هل ستؤسس تطبيقات التوصيل مطاعمها؟
شهدت الجائحة ازدهارًا هائلًا في سوق تطبيقات التوصيل، وتظهر اليوم ملامح جيلها الجديد مع تطورها نحو تأسيس مطابخها ومطاعمها السحابية الخاصة.
ازدهر مفهوم توصيل الطلبات في الثمانينيات، فكان المطعم يستقبل طلب العميل بواسطة الهاتف ويوصله أحد الموظفين. ثم ظهر الجيل الثاني بداية الألفية مع مواقع مثل «قرب هب» (Grubhub) تمكِّن العملاء من الطلب عن طريق الموقع فيتولى موظف المطعم التوصيل. ثم ظهر الجيل الثالث مع تطبيقات التوصيل بصورتها الحالية حيث تتم عمليتا الطلب والتوصيل بواسطة التطبيق.
واليوم تظهر ملامح اتجاهات الجيل الرابع مع اتجاه العديد من تطبيقات التوصيل نحو قطاع المطابخ والمتاجر السحابية.
نتفلكس كخارطة طريق
بدأت نتفلكس عام 1997 كمنصة لتأجير الأفلام عبر البريد. وفي عام 2007 أتاحت المنصة للعملاء مشاهدة الأفلام عبر الإنترنت باشتراك شهري. وفي العام 2013 أصدرت نتفلكس أول عمل من إنتاجها.
أقدمت نتفلكس على هذه الخطوة لعدة أسباب. أولًا، قضاءها لأكثر من عقد من الزمن في جمع وتحليل بيانات العملاء، فعرفت تفضيلات عملائها والأعمال التي تحقق أعلى معدل مشاهدات. وفهمت بذلك القاعدة الجماهيرية بشكل أفضل من منتجي الأفلام. وحتى تحافظ على هذه القاعدة الجماهيرية في ظل التنافس، كان لا بد من وجود محتوى أصيل من إنتاجها.
على غرار نتفلكس، أنفقت سبوتيفاي نحو 900 مليون دولار خلال العامين الماضيين في استحواذ العديد من الشركات الناشئة في مجال البودكاست للعمل على انتاج محتواها الأصيل. فاستحوذت على «أنكور» و«ميقافون» و«بودز»، كما استحوذت على ثلاث شركات إنتاج بودكاست: «ذا رنقر» (The Ringer) و«قملت ميديا» (Gimlet Media) و«باركاست» (Parcast).
وهنا نجد التشابه الكبير بين منصات مشاهدة الأفلام عبر الإنترنت ومنصات بث الموسيقى والبودكاست وتطبيقات التوصيل. فكل تلك المنصات تعرف تفضيلات العملاء أكثر من منتجي الأفلام والبودكاست وأصحاب المطاعم بحكم البيانات التي تملكها.
اعتماد نموذج «المتاجر السحابية»
ينقسم العملاء في رغباتهم لنوعين: الأول يتنقل بين تطبيق وآخر بحثًا عن العروض والخصومات، بينما يفضِّل الثاني التعامل مع تطبيق واحد يضمن له جودة الخدمة وسرعتها. وعادةً لا يبالي النوع الثاني بسعر الخدمة.
من هنا:
نلاحظ اتجاه تطبيقات عديدة نحو اعتماد نموذج «المتاجر السحابية» (q-commerce). فهي الجيل الجديد من التجارة الإلكترونية التي تُوفِّر المنتجات الأساسية للعميل بمدة توصيل لا تتجاوز ساعة بدل حصوله عليها في اليوم التالي. Click To Tweet
كما أنها تحسن من تجربة العميل وتعزِّز «معدل الاحتفاظ بالعملاء» (retention rate).
ووفقًا لقوائم دليفري هيرو المالية للنصف الأول من العام 2021 وسَّعت الشركة استثماراتها في مجال المتاجر السحابية. فوصل عدد المتاجر إلى 704 متجرًا في ثمانٍ وثلاثين دولة، مقارنة بـ 491 متجرًا في 2020. كما أتمَّت 36.2 مليون عملية توصيل في النصف الأول من 2021 مقارنة بـ 6.9 مليون في النصف الأول من 2020.
كذلك أعلن تطبيق نعناع في يوليو الماضي عن جاهزية ثلاثين متجرًا سحابيًّا، مع خطة لإنشاء ألف متجر سحابي مستقبلاً.
النقص في عدد السائقين
تمثل محدودية عدد السائقين التحدي الأبرز في ضمان جودة خدمة العميل وسرعتها. فمع النمو السريع للقطاع وتغير عادات المجتمع، خصوصًا بعد الجائحة، أصبح من الصعب مقابلة الارتفاع الكبير في الطلبات دون وجود مورد كافٍ من السائقين.
