معادلة الربح والخسارة في «رؤية سوفت بنك»

تأسس صندوق «رؤية سوفت بنك» 2016 ليكون أكبر صندوق استثماري في العالم، مع صندوق الاستثمارات العامة كأكبر مستثمر. وفي 2021 بدأ يجني ثماره.

لم يكن شهر أكتوبر 2016 عاديًّا، فقد أُعلنَ عن توقيع اتفاقية تجمع صندوق الاستثمارات العامة وشركة سوفت بنك، هدفها تأسيس صندوق استثماري جديد: «صندوق رؤية سوفت بنك». ليكون أكبر صندوق استثماري في العالم، مع صندوق الاستثمارات العامة كأكبر مستثمرٍ فيه. وليلعب صندوق «رؤية سوفت بنك» دورًا هامًا في قيادة وصنع أهم الصفقات الاستثمارية في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة والجريئة.

لكن، ما الذي دفع صندوق الاستثمارات العامة -المعروف بتحفظه الشديد في الاستثمار- على هذه الخطوة الجريئة؟ ولماذا مع شركة سوفت بنك تحديدًا؟ وكيف سيساهم الاستثمار في تحقيق بعض أهداف رؤية السعودية 2030؟

لماذا الشراكة مع «سوفت بنك»؟ 

منذ إنشائه عام 1971، سار عمل صندوق الاستثمارات العامة بشكل تقليدي، ووُفق في تمويل المشاريع الكبرى والمساهمة في تأسيس الشركات الكبيرة. وآنذاك، هدُفت المساهمات إلى تحقيق الأغراض الاستراتيجية التنموية وتلبية متطلبات الفترة

دام عمل صندوق الاستثمارات العامة على الوتيرة ذاتها دون تغيير لمدة أربع وأربعين سنة حتى عام 2015. وفي خطوة تجسد تغييرًا جذريًّا، أُحيلَت مرجعيّة الصندوق لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. ورأس مجلس الإدارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي غيَّر استراتيجية الاستثمارات العامة جذريًّا، لتصبح أكثر ديناميكية وفاعليّة في الاستثمار، وليصير الصندوق محركًا فعليًّا في الاقتصاد.

هكذا ساهمت كل تلك التغيرات في إطلاق قوى الصندوق الخاملة، ليكون الأداة الأهم في تحقيق الكثير من برامج الرؤية. ولعل أهم الأهداف المطلوبة من الصندوق المندرجة ضمن أهداف الرؤية: تعزيز البيئة الاستثمارية وتنمية الاستثمارات المستدامة داخل السعودية والمساهمة في تنمية وتنويع الاقتصاد وخلق الوظائف.

هل ينجح «شريك» في تحقيق رؤية 2030

تنتظر الاقتصاد السعودي قنبلة موقوتة: نحو ثمانية ملايين سعودي مقبلون على سوق العمل في السنين القليلة المقبلة. تواجههم نسبة بطالة مرتفعة في الأساس، ومنافسة الذين

7 أبريل، 2021

ولا يمكن لهذه الأهداف أن تتحقق إلا باستشراف المستقبل والدخول في قطاعات التكنولوجيا التقنية المتقدمة والمراهنة عليها.

لكن خبرة صندوق الاستثمارات العامة لم تسمح بالاستثمار المباشر في هذه القطاعات التقنية ذات المخاطر العالية. إذ يتطلب الاستثمار في تلك القطاعات مختصين يملكون الخبرة الطويلة وشبكة علاقات جاهزة لضمان أفضل الفرص.

من هنا جاء قرار الدخول مع مديرٍ استثماريٍّ يمتلك كل هذه المواصفات، قادرٍ على رؤية المستقبل وفهم التغيرات والتطورات السريعة فيها. على أن يكون هذا المدير بحجم الاستثمارات الكبير. 

تصدَّر السيد ماسايوشي سون رأس القائمة. فقد استطاع عقد صفقات ناجحة وكبيرة عبر تاريخه الطويل. وهو أيضًا من أسس خدمات ياهو في اليابان، وقاد عملية الاستحواذ الشهيرة على فودافون. فضلًا عن استثماره الأشهر في علي بابا عام 1999 بما قيمته 20 مليون دولار، والذي تجاوزت قيمته اليوم 100 مليار دولار.

وبذا يملك ماسايوشي ما يتطلبه الصندوق من جراءة وخبرة في الاستثمار والاستحواذ وعقد صفقات الاندماج العملاقة.

حجم وطبيعة الاستثمارات 

تأسَّس الصندوق على يد شركة «سوفت بنك» وصندوق الاستثمارات العامة، مع وجودهما كأكبر مستثمريْن. ثم انضم إليهما عددٌ من المستثمرين، منهم شركة مبادلة الإماراتية وأبل وشارب وفوكس كون وكوالكم.

