إنريكي.. الوداع الذي لم يتمنَّه قطُّ

ودع لويس إنريكي قطر خالي الوفاض صامتًا كما هو. لمَّح للصحفيين أنه يريد الاستمرار في منصبه، لكنه لا يعرف ماذا سيحدث في المستقبل.

مدرّب المنتخب الإسباني في مباراتهم ضد اليابان من مونديال قطر 2022 / Paul Childs

اشترك في نشراتنا البريدية

يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
7 ديسمبر، 2022

على أرض قطر، هناك كأس وحيدة ومئات القصص. يتمنى أبطال القصص جميعهم نهاية سعيدة رفقة الكأس، إلا رجل وحيد يملك قصة مختلفة. قصته أكثر عمقًا من كأس من ذهب ومجد شخصي؛ فهو يتمنى أن يقف فوق منصات التتويج لا ليُخلِّد اسمه للأبد كما يتمني الجميع، بل ليخلد اسم صغيرته الراحلة «زانا لويس إنريكي».

منذ بداية كأس العالم قطر 2022 لاحظ الجميع التغير الذي طرأ على المدرب لويس إنريكي، الذي كان يُنظر إليه منذ وقت ليس ببعيد على أنه أحد أكثر المدربين توترًا على الإطلاق. أعلن أنه سيبث فيديوهات مباشرة عبر منصة «توِتش» (Twitch) في أثناء البطولة، وخلال تلك الفيديوهات تحدث عن أمور فنية وشخصية وسياسية، بل ووعد أنه سيصبغ شعره إذا فازت إسبانيا بكأس العالم. لكن هذا التغير الحقيقي لم يبدأ في قطر.

بدأت القصة في مارس 2019 عندما قرر إنريكي مغادرة معسكر المنتخب فجأةً قبيل مباراته مع منتخب مالطة، انتشرت الأخبار حينئذٍ عن إصابة ابنته زانا بمرض خطِر. أيام قليلة وتأكد الخبر، تعاني زانا نوعًا نادرًا من سرطان العظام. اعتذر إنريكي عن عدم الاستمرار في منصبه نظرًا إلى تلك الظروف، إلا أن زانا لم تتمكن من الصمود أكثر من خمسة أشهر، ثم توفيت في أغسطس 2019.

عاد إنريكي مرة أخرى مديرًا فنيًّا لمنتخب إسبانيا، لكن بوجه مختلف تمامًا. بدت علامات السنين على وجهه أوضح، شيء من الحزن الممزوج بحكمة من اختبر الفقدان بلا أمل في العودة أصبح ملازمًا له. قرر ألا يستسلم للحزن الذي ربما يفقده صوابه وأن يعود لحياته مدركًا أن تلك التجربة ستجعله شخصًا آخر. 

كان أكثر ما تغير في إنريكي المدرب أنه أصبح أكثر جرأة بشكل ملحوظ. فقد قرر الاعتماد على لاعبين شباب، حتى إنه شارك بقائمة لاعبين هم أقل رابع معدل أعمار بين منتخبات البطولة. تحول منتخب إسبانيا مع الوقت إلى فريق جديد بالكامل ذي نزعة تنطوي على مغامرة حتى الرمق الأخير.

صباح الخير، اليوم كما يعرف الجميع سنلعب ضد ألمانيا. لكن هذا اليوم أيضًا خاص جدًّا لي، لأن زانا الصغيرة كانت ستبلغ من العمر 13 عامًا، أينما كنتِ، أتمنى لكِ يومًا سعيدًا.

كانت هذه كلمات إنريكي قبل مباراته ضد منتخب ألمانيا. كلمات حزينة من أب أصبحت قصته مزيجًا بين بحث دائم عن المستقبل كما هو حال كرة القدم، وماضٍ لا يمكن نسيانه أبدًا. لا يمكن أبدًا أن تنظر إلى قصة إنريكي دون أن تكون زانا جزءًا منها. لقد عاد هذا الرجل ليقف وسط الملايين لكنه يبدو أحيانًا وحيدًا للغاية.

هو لم يعلن ذلك صراحةً أبدًا، لكنك لن تقص أبدًا قصة إنريكي وطموحه للبطولات إلا وأنت تتخيل أنه يفعل كل ذلك من أجل ابنته الراحلة. تلك الفتاة التي غابت عن العالم ولم تغب عن قلب لويس أبدًا. يحتاج لويس أن يخلد ذكرى زانا إلى الأبد، ربما سيتحقق ذلك بيد تحمل كأس العالم ويد أخرى تحمل صورة زانا وعليها وشم بالحرف الأول من اسمها.

يومها فقط سيبكي إنريكي، سيعبر نهر الصمت الذي آثر الغرق فيه طواعية لسنوات. سيرتدي قميص إسبانيا مطرزًا فوقه حروف زانا بلا رقم، بل بعلامة اللانهائية، حيث تبقى في قلبه للأبد. سيشعر الجميع حينئذٍ أن قصة هذا الرجل تبدو أكثر حزنًا رغم مشاهد الفرح. لكن هذا لن يحدث في قطر.

ودع لويس إنريكي قطر خالي الوفاض صامتًا كما هو. لمَّح للصحفيين أنه يريد الاستمرار في منصبه، لكنه لا يعرف ماذا سيحدث في المستقبل. لم يُصرِّح لأحد أنه لم يحقق حلمه إلى الآن، فهذا الحلم خاص به وحده ولا يخص أحدًا غيره. لكنه ربما نظر إلى السماء وقال: حاولت يا زانا ولن أكف عن المحاولة.

كاتب رياضي، يكتب عن الكرة بعيدًا عن الأرقام والإحصائيات، عن الكرة التي ما زالت تُلعب في الشارع بشغف طفولي لا يمكن التخلص منه أبدًا.


اقرأ المزيد في كرة القدم
مقال . كرة القدم

نيمار: الخروج من الظلِّ إلى شمس قطر الساطعة

طوال مسيرة نيمار الكروية كان ما يثقل كاهله أنه يحاول إثبات أنه الأفضل؛ لكن هذه المرة عليه أن يساعد الجميع، دون الالتفات إلى بقعة الضوء.
محمود عصام
مقال . كرة القدم

الهوية البصرية لكأس العالم: دنيا من الألوان

نجحت كل دولة، نالت شرف تنظيم كأس العالم، في البقاء بذاكرة شعوب الأرض من خلال تميمتها الخاصة بها، المستوحاة من أحد رمزياتها الوطنية.
ياسمين عبدالله
مقال . كرة القدم

المغرب.. فخر العرب على طريقة «بونو»

إذا كانت الكاميرات تجتمع حول رونالدو ولا تفارقه حتى وإن كان على دكة الاحتياط، فالجماهير العربية ستلتف اليوم حول منتخب المغرب ولن تفارقه.
محمود عصام
مقال . كرة القدم

عفوًا ميسي.. السعودية تصنع التاريخ

رونار اليوم كان البروفيسور الذي أعدَّ خطة محكمة التفاصيل رفقة فريق من الأبطال بالزي الأخضر السعودي، كل لاعب يعرف تمامًا دوره في الخطة.
محمود عصام
مقال . كرة القدم

ميسي: رقصة التانقو الأولى والأخيرة

سينتظر العالم كله رقصة ميسي الأخيرة في قطر، أما جمهور الأرجنتين فسينتظر نسخة مغايرة لليو، سينتظر رجلًا يلعب من قلبه وروحه قبل قدميه.
محمود عصام
مقال . كرة القدم

خمس قصص تخبرك لماذا بيليه الأفضل في التاريخ

يبرز بيليه كونه الرمز الذي أثر في الكرة بصفتها لعبةً وصناعةً. وتبع ذلك بالطبع تأثير مباشر في حياة ملايين الأشخاص.
محمود عصام