الحياة في الرياض بين أقواس «التطبيقات»
هناك عدة حلول لهذه المشكلة. قد يكون أحدها زيادة سعر التوصيل لتقليل معدل الطلب، لكنه حل غير منطقي. فالهدف تحقيق نمو الشركة وزيادة أعداد الطلبات لا تقليصها.
كحلٍّ آخر، أطلقت شركة «بوست ميتس» (Postmates) خاصية «بوست ميتس بارتي» (Postmates Party). وتتيح الخاصية للعملاء من نفس الحي الطلب من نفس المطعم عن طريق تجميع طلباتهم مع سائق توصيل واحد. وفي المقابل يحصل العملاء على الطلب برسوم توصيل مجانية.
ستقدم هذه الخاصية حلاً لمحدودية السائقين وتزيد من كفاءة الأسطول وفعاليته. فهي تمكِّن السائقين من توصيل عدد أكبر من الطلبات، وأيضًا تجذب العملاء المتحفظين أمام الأسعار العالية. لكنها لا تقدم حلاً للنوع الثاني من العملاء الذي يرغب بالحصول على طلبه بأسرع وقت ممكن.
هل «المطابخ السحابية» الحل؟
«المطابخ السحابية» مطابخ تخدم عملاء تطبيقات التوصيل والطلبات الخارجية دون استقبال العملاء داخلها. وتساعد المطابخ السحابية عدد من العلامات التجارية بإعداد منتجاتها من خلال موقع مشترك.
وتنقسم نماذج عمل المطابخ السحابية لثلاثة أنواع:
وفقًا لنشرة إصدار تطبيق دلفروو، قلصت «مطابخ دلفروو السحابية» (Deliveroo Editions) وقت انتظار السائقين، مما أدى إلى توصيل الطلبات للعملاء بشكل أسرع. فخلال الربع الرابع من عام 2020، سلمت «مطابخ ديلفروو السحابية» طلباتها بمتوسط أسرع بأربع دقائق من الطلبات المعدة في المطاعم.
لذلك نلاحظ تركز تطبيقات التوصيل على نموذج «المطبخ كخدمة» كونه يساعد في زيادة سرعة تسليم الطلبات. كذلك تملك التطبيقات البيانات الكافية لمعرفة الأطباق المفضلة لدى سكان المنطقة المجاورة للمطبخ. كما تملك سيولة مالية عالية من الجولات الاستثمارية تمكِّنها من تأسيس البنية التحتية للمطابخ.
لكن السبب الرئيس من وجهة نظري في اتجاه التطبيقات لنموذج «المطبخ كخدمة» يتمثل في كون الطبخ ليس مسؤولية التطبيق المشغل. لذلك تتجنب تطبيقات التوصيل الدخول في النموذجين الآخرين، علمًا أنهما قد يساعدان أيضًا في زيادة سرعة تسليم الطلبات. فهي شركات ابتكارية من الناحية التقنية، لكنها ليست بالضرورة خبيرة في عملية إعداد الطعام.
إنتاج تطبيقات التوصيل مطاعمها
ما سبق يُصعِب على تطبيقات التوصيل بناء مطاعمها الخاصة على المدى القريب. ففي تصريح سابق لصحيفة «كيترر» (Caterer) أعلنت شركة دلفروو ودلفري هيرو أنها لا تنوي تأسيس مطاعمها الخاصة في المنطقة قريبًا.
لكن قد يكون الاتجاه الأقرب تأسيسها سوقًا للوجبات المعدة في مطابخها السحابية كعلامة تجارية جديدة تتضمن وجبات من عدة علامات تجارية قائمة. كأن يؤسس أحد التطبيقات المطعم (أ) بحيث تحتوي قائمته على وجبة «بق ماك» من ماكدونالدز ووجبة «تورتيلا» من هرفي و«تشيز كيك فراولة» من ذا تشيز كيك فاكتوري وغیرها من الوجبات.
وتُبنى قائمة الطعام هذه بناءً على تفضيلات العملاء في المنطقة السكنية المعنيَّة وفق ما تظهره البيانات. فتضاف «مارقريتا بيتزا» من دومينوز في مطبخ سحابي وفي منطقة سكنية أخرى تضاف شاورما «عربو» من شاورمر وهکذا.
في هذه الحال يدفع التطبيق حقوق امتياز على الوجبة المضافة لقائمة الطعام في المطبخ السحابي وليس على العلامة التجارية كلها.
فهل تكون هذه البداية في اتجاه تطبيقات التوصيل نحو إعداد قوائم وجباتها الخاصة مستقبلاً، کما فعلت نتفلكس سابقًا بإنتاجها لمحتواها الخاص بعد قرابة ستة عشر عامًا من تأسيسها؟