كان حجم مشاركة صندوق الاستثمارات العامة آنذاك بحدود 45 مليار دولار (157.5 مليار ريال) وهو الأضخم، بما يقارب 45% من حجم الصندوق البالغ قيمته 100 مليار دولار. وشكَّل هذا الاستثمار ما بين 18% إلى 19% من حجم أصول صندوق الاستثمارات العامة في عام 2017.

إضافةً إلى ذلك، انقسم استثمار صندوق الاستثمارات العامة في صندوق «رؤية سوفت بنك» إلى نوعين:

يتمثل النوع الأول البالغ قيمته 17.5 مليار دولار في صورة أسهم عادية بالصندوق. ويسير بمبدأ إن ربح تربح وإن خسر تخسر، مشكّلًا 39% من حجم الاستثمار.

أما النوع الثاني بقيمة 27.5 مليار دولار، فأتى على صورة أسهم ممتازة، ويشكل نسبة 61% من حجم الاستثمار. استثمارٌ أشبه ما يكون بأداة دين يستحق مالكها 7% سنويًا، بغض النظر عمّا كان الصندوق رابحًا أم خاسرًا. أي تستلم الاستثمارات العامة 1.9 مليار دولار من صندوق «رؤية سوفت بنك» سنويًّا .

ومن المهم فهم طبيعة استثمارات صندوق «رؤية سوفت بنك»، فهي ليست استثمارات عادية في شركات مدرجة تُتَداول أسهمها بالسوق، وإنما استثمارات في شركات خاصة غالبًا ما تكون في مرحلة متقدمة من النمو والحجم.  Click To Tweet

وتواجه الشركات الخاصة أو المغلقة تحديات ومخاطر في السوق أو في نموذج عملها. إذ لا تعمل في قطاعات تقليدية يُعرف حجم سوقها أو تقديرات مبيعاتها وتكاليفها؛ بل شركات عالية التقنية، غير تقليدية وذات طبيعة ثورية في قطاعاتها. لذا يختلف تقييم وتحليل هذه الاستثمارات كثيرًا عن تقييم الاستثمارات التقليدية.

الخسارة لا تمنع الربح 

لا بد من وجود استثمارات خاطئة أو خاسرة، فليس معقولًا توقع نجاح كل استثمار يدخله هذا النوع من الصناديق. فكيف سيحقق الصندوق أرباحًا مع وجود خسائر حتمية إذن؟ 

يتمثل الجواب في زيادة الاستثمارات وتنويع الأصول بينها. فإن افترضنا أن الصندوق استثمر في خمسين شركة، خسر في ثلاثين منها، بينما العشرون المتبقية حققت النجاح، سيكون النجاح الكلي وقتئذ كبيرًا جدًا لتغطية الخسائر. وسيزداد بشكل كبير بما يحقق ربحًا صافيًا للصندوق. وهذا ما سيتبين لنا لاحقًا بشكل أوضح.

ثانيًا، ليس من المنطقي الحكم على نجاح أو فشل الصندوق قبل انتهاء مدته. فكل من حكم على فشل الصندوق أواخر عام 2019 والربع الأول سنة 2020، بدَّل حكمه نتيجة آخر المخرجات. فالصندوق ما زال في أول ربع من حياته، والوقت مبكر لإصدار الأحكام.

ثالثًا، تختلف استثمارات الصندوق في طبيعتها عن الاستثمارات العادية. إذ يستثمر الصندوق في قطاعات واعدة غير مستقرة أو تقليدية، أي أحدث التقنيات الناشئة من قبيل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات والفضاء وغيرها. كما يستثمر أيضًا في قطاعات تقليدية بنماذج أعمال ثورية كقطاعات العقار والتسوق والمالية والتعليم وغيرها.

كذلك يستثمر الصندوق في مرحلة معينة ومحددة من عمر الشركة. فالشركات الحديثة التي لم تحقق نموًا وحجمًا معينًا من المبيعات ليست ضمن نطاق استثمارات الصندوق. فلا بد أن يكون حجم الشركة كبيرًا قياسًا على الشركات الحديثة، وأصغر من حجمها عند تداولها في الأسواق المالية.

كما يحرص الصندوق على الاستثمار في مرحلة معينة من نمو الشركة المتقدم، أي في المراحل الأخيرة قبل مرحلة الاكتتاب والتداول كشركة مدرجة، أو ما يسمى بالمراحل المتأخرة من الاستثمار الجريء. ويختلف الصندوق عن صناديق الملكية الخاصة بسبب نوعية الاستثمارات وخطورتها. 

محطة «وي وورك» الاستثمارية 

منذ بدايته وحتى اليوم، استثمر صندوق «رؤية سوفت بنك» في العديد من الشركات. وصار يملك حاليًا ما يقارب سبعًا وسبعين شركة. وتعد بعض استثماراته تخارجًا إما عن طريق الإدراج أو الاستحواذ والاندماج. والبقية ما زالت في محفظة الصندوق، مع استمرارية الاستثمار في المزيد من الشركات. 

وتتوزع الاستثمارات بين تسعة قطاعاتٍ شهدت تباينًا بين نجاحات وفشل. ولعل أبرز المحطات الاستثمارية شركة «وي وورك» (Wework) التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة، أولًا بسبب حجم استثمار الصندوق، وثانيًا لوجود شركة سوفت بنك التي تقدر حصتها بحدود 10 مليار دولار. ومُنيَ الاستثمار فيها بخيبة أمل كبيرة.

فقد جاءت توقعات الملاك بإدراج أسهم الشركة بتقييم يبلغ 47 مليار دولار، لكن السوق لم يقبل هذا التقييم بسبب المبالغة، وأيضًا لملاحظات مهمة على مؤسسها. إذ ذاك فشل الإدراج، منعكسًا سلبًا على مستقبل صندوق «رؤية سوفت بنك».

وفورًا ما انطلقت الكثير من التقارير وعناوين الصحف حول العالم مبشرة بفشل ذريع للصندوق وفشل المراهنة على شراكة الاستثمارات العامة مع سوفت بنك. وللأسف أتى حكمًا مجحفًا وقاسيًا ومتعجلًا للحكم على أداء الصندوق. 

فالاستثمار جزء من المحفظة ولا يزال الوقت مبكرًا. وإلى الآن، لا يمكننا الحكم نهائيًا على شركة «وي وورك» ولا على كامل الصندوق. فثمة خطط لإدراج الشركة من جديد عبر ما يعرف بصناديق «شركات الاستحواذ لأغراض خاصة» (SPAC).

وبعد حادثة «وي وورك» بسنة ونصف تقريبًا، حقق صندوق «رؤية سوفت بنك» ارتفاعًا لافتًا للأرباح بحدود 13 مليار دولار -ارتفاع قيمة الشركات لا أرباحًا نقدية- وذلك بسبب تحسن قيمة شركتي أوبر ودور داش. وتعادل الأرباح ارتفاعًا بـ18% من أسعار الشراء، ما يشير إلى انعكاس النتائج. لكنها ليست أفضل نتيجة! 

أرباح «رؤية سوفت بنك» 

أتت المفاجأة الكبيرة في إعلان الأرباح المتوافقة مع نهاية الربع الأول من عام 2021، حيث تمكن الصندوق في هذا الربع من إدراج عدة شركات، كان أبرزها «كوبانق» (Coupang) الكورية التي بلغت أرباحها غير المحققة أكثر من 28 مليار دولار جراء ارتفاع أسهمها في السوق. لتُسجّل على الورق أرباحًا ضخمة لصالح صندوق «رؤية سوفت بنك».

ومن المتوقع تخارج الصندوق من هذه الشركة وشركات أخرى بعد تحقيقها أرباحًا هائلة. وما زال الصندوق يحتفظ بشركات يُتوقَّع اداؤها الرائع مثل شركة «دي دي» (DiDi) الصينية وأوبر، وغيرها في قطاعات مهمة كقطاع تقنية العقار والصحة والخدمات اللوجستية والتقنية المالية وتقنية التعليم.

ووفقًا لآخر بيانات الشركة، يبلغ تقييم استثمارات صندوق «رؤية رقم واحد» وصندوق «رؤية رقم اثنان» 154 مليار دولار. وللأسف، لا علم لي بتقييم صندوق «رؤية رقم واحد» المعني في استثمارات السعودية، لكني أتوقعه بحدود 130 مليار دولار. 

مع العلم أن الصندوق وزع أرباحًا على حمَلة الأسهم الممتازة والتي يملك صندوق الاستثمارات العامة جزءًا منها كما وضَّحنا سابقًا. ومن المحتمل أنه وزع على حمَلة الأسهم العادية بعض عوائد عمليات التخارج. لكن ليس من الحكمة التعجل بإطلاق الأحكام على هذا النوع من الاستثمارات.

وبكل تأكيدٍ استفاد صندوق «رؤية سوفت بنك» بشكل كبير من الزخم غير العادي والإقبال الكبير على الشركات التقنية، والذي دفع بتقييمات هذه الأسهم نحو مستويات غير مسبوقة. وإن يظل التساؤل موجودًا حول مدى استمرارية الارتفاع.

لكن على العموم، فصندوق «رؤية سوفت بنك» راضٍ بما يحدث. أما صندوق الاستثمارات العامة، فنوَّع استثماره فيه بأسهم ممتازة بنسبة 61% وأسهم عادية بنسبة 39% لإدارة مخاطره، وهو ما أعدّه خطوة ممتازة.

الاستثمارالاقتصادالقطاع الماليالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية