إن صادفتَ اليوم هذه الضحكة ھَھٍھَھٍ (آآآآآخّ =)) بطَنّيَ) ھَھٍھَھ، فلعلَّها ستبدو لك أحفورةً تنتمي لعصور بائدة. ليس هذا التصور ببعيد، إذ انتفت اليوم الحاجة إلى هذه الضحكة المزخرفة وما يرافقها من «إيموجيات» مقهقهة، وقد تزامن انتفاؤها مع نهاية ثقافة مستترة، ما تزال آثارها عصية على التخيل والتناول فعليًّا.
ففي أكتوبر عام 2018، انتهت حقبة «باث» (Path) رسميًّا، ولم يعد استخدام المنصة وخدماتها ممكنًا. ولم يستفِق «الباثيّون» من صدمتهم، حتى أعلنت شركة بلاك بيري في مايو 2019 إيقاف خدمة بلاك بيري مسنجر للأفراد، فدقَّت بذلك المسمار الأخير في نعش التطبيق الذي فقد هالته بفقدان الشركة سطوتها في سوق الهواتف المحمولة مطلع العقد الثاني من هذا القرن.
إنَّ القاسم المشترك بين المنصتين -باث وبلاك بيري مسنجر- على الرغم من اختلافهما التام في كل أبعادهما تقريبًا، هو سماحهما للمستخدمين بتشكيل ثقافة مستترة مغايرة للفضاء العام الذي تفترض منصات التواصل الاجتماعي الأخرى وجوده. فإذا كان استخدام الواتساب، مثلًا، يشترط التسجيل برقم هاتف يمكن في الغالب تقصي صاحبه، فإن استخدام مسنجر بلاك بيري مرهونٌ برمز مكون من حروف وأرقام تسهّل تخفّي مالك الجهاز، وتسهّل مشاركته في مجموعات تفاعلية لا يهم فيها شخصه الحقيقي.
وعلى نحو مشابه، يعد فضاءا تويتر ومتا موازيين نسبيًّا للفضاء المحلي العام، لذا يصعب على الفرد الأخذ والعطاء فيهما دون قيود حتى بالحسابات الخاصة. وهذا ما ميَّز باث من البداية، إذ تبنَّى خاصية إضافة الأصدقاء (فبدأ بخمسين صديقًا فقط كحدٍّ أعلى، ثم ارتفع إلى خمسمئة)، وتخصيص الخط الزمني لدوائر خاصة متعددة. إلى جانب ذلك، لم يكن صعبًا على مستخدمه التحكم في الصورة التي يقدمها عن ذاته، إذ سهّلت المنصة مشاركة أي فكرة أو أغنية أو صورة أو حتى زيارة لمكان ما عبر ميزات التطبيق نفسه، إضافة إلى توفيرها أكثر من «إيموشن» للتفاعل مع محتوى التايم لاين.
سمحت هذه الخصوصية بظهور ثقافة على هامش الثقافة السائدة، ثقافة تستخدم نكت «عزيزي… بخصوص… مثلًا؟» والنملة النصّابة، أو توظّف «الإنر سيركل» (inner circle) في طرح مختلف الأفكار والخواطر والتعليق على الظواهر الاجتماعية دون «هشتقة» ودون سعي وراء إعادة التغريد والإعجابات، علاوةً على استغلال المساحات خارج الخوارزميات التي تقرر ما يراه المستخدم على الشاشة.
ومذ انقضى الباث والبي بي إم، تحاول التطبيقات الأخرى محاكاة هذه الثقافة المستترة في الهامش، فأصبح لدينا «تويتر سركل»، لكن وجودها لم يمنع أننا جميعًا لا نزال مكشوفين في ثقافة الفضاء العام، وربما أكثر انكشافًا مع معرفتنا اليوم عدد من شاهد تغريدتنا السخيفة ولم يضغط زر الإعجاب.
لهذا سنظل نفتقد أيامنا مع باث وبي بي إم.
مقالات أخرى من نشرة أها!
هل حصلت على نجمتك اليوم؟
الكل يتسابق على وقتك، والطريقة الأمثل للاستحواذ عليه هي في إدخالك لعبة سباقٍ لا ينتهي. يضحكني أنَّ اسم هذه التقنية هو «التلعيب».
مازن العتيبيإبداع بوكيمون طويل الأمد
حقَّقت لعبة «بوكيمون قو» أحلام جيلٍ بأن تكون البوكيمونات حقيقية. كما استخدمت العالم الحقيقي في بناء عالم اللعبة ومميزاتها.
حسين الإسماعيلمتعة كرة القدم في كل مكان
صحيح أن متعة حضور المباريات أو مشاهدتها مع الآخرين لا تضاهى، ولكنها اليوم خيارٌ من بين خيارات أخرى ولم تعد فرضًا.
حسين الإسماعيلهل يحفظ الذكاء الاصطناعي كرامة الفقراء أم يبيحها؟
نحن في حاجة إلى أن نتوقف بين الفَيْنة والأخرى لكي ندرس تداعيات ما تنتجه هذه الأدوات، وللتأكد أنها تُصَمَّم بطريقة تخدم البشر ولا تخدعهم.
حسن عليقتلني غياب الرصيف
غياب الرصيف عن مدننا لم يكن هجومًا على صحتنا البدنية والنفسية فقط، وإنما هجومًا يفتك بعلاقة الفرد بأرضه وطبيعتها، وبنسيج مجتمعنا.
حسين الضوكيف نتعامل مع أخبار الكوارث المفجعة
حتى نلتقط أنفاسنا من دوامة الأخبار السلبية، ينبغي لنا أولًا أن نقنن من تعرضنا لها ونطبق ما يُعرف بـ«حمية منصات التواصل».
أنس الرتوعي