الأسئلة الوجودية الملحّة

اشترك في نشراتنا البريدية

يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
29 يونيو، 2018

يقال إن الإنسان لديه ثلاثة أسئلة وجودية، تقض مضجعه إذا لم يستطع الإجابة عليها. وتنبثق من هذه الأسئلة الثلاثة كل الأسئلة الوجودية الأخرى، بسيطة كانت أو كبيرة، إذ أن مهمتها أن تفسر للإنسان وجوده وتعطيه هدفًا ورسالة.

فإن لم يُجِب عنها إجابة لا تتسق مع الرؤية التي يراها لنفسه والسلوك الذي يقوم به، فذلك يؤدي إلى الانفصام والشك وحيرة كالّتي أصابت إيليا أبو ماضي مع أسئلته الوجودية

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري!

لأن إجابتك عن هذه الأسئلة الثلاثة تبني عليها معرفتك المستقبلية، وأحكامك والمعنى الذي ستملكه حياتك. إذ أنها تصوغ رؤيتك ومنهجك الذي ستُجيب فيه أي سؤال. هذه الأسئلة فطرية وتولد مع الإنسان ويرددها في طفولته أكثر من كهولته فيسأل أبويه عن كل سؤال يُعتقد أنه من العبث فرض علامة استفهام عليه.

السؤال الوجودي الأوّل: من أنا؟
السؤال الوجودي الثّاني: من أين أتيت؟
السؤال الوجودي الثّالث: إلى أين سأذهب؟

إجابات هذه الأسئلة قد لا تكون شائكة عند المؤمنين بالديانات السماوية مثل الإسلام؛ فهو يعطي إجابات ثابتة لا تتغير، وتقريبًا هذه الأسئلة الثلاثة هي منشأ كل دين. إذ تحاول الأديان منذ الأزل تفسير وجود البشر وعلته، بتقديم إجابات معقولة للأسئلة الوجودية الكبرى إلى أتباعها.

في المجتمعات اللادينية، أو التي تستبعد المكون الديني من تكوين فكرها، نجد أن هذه الأسئلة باتت معلّقة، أو وجد لها إجابات متعددة ومتغيرة لذلك تنشأ نزعة نحو العدمية، ورؤية الوجود عبثًا لا غاية حكيمة منه.

وهذه النزعة قد تنشأ أيضًا عند أفراد المجتمعات الدينية لأن هذه الأسئلة وإجاباتها لا بد من أن تكون متّسقة مع المعرفة المكتسبة، فإذا تغيرت هذه المعرفة تأثرت هذه الإجابة.

تقول الباحثة انتصار العتيبي في محاضرتها عن تاريخ الفكر الغربي:

إن الأسئلة الثلاثة إذا ما اصطدمت مع ثقافات أخرى وأحدثت شكًّا في هذه الإجابات، ستسبب بتحولات للإنسان، إن إجاباتي على الوجود تتسق مع معرفتي وتتسق مع قيمي، فإذا درست علمًا لا يوجد اتّساق بينه وبين أسئلتك الوجودية فإنه حتمًا سيؤثر على إجاباتك الوجودية، لذلك عندما ينفتح الإنسان علميًّا فإنّ أفكاره تبدأ بالتخلخل، فتتأثّر أفكاره وعقيدته أو إجاباته على الأسئلة الوجودية لأنه لا يجد اتّساقًا بين معرفته وبين إجاباته بل صار في انفصام.

الإجابة في الإسلام قد تكون على درجة من الوضوح فأنا عابد لله أتيتُ منه، وسأذهبُ إليه، ولا يوجد فيها اختلاف. إلّا أنّ احتمال حصول الانفصام كما الحالة السابقة قد لا يكون بعيدًا.

الفكر الغربي الحديث بدوره كان له تفسيرات مختلفة وجودية وبراغماتية، إلا أنها أجمعت على استبعاد المكون الديني. جعلت الوجودية الإنسان مناطًا للوجود، فالإنسان يوجد أوّلًا ثم توجد ماهيته. أي على الإنسان أن يخلق ماهيته الخاصة. ومن هذا المنطلق، وجِدت مدرسة العلاج بالمعنى (Logo Therapy). فكل إنسان يبحث عن ماهيته الخاصة ومعناه الخاص من وجوده في هذه الحياة ولأجل ماذا يعيش ويموت.

