هل ستحدد السوق السعودية مسار السينما المصرية؟

لا نتحدث هنا عن تفضيلات الجمهور في بلد الفلم، بل في بلدٍ شقيقٍ صار أثره الاقتصادي أكبر من السوق الداخلية.

تجمّع الناس أمام دور السينما لمشاهدة الأفلام في القاهرة / Getty Images

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
29 يونيو، 2023

جمعني لقاء بأحد أبرز المنتجين المصريين خلال العام الماضي، وعندما سألته عن أداء فلمه الذي صدر حديثًا في القاعات المصرية فاجأي بردٍ غير متوقع: «لا أهتم كثيرًا بما يحققه الفلم من أرباح في مصر، فلو اكتفى بجمع جنيه واحد فلن تكون مشكلة؛ فقد حققت مكسبي بالفعل من خلال عقد ونسبة توزيع الفلم في قاعات السعودية.»

يكشف الرد عن وضع استثنائي تعيشه السينما المصرية الجماهيرية منذ افتتاح قاعات العرض في المملكة، وما تحققه بعض الأفلام من أرباح قياسية بحساب فارق العملة، أحدثها فيلم الكوميديا الرومانسية «شوقر دادي» الذي جمع من القاعات المصرية ما يقرب من سبعة ملايين جنيه، وتجاوزت إيراداته في السعودية 25 مليون ريال، ما يوازي 204 ملايين جنيه، أي ما يقارب ثلاثين ضعفًا!

الاعتماد على تحقيق الأفلام أرباحًا كبيرة خارج نطاق بلدها أمر طبيعي في صناعة السينما، السوق الصينية، مثلًا، صارت ذات أهمية فائقة للأفلام الأمريكية. يمتد تأثير السوق السعودية على الفلم المصري لعقود تسبق افتتاح القاعات في المملكة، خلال مرحلة إنتاج أفلام محدودة الكلفة بتمويل سعودي كي تُطرح على شرائط الفيديو «في إتش أس» (VHS) مصحوبة بإعلانات تجارية.

لقد جرى ذلك عندما كانت «الشرائط» الوسيلة الوحيدة لمشاهدة الأفلام في المملكة، وأسفرت عمّا سمّاه النقاد «أفلام المقاولات»؛ لأنها كانت تُصنع لأغراض تجارية بحتة.

التأثير تزايَد بعدما أطلقت مجموعة «روتانا» شركة روتانا للإنتاج السينمائي «روتانا ستوديوز» عام، 2005 فصارت من أكبر ممولي الأفلام المصرية، كما توسعت أشكاله من خلال ما عُرف في مطلع الألفية بنظام «سُلَف التوزيع» يعني ذلك أن تسهم شركة التوزيع في إنتاج الأفلام عبر تسديد دفعة مقدمة من حقوق توزيع الفلم، بما يجعل الموزع صاحب قرار في اختيار الفلم الذي سيوزعه، ومِن ثَم ينال السُلفة، فيضمن استكمال ميزانية تصويره.

العلاقة إذن قديمة وممتدة، ومن البديهي أن يكون الأثر الثقافي والفني والاقتصادي متواصلًا بين بلدين يجمعهما ماضٍ كبير وعلاقات متشابكة على الصعُد كافة. لكن التفاوت في حجم السوق وما تحققه الأفلام من أرباح أوجد وضعًا عجيبًا لا نجد مثيلًا له في تاريخ صناعة السينما بأكمله: أن يكون بلد ما هو السوق الرئيسة التي تحدد نجاح فلم من إنتاج بلد آخر، وأن تتضاءل في المقابل أهمية نجاح الفلم أو إخفاقه في سوقه المحلية.

مجددًا، تحدث دائمًا طفرات هنا وهناك، «كفر ناحوم» للمخرجة نادين لبكي، مثلًا، جمع 54 مليون دولار من الصين فقط لكن الطفرات تحدث بصورة عشوائية غير قابلة للتوقع أو التكرار، ويصعب أن نفترض تركيز لبكي في فلمها المقبل على ما يُرضي الجمهور الصيني. 

أما الحالة المصرية فقد صار فيها تكرار النجاح القياسي الذي حققته أفلام مثل «وقفة رجّالة» و«بحبك» و«بعد الشر» ثم «شوقر دادي» مؤشرًا إلى وجود نمط بعينه. هذا النمط يصعب ألا يلفت الأنظار، وبخاصة أبصار المنتجين ممن سيحددون الاتجاه الذي ستسلكه السينما المصرية خلال الأعوام المقبلة. لا ينفصل هذا عن حقيقة إخفاق أفلام مصرية أخرى في تحقيق النجاح نفسه مع الجمهور السعودي، «كيرة والجن» للمخرج مروان حامد.

لقد حقق هذا الفلم أكبر إيرادات في السوق المصرية خلال العام الماضي بجمع 117 مليون جنيه ولم ينجح في تحقيق نجاح يذكر في القاعات السعودية، ولم يكن ضمن الأفلام العشرة الأكثر نجاحًا خلال عام 2022.

زد على ذلك أن شركة التوزيع طلبت مؤخرًا حجب إيرادات فلم «هارلي» من بطولة النجم محمد رمضان عن الإعلام، وهو طلب يوحي بعجز الفلم عن بلوغ رقم لائق يمكن الإعلان عنه. من المبكر جدًا تقدير مزاج جمهور السينما السعودي، لكن الأكيد أن فلم الحركة المصري ليس في قائمة تفضيلاته، الأفضلية الواضحة في هذه الحالة تكون للسينما الأمريكية. 

الواضح أيضًا أن القاسم المشترك بين الأفلام المصرية الناجحة هو ارتباطها بالأساس بالكوميديا مع بعض الرومانسية. بعبارة أخرى: الأفلام ذات الخصوصية المصرية يُمكن أن تُخاطب مُشاهدًا سعوديًا يحب هذا النوع. أما معركة التقنيات والأفلام الضخمة والمطاردات والمعارك فهي محسومة سلفًا لأسباب يمكن تفهمها منطقيًا. 

فلو نحينا العواطف جانبًا فلن نختلف على أن مشاهدة توم كروز يُقاتل أمتع بكثير من مشاهدة أحمد عز يحاول تقليده. لا ضير في أن تدرك كل صناعة حدودها ومزاياها التنافسية، والمنطق الاقتصادي يقول إنك لو كنت تُنتج ألعابًا للأطفال يُقبل عليها المستهلكون في كل مكان. ليس من العقل أن تُصمم على أن تُصَنِّع طائراتٍ حربيةً وتدخل سوقها.

لكن لنتذكر أننا نتحدث هنا عن منتج ثقافي وفني بالأساس، وعن صناعة مثّل التنوع تاريخيًا أحد مميزاتها. السينما المصرية اعتادت أن تنتج الكوميديا والفلم الغنائي والرومانسي وفلم الحركة والجريمة، بجودة متفاوتة بطبيعة الحال، وتمتلك نجومًا في كل الأنواع السابقة.

لنذكر أيضًا المفارقة العجيبة التي بدأنا منها: أننا لا نتحدث هنا عن تفضيلات الجمهور في بلد الفلم، بل في بلدٍ شقيقٍ صار أثره الاقتصادي أكبر من السوق الداخلية، وصارت تفضيلاته مغايرةً بوضوح لذوق الجمهور المحلي.

هذا سيسهم غالبًا في تشكيل مسار السينما المصرية في المستقبل القريب. قد نختلف في نقاشٍ حول تفضيلنا الشخصي بين كوميديا علي ربيع المفككة وأكشن محمد رمضان الذي يحاول التظاهر بالجدية. لكن عندما يتناقش المنتجون قبل اختيار فلمهم المقبل لن يكون حسم نقاشهم صعبًا على الإطلاق.


اقرأ المزيد في السينما
مقال . السينما

محمد كردفاني: أول مخرج سوداني في مهرجان كان

حاورنا محمد كردفاني، مخرج ومؤلف «وداعًا جوليا»، لمعرفة المزيد عن تجربته الروائية الأولى، وعن شعوره بوصول فلمه الأول إلى «كان».
أحمد العيّاد
مقال . السينما

فلم «Past Lives» لا يشبه قصص الحب

هذا العمل يختلف تمامًا عن قصص الحب التي تخرج من قعر حلق الظروف المتعسرة، كخِطبة ولي العهد الياباني آخيتو لفتاة من عامة الشعب.
علي حمدون
مقال . السينما

زافيه دولان.. اعتزال «الطفل المعجزة»

لا يصدق دولان أن يعمل سنتين لصنع فلم ثم يكتشف أن فلمه لن يُخْتارَ بسهولة لمسابقة مهرجان كان، وأن العالم مشغول بالصراع بين باربي وأوبنهايمر.
أحمد شوقي
مقال . السينما

«سطّار» فلم تجاري ناجح بقصة ضعيفة

سلك «سطّار» طريق المتعارف عليه بـ«فلم فشار»: فلم دون محتوى درامي جاد أو رسالة ذات معنى (رمزيات) أو عمق فكري، بل مجرد محتوى ترفيهي.
رياض القدهي
مقال . السينما

آكي كاوريسماكي: الراقص على السجادة الحمراء

يمثل كاوريسماكي نوعًا من الفنانين الذي يتلاشى مع الوقت، نوعًا يود صناعة الأفلام والفن لـ«يبقي نفسه بعيدًا عن البار» كما يقول.
محمد طارق
مقال . السينما

ما الفلم الذي يستحق الترقُّب في موسم «الهالوين»؟

من منتصف سبتمبر لنهاية أكتوبر من كل عام تتكتل أفلام الرعب من مختلف تصنيفاتها الفرعية لتقديم سهرات لائقة لجموع المحتفلين.
محمود مهدي