أجهزتك تعطي حياتك معنى

لا يعني اقتناؤنا المزيد من الأغراض أنَّها طغت بماديّتها على الحياة، بل لربما أصبحت تلك الأغراض ذاتها ما يسبغ على حياتنا مزيدًا من المعنى.

قبيل بضعة أعوام، لما بدأت ألحظ انتشار الساعات الذكية عند أقراني، كنت أتساءل: ما الذي يدفع شخصًا ما لاقتناء ساعة يحتاج بين الحين والآخر إلى شحنها؟ ألا تكفي معضلة شحن الهاتف والسماعات والحواسيب -محمولة أو لوحية- بشكل دوري حتى تضاف إليها ساعة المعصم؟ 

لم يستغرقني الأمر سوى بضعة أشهر، حتى عثرت على الإجابة المتمثلة في إدراك حاجتي لحساب خطواتي اليومية والسعرات الحرارية وغيرها. وهكذا وجدت نفسي قد انضممت لمرتدي الساعة الذكية، وتقبّلت ازدياد مخزون الشواحن لدي.

تكرر التساؤل عام 2016 حينما ظهرت سماعات «الإيربودز» (AirPods)، وعما قد يدفعني لاقتناء سماعات تفوق وتيرة شحنها ما اعتدته. ولكن لما قررت إدارة القسم الذي أعمل فيه التحول إلى نظام المكاتب المفتوحة، وجدت في خاصية إلغاء الضوضاء ضرورةً لتحمل الإزعاج الذي بدأ يتدفق من كل الجهات وفي كل الأوقات، لا سيما أنَّ سماعات الرأس الضخمة غير عملية في بيئة عملي. 

هكذا، ومنذ لحظة اقتناء «الإيربودز»، وأنا أعيش تجربة الأماكن العامة والمقاهي بصورة مختلفة تمامًا تعوّض الحاجة لشحنها يوميًا.

وأخيرًا، قبل بضعة أشهر، لما احتجت لقراءة مجموعة من الكتب التي لم تتوفر سوى بنسخ باهظة الثمن يتطلب شحنها مبلغًا وقدره، قررت اقتناء قارئ إلكتروني لوضع حد نهائي للمبالغ الضائعة في ذلك، حتى وإن عنى ذلك التنازل عن بعض الإدراك المرتبط بقراءة الكتب ورقيًا، مقابل قراءتها من على الشاشة. وبهذا، بات القارئ هو الآخر جزءًا أساسيًا من حياتي اليومية.

القاسم المشترك بين الأمثلة الثلاثة هو أنَّ حاجةً معينة قد تولدت جراء أسلوب الحياة الذي أعيشه -سواء أكان الأسلوب اختياريًا أم مفروضًا- فتغلبت تلبية الحاجة على رفضي السابق لفكرة اقتناء الأغراض، وامتعاضي من ازدياد اعتمادي على ما يستوجب شحنه باستمرار. بل مع استعمالي لها، وجدت أن بالإمكان استغلال تلك الدقائق الضائعة في ما بين المهام أو الأشغال أو المشاوير لإنجاز ما يمكن إنجازه، مما سهَّل عليّ ممارسة مختلف هواياتي دون إخلال فعليّ بجدولي.

من الصعب في أيامنا الملأى بالدوام وما يتفرع منه، ألّا نتقبّل السهولة التي تمنحنا إياها التقنيات الجديدة. ولا يعني اقتناؤنا المزيد من الأغراض أنَّها طغت بماديّتها على الحياة، بل لربما أصبحت تلك الأغراض ذاتها ما يسبغ على حياتنا مزيدًا من المعنى. 

الإنسانالتقنيةالحياةالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام