ومصَّاص الدماء». وعند الإنقليز الملحمة الشعرية «بيوولف» وأساطير الملك آرثر، وفي الشرق الأوسط «ألف ليلة وليلة» و«جلجامش» و«الشاهنامة»، بخلاف كم هائل من الحكايات الأخرى في جميع بلدان العالم، استُلهمت من كثير منها حبكات وشخصيات وأحداث تعيش الآن في أدب الفانتازيا.

شهدت نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين صعودًا غير مسبوق للفانتازيا، لا سيما بعد الحرب العالمية الأولى، وبرزت في هذا اللون الأدبي أسماء مثل ستلا بنسن وديفد لنزي وديفد قارنت وإيدث نسبت، وبالطبع هـ. ب. لافكرافت. وفي هذه الفترة وُضعت اللبنة الأولى لما نعرفه اليوم بأدب الفانتازيا الملحمية أو الفانتازيا الفائقة (المصطلح الذي صاغه لويد ألكزاندر في مقالةٍ له عام 1971)، تحديدًا في أعمال مثل «البئر عند نهاية العالم» لوليم موريس، و«الملك الذي كان وسيكون» لتي إتش وايت.

لكن من صنع انقلابًا حقيقيًّا في هذا الأدب كان ج. ر. ر. تولكين، حين نشر رواية الأطفال «الهوبيت» في عام 1937، فالتهمها الأطفال والكبار على حد سواء التهامًا، وبعد أعوام أتبعها بثلاثية «سيد الخواتم»، ثم مزيد من الحكايات التي تدور أحداثها في عالم الأرض الوسطى، وهي حكايات كثيرة للغاية ظل ابنه كرستوفر يجمعها وينشرها حتى وفاته، وما زال جديد منها يُنشر بعد وفاة تولكين نفسه بخمسين عامًا!

حاليًّا، الفانتازيا، بخاصة الملحمية منها، أكثر ألوان الأدب قراءة في العالم، وقد أزاحت الخيال العلمي من مركز الصدارة الذي احتله سنواتٍ طويلة، بعد أن أزاح بدوره الأدب الرومانسي، وتُباع نسخ رواياتها بالملايين وتُترجم إلى عشرات اللغات، فما موقع اللغة العربية من كل هذا؟

إقبال القراء العرب على الفانتازيا ملموس، وعندهم تمييز لا بأس به للكتابة الجيدة من السيئة أيًّا كان الموضوع واللون الأدبي، والأعمال الفانتازيَّة المراوحة بين الجيد والعظيم غزيرة، وما علينا إلا أن نتحمس لها وننتقي منها. وبدأ ترجمة أدب الفانتازيا إلى العربية تزدهر في السنوات الأخيرة- وأزعم أن لي جزءًا من الفضل في هذا بترجمة «أغنية الجليد والنار» وغيرها لجورج ر. ر. مارتن. وأضيفَت إلى رفوف مكتباتنا عناوين حقَّقت شهرة أدبية واسعة في لغاتها الأصلية، منها طبعًا «هاري بوتر» و«كثيب» و«عجلة الزمن» و«آلهة أمريكية» و«أضواء الشمال». 

وفي الطريق على حدِّ علمي عناوين أخرى مهمَّة، منها ما سيكون أيضًا من ترجمتي.


  1. توفيت الروائية والشاعرة البريطانية أنطونيا سوزان بيات عن عمر يناهز سبعة وثمانين عامًا. فازت بجائزة البوكر عام 1990 عن روايتها «التملك» (Possession) التي جمعت بين الغموض والأدب والرومنسية والنقد الاجتماعي.

  2. أعلنت جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية عن القائمة الطويلة لدورتها السادسة. ضمَّت القائمة عشرة عناوين من أصل 198 مجموعة قصصية تقدمت للجائزة من ثلاث وعشرين دولة عربية وأجنبية.

  3. ينطلق معرض الكويت الدولي للكتاب في نسخته السادسة والأربعين في الثاني والعشرين من نوفمبر الجاري بمشاركة تسع وعشرين دولة منها ثماني عشرة دولة عربية. ويأتي معرض الكتاب هذا العام بالتزامن مع احتفال المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمرور خمسين عامًا على تأسيسه.

  4. ضمن استعدادات باريس لاستضافة حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية 2024، تعمل الحكومة الفرنسية على إزالة أكشاك بيع الكتب المستعملة لدواعٍ أمنية وسط ذعر البائعين وغضبهم.


من هشام فهمي:

  1. أغنية الجليد والنار، جورج ر. ر. مارتن

    من مشهد العثور على الذئاب الصغيرة في الثلوج انبثق عالم كامل في مخيِّلة مارتن، الذي شرع في كتابة سباعيته (غير المكتملة حتى الآن) عام 1994، ليخلب ألباب ملايين القرَّاء بحبكتها التي تتضافر فيها عناصر الأسطورة والخرافة مع الإثارة السياسية، وشخصياتها العديدة الواقعية جدًّا التي تتشابك مصائرها مع مصير العالم.

  2. كثيب، فرانك هربرت

    مزج هربرت بين الخيال العلمي والفانتازيا، وتأثَّر في كتابته هذه السلسلة كثيرًا بالثقافة العربيَّة والإسلاميَّة، ليؤلف لنا حكاية مثيرة غنية بالتفاصيل المدهشة. تدور أحداث الحكاية في الفضاء في المستقبل البعيد، وعلى امتداد أجزاء عدَّة تصف لنا الصراعات والانتصارات والهزائم التي يخوضها البشر في ذلك الزمن البعيد لكي يستمرُّوا ويتخلَّصوا من الطغيان.

  3. عجلة الزمن، روبرت جوردان

    تدور عجلة الزمن وتحلُّ عصور جديدة وتنقضي محيلةً الذكريات إلى أساطير والأساطير إلى خرافات، حتى الخرافات تُنسى في النهاية، إلى أن يأتي عصر جديد، وتتجدَّد الصراعات بين قوى الخير وبطلها المنتظر وقوى الظل وشيطانها الأكبر. ملحمة من أربعة عشر كتابًا تُعد درَّة أعمال جوردان.

  4. آلهة أمريكيَّة، نيل جايمان

    بعد قضاء شادو ثلاث سنواتٍ وراء القضبان يقبل العمل لحساب رجلٍ غريب صاحب شخصيَّة ساحرة يبدو أنه يعرف عن شادو أكثر مما يعرفه عن نفسه. مع عمل شادو عند هذا الرجل يجد الحياة أشد إثارةً وخطورةً مما تخيَّل يومًا، ويأخذه عمله في رحلةٍ ظلاميَّة ملأى بالعجائب في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، حيث يلتقي حشدًا من الشخصيات العجيبة التي قد تكون أكثر من مجرَّد بشر.

نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.