كيف تغير توقعاتك من واقعك 🪄
أبطال الأعمال الأدبية القديمة والكلاسيكية غالبًا يندفعون نحو تحقيق النبوءات، ويستثمرون جهودهم في تحدي مصائرهم.
كيف تغير توقعاتك من واقعك
لطالما خشيت الفقد، وبسبب هذا الخوف فقدت بالفعل بعض الأصدقاء وبعض الأحلام، وكل خوف له طريقته الخاصة في بلوغ نتائجه المحتومة. منذ سنوات التقيت صديقة ذات شخصية مثيرة للاهتمام، كانت مختصة في تحليل الأنماط وفهم الشخصيات، وللأسف سببت مهنتها تدهور علاقتنا، حيث كانت تعامل كل شخص على أنه نمط يمكن تحليله، وتضع توقعاتها الأولية في انتظار تأكيدها أو دحضها، وكان كل شخص أمامها متهمًا حتى تثبت براءته. حينها لم أدرك خطورة الأمر أو كيفية التعامل معه؛ إذ كنت أخشى أن أُظهِر سلوكًا أو أنطق بكلمة تؤكد شكوكها، وهذا الحرص بطبيعة الحال أكّدها في النهاية.
بعد خوض العديد من التجارب المشابهة تبين لي أن هناك خللًا متكررًا في العلاقات يمكن تفسيره بنظرية «النبوءة المحققة لذاتها» (self-fulfilling prophecy)، هذا المفهوم طرحه عالم الاجتماع الأمريكي روبرت كينق ميرتون أواخر الأربعينيات، ويُعرف بأنه تصور خاطئ لحالة معينة ينتج عنه سلوك جديد يحوّل الفكرة الخاطئة إلى واقع. هذه الظاهرة الغريبة للنبوءة التي تتحقق بنفسها تنطوي على فهم مغلوط؛ إذ يعد الشخص الذي يحمل هذه النبوءة التطورات اللاحقة للأحداث دليلًا على صحة توقعاته الأولية. بمعنى