لماذا يكتب نقوقي وا ثيونقو رواياته؟

يؤمن نقوقي بأن على الباحث استقراء الواقع بغية فهمه وتغييره.

الكاتب الكيني نقوقي وا ثيونقو / Getty Images
الكاتب الكيني نقوقي وا ثيونقو / Getty Images

لماذا يكتب نقوقي وا ثيونقو رواياته؟

حسين إسماعيل

يحدث أحيانًا أن تكون قراءتي الأولى لكاتبٍ مبهرة لدرجة أني أسعى إلى اقتناء كل ما يمكنني من مؤلفاته. يستحضر ذهني ثلاثة أمثلة من السنوات الثلاث الأخيرة. أولها الروائية الأمريكية أورسولا لي قوين التي قرأت روايتها «المسلوب» (The Dispossessed) ضمن مادة الأدب الطوباوي والديستوبي فأثارت اهتمامي فلسفتها حول مفهوم الطوباوية وشروط إمكانه، ومن حينها سعيت وراء كل كتاباتها التأملية. وثانيها الروائي الإيطالي نيكولو أمانيتي وروايته «أنا وأنتِ» (Me and You) إذ راقتني سلاسة أسلوبه وتشريحه ذهن بطلها ومعالجته ثيمتي الوحدة والعزلة، فبت أتطلع لما شابهها في بقية رواياته. 

أما الثالث والأخير فهو الروائي الكيني نقوقي وا ثيونقو ورائعته «لا تبكِ أيها الطفل». ثمة مزيج لافت في صفحاتها بين تقنيات نقوقي الأدبية وطرحه الفكري، شيء شبيه بما يعجبني في كتابات آلدوس هكسلي. وكونها باكورة رواياته سبب كافٍ جعلني أسارع إلى اقتناء«حبة قمح» و«بتلات الدم» ومؤلفاته الأخرى حتى قبيل إنهائها. 

وقوعي على الرواية قصة لا تسعها هذه السطور. خلاصتها أني عزمت على قراءة أدب نقوقي إثر اطلاعي على تنظيره في كتابي «تقويض استعمار الذهن» (Decolonizing the Mind) و«إزاحة المركز» (Moving the Centre: The Struggle for Cultural Freedoms)؛ ففي مقالات الكتابين يتناول نقوقي إشكالية الإنتاج الثقافي في ظل الاستعمار، مركزًا بشكل رئيس في العلاقة بين اللغة والثقافة ودور المثقف الثوري. 

وبحكم صدور «لا تبكِ أيها الطفل» عام 1964، أي بعد عام واحد من استقلال كينيا، وسوست لي نفسي بقراءة أدب نقوقي قراءة تأخذ في الحسبان كتابته بلغة المستعمر الإنقليزية، وكون الرواية بحد ذاتها وثيقة تاريخية مناهضة لأسس الفكر الاستعماري. 

تتقصى الرواية نشأة بطلها نجوروقي في منطقة كيكويو الكينية بُعيد الحرب العالمية الثانية، أي إبان سنوات الاستعمار البريطاني الأخيرة. تنقسم الرواية إلى جزئين وفاصل، وفي مطلع الجزء الأول المعنون بـ«ضوء ينحسر» نتلقى مع نجوروقي خبر موافقة والديه على ذهابه إلى المدرسة كأول من يلتحق بها من عائلته. وعلى رغم حداثة سنه لا تخفى عليه أهمية التعليم في سياق مجتمعه، بل نجده يعد التعليم الطريق الأوحد إلى الارتقاء بنفسه ومجتمعه على سلّم الحضارة والتقدم. 

ما إن التحق بالمدرسة حتى تعرَّف على مويهاكي ابنة جاكوبو مالك الأرض التي تسكنها عائلة نجوروقي. تعجز الألفة بينهما عن تجسير الفوارق الطبقية، إذ شتان بين حال عائلته المدقعة فقرًا وحال عائلة جاكوبو الذي يكنز الأموال والسلطة بفضل مداهنة المستعمر ومعاونته على أبناء جلدته. وما زاد الأمر سوءًا هو اعتداء نقوثو، والد نجوروقي، على جاكوبو حين حاول قمع إضراب العمال المعترضين على سوء الأجور، وهو الاعتداء الذي تحولت معه حياة نجوروقي والمنطقة كلها إلى جحيم. هنا مصداق عنوان الجزء الأول من الرواية.

أما الظلام في عنوان الجزء الثاني (ظلام يهبط)، فهو يبدأ مع الجحيم الذي ابتدأته نهاية أحداث الجزء الأول وسياق الصراع بين ثوار «الماو ماو» وقوى الاستعمار. منذ تلك اللحظة فصاعدًا يهيمن العنف على كل جوانب الحياة، ويستشعره نجوروقي على مستويات عدة. تارة من بعد، كما في التوترات بينه وبين أخيه كاماو الذي يمتلك رؤية مستقبلية مغايرة، وتارة من قرب، كما في التعذيب الذي ناله على يد السيد هولاندز المستوطن الأبيض لما سعى إلى استخراج المعلومات منه عن شقيقه بورو قائد ثوار «الماو ماو» آنذاك. 

يفقد نجوروقي بعدها أمله وإيمانه وتثقل الحياة بعينيه إلى درجة أنه يعرض على مويهاكي الهرب معه ثم يحاول الانتحار بعد رفضها، وتنتهي الرواية على هذه النغمات الحزينة.

في معرض كل ذلك نتعرف من كثب على مجتمع قرية نجوروقي القابعة تحت براثن الثنائيات التي يرسخها الوضع الراهن. هناك مثلًا ثنائية «التعلم والتخلف» التي يتبناها نجوروقي مطلع الرواية قبل أن تتهاوى أمام عينيه في نهايتها. وهناك أيضًا ثنائية «الظلام والنور» التي تؤدي دورًا محوريًا في التصورات عن الدين وعلاقته بالمستقبل. وهناك أيضًا ثنائية «الأنا والآخر» المبنية في الرواية بشكل رئيس على خرافة العرق وتبعاتها على العلاقات بين السكان والمستوطنين والوافدين.

لكن الأهم في الرواية لي هو تسليطها الضوء على العلاقة بين التعليم والاستعمار، أو بين التعليم النظامي وترسيخ قيم المستعمِر ورؤاه المعرفية الكونية بالأحرى. آمن نجوروقي بكون التعليم سبيل النهضة على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، وظل متمسكًا بإيمانه وسط كل تهديدات «الماو ماو» لطلبة المدارس وموظفيها إبان الثورة. لكن موجات العنف والتعذيب جعلته يدرك لاحقًا دور التعليم في خدمة مشروع الاستعمار ومصالحه. بعبارة أخرى: ثمة تلازم جوهري بين المعرفة (ولغة اكتسابها) والوضع السائد بكينيا. وبمجرد إدراك نجوروقي هذا التلازم تبدلت الحياة بناظريه. 

يمكن قراءة ثيمة التعليم على ضوء طرح نقوقي في كتابه «إزاحة المركز»، حيث يسلط الضوء على ضرورة تحرير الثقافة من العرقية ومن رواسب الرؤى المصاحبة لها؛ ذلك أن الإنتاج المعرفي في نصف الألفية الماضية هيأ لانقسام شعوب العالم على طول خط حضاري يقبع الرجل الأوربي الأبيض في طليعته وتتخلف بقية الأعراق وراءه. وتتجلى هذه النظرة تحديدًا في احتساب الثقافة والقيم الاجتماعية امتدادًا لجوهر بيولوجي كامن في الشعوب نفسها، وهذا يعني بدوره ترتّب اللغات والأفكار والعادات تبعًا للهرمية التي تجذرها مؤسسات التعليم الاستعمارية. ينادي نقوقي بتحرير الثقافة بُغيَةَ إعادة صياغة مفهوم التعلم خارج أسوار الاستعمار.

كما يؤمن نقوقي بأن على الباحث استقراء الواقع بغية فهمه وتغييره. ونظرًا لتبلور الأدب الأفريقي في العقود الأخيرة، في كنف تجربة الاستعمار والإمبريالية وحركات التحرير القومية والإقليمية، فهو يناشد الباحث لمعرفة التفاعل بين الأدب والواقع وبين أدب الهامش والمركز، وهي خطوة ضرورية من تحدي هيمنة المستعمر على مستوى إنتاج الدلالات والرمزيات.

يجب ألّا تمنعنا نهاية «لا تبكِ أيها الطفل» المشؤومة إدراك بصيص الأمل في فعل الإنتاج الثقافي بحد ذاته ما دام هذا الإنتاج ينتهج مسلكًا تقويضيًا لأسس الفكر الاستعماري وتصنيفه لمختلف مشارب الحياة. ففي نهاية المطاف، مَن أفهم منا ليومياتنا وقضايانا؟


  1. صدر حديثًا عن دار «الرواق» للنشر كتاب «هبة العلاج النفسي» للطبيب النفسي الأمريكي إرفين يالوم صاحب رواية «عندما بكى نيتشه» وكتاب «مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي»، والكتاب بترجمة سعيد منيسي.

  2. تعمل أستوديوهات أمازون على تحويل الرواية الصادرة عن دار الآداب «شرطة الذاكرة» للكاتبة اليابانية يوكو أوقاوا إلى فلم من إخراج ريد مورانو وسيناريو تشارلي كوفمان وبطولة ليلي قلادستون.

  3. كشفت هووليود النقاب عن ترشيحات جوائز «أوسكار» التي تحتفي بأفضل النجوم والأفلام في صناعة السينما خلال الاثني عشر شهرًا الماضية. واكتسحت القائمة الأفلام المقتبسة من أعمال أدبية روائية وغير روائية، حيث حاز فلم «أوبنهايمر» المقتبس من كتاب «بروميثيوس الأمريكي» ثلاثة عشر ترشيحًا، وحصل فلم «قتلة زهرة القمر» المقتبس من كتاب يحمل العنوان نفسه لدايفيد قران على تسعة ترشيحات، وحصل فلم «كائنات مسكينة» المقتبس من رواية بالعنوان نفسه للبريطاني ألسادير قراي على أحد عشر ترشيحًا. كما حاز فلم «منطقة الاهتمام» المقتبس من رواية تحمل العنوان نفسه للكاتب مارتين أميس خمسة ترشيحات. وحصل الفلم الغنائي «اللون أرجواني» المقتبس من رواية « اللون أرجواني» لأليس ووكر على ترشيحين.

  4. يصدر قريبًا عن دار «يسطرون» للنشر المجموعة القصصية «مقهى أوليتكه» لنخبة من الكتّاب الروس المعاصرين، من إعداد وترجمة حسين علي خضير.


من وديان قاسم:

  1. وكالة عطية، خيري شلبي

تدور أحداث الرواية في «مدينة النور» المصرية دمنهور، وتحكي عن طالب متفوق يغادر الريف قاصدًا المدينة للالتحاق بالمعهد العام للمعلمين على أمل أن يصبح معلمًا وينتصر على الفقر والحاجة، إلا أنه في السنة الأخيرة قبل تخرّجه يدخل في معركة وحشية ضد أستاذ الرياضيات الذي دأب على احتقاره والسخرية منه. تنتهي المعركة بطرد الطالب من المعهد ويلجأ إلى «وكالة عطية» حيث المشردون والمعدمون في المجتمع.

  1. تغريبة القافر، زهران القاسمي

تدور أحداث الرواية في قرية المسفاة العمانية، وتبدأ مع صوت يصدح في الأزقة معلنًا فجيعة غرق «مريم بنت حمد» المصابة بصداع شديد لا يهدأ إلا بوضع رأسها داخل الماء. يسرد القاسمي قصة «سالم عبدالله» وهو أحد مقتفي أثر الماء الذين تستعين بهم القرى حين الجفاف بحثًا عن منابع المياه الجوفية، وكيف يصارع للنجاة بعدما انتهى به المطاف عالقًا في قناة أحد الأفلاج.

  1. الأشرعة البعيدة: مختارات من القصة القصيرة الإرترية، مجموعة مؤلفين

سبع عشرة قصة مختارة لعدة كتّاب من إريتريا، أحد البرامج التدريبية في الكتابة الإبداعية التي أشرف عليها الروائي حجي جابر. تختلف القصص والآمال والأحلام والأوهام، وتجمع أبطالها وحدة الشتات في بقاع الأرض.

  1. خرائط التيه، بثينة العيسى

تدور أحداث الرواية في مكة المكرمة، وتنطلق من حدث اختفاء الطفل «مشاري» بين حشود الحجاج في الحرم المكي، وعلى مدى عشرين يومًا تدخلنا الكاتبة في تيه وركض خلف الأحداث التي بدأت من مكة وتوزعت بين جدة وعسير وجيزان والعريش وسيناء، بحثًا عن «مشاري» الذي اختَطَفَته عصابة تُتاجِر بالأعضاء البشرية.

نشرة إلخنشرة إلخلغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.