هو العصفور بالأمس وقد يكون غدًا الشجرة مثلما هو بوذا اليوم

وكان للشرق أيضًا إجاباتهم الخاصة التي تختلف باتساع ثقافاتهم، وتتغير بتغير مكوّنهم الفكري ومدى اقترابهم منه وابتعادهم عنه. إنّ بوذ مثلًا يفترض بأن الحياة حلقة من الصيرورة الدائمة، فلا يوجد شيء دائم في الذات المادية والشيء يتعلق بالشيء الآخر ويعتمد عليه. فبوذا هو العصفور بالأمس وقد يكون غدًا الشجرة مثلما هو بوذا اليوم.

وهي إجابة تشبه إجابات الفلاسفة اليونانيين أمثال فيثاغورس، وإمبيدكلس اللذين آمنا بتناسخ الأرواح؛ إما لأنهما يران أن الروح خالدة كونها مرتبطة بالروح الإلهية الأزلية، أو أنها تعود وتتحد مع خالقها بعد أن تتطهر، أو أنه سيكون عدمًا وذرات في الوجود كما قال أرسطو وديموقريطوس.

وعلى الرغم من أن إيمانك بالدين سيكفلُ لك غالبًا الإجابات الثلاث ثابتة ممتلكة حُججها، إلا أنّ تحقق استقرارها في نفسك يكون بعد أن تصبح محل تفكر وتساؤل. يقول الكاتب العراقي رياض الدليمي:

لم يوجد نص قدسي يبرر للإنسان رضوخه تحت الإيمان اليقيني الخالي من الأسئلة دون براهين وثوابت أزلية وحجج ترسخ اليقين في ذاته وجوهر كنهه.

قد لا يرضى العقلُ المتّقد بالإجابة عن الأسئلة الوجوديّة الأساسيّة الثلاثة فحسب. بل ينطلقُ ليبحث عن إجاباتٍ أُخرى، أين سيذهب؟ وكيف سيقوم بدوره الأمثل على وجه هذه الأرض؟ وكيف سيقوم بتحديد الصواب والخطأ كما يتفق مع إيمانه. ويبقى يراجع نفسه في كل طور جديد من حياته، حين تدق هذه الأسئلة بابه وتقف له في طريقه وتتمثل له عند كل معضلة.

قد تبدو الأسئلة الوجودية شَرَكًا شائكًا، يوقِعُ الإنسان في تخبّطات وتساؤلات في محاولة إجابتها، وقد يضيع أيضًا في هذه المحاولة حتّى آخر حياته، وحتّى نتجنب ذلك فإننا نحتاج إجابات تصمد في وجه التحولات التي قد تؤثر على طريقة تفكيرنا، وتكون متسقة مع رؤيتنا لأنفسنا، وتجيب عما نشعر أنه مهمتنا في هذه الحياة.

الوسوم: الإنسان . الحرية .

اقرأ المزيد في الثقافة
مقال . الثقافة

مهرجان أفلام السعودية.. آمال كبيرة ومخرجات هزيلة

وجود مهرجان أفلام السعودية ضروري لاكتشاف المواهب وتأهيلها، ولكن ليس بالطريقة التي تحدث الآن. فمخرجاته الفنية ما زالت دون المستوى المأمول.
محمد العباس
مقال . الثقافة

دليلي الإرشادي لعمل المرأة في بيئة مختلطة

تطلَّب الأمر عشر سنوات حتى أنتقل إلى بيئة عمل مختلطة، وسنوات إضافية من الخبرة والتجارب حتى أخرج بدليل إرشادي يوجه مساري فيها.
هيفاء القحطاني
مقال . الثقافة

السفر إلى نيويورك بعد الجائحة

زرت نيويورك وقد عادت للحياة بعد الجائحة، لأجدها مختلفة عمَّا عهدت. فالمدن التي أحببناها وأمدتنا بأجمل الذكريات مرضت أيضًا ولا تزال تتعافى.
هيفاء القحطاني
فلم . الثقافة

ثمانية أسئلة مع سائق سباقات

من مفحط إلى بطل سباقات! في هذه الحلقة من «ثمانية أسئلة» نستضيف سعيد الموري، وهو متسابق رياضة سيارات منذ عشرين عامًا.
عبدالملك آل سعيد
فلم . الثقافة

ما تحتاج معرفته عن الأردن | رحلة مع أنس إسكندر

وصلت في الحلقة العاشرة إلى أردن النشامى، لأتعرف على طقوس رمضان. بدأت بزيارة مدينة «مأدبا» التي تُعرف بأحد أنواع الفنون فن الفسيفساء.
رولا عبدالرحمن
مقال . الثقافة

ختم المغادرة

ودعت عائلتي في دمشق بعد شهر من احتفالنا بالعام الجديد على وقع أزيز الرصاص. قطعت الحدود وتنقَّلت وتزوجت وصرت أبًا، ونسيت طبع ختم المغادرة.
سامر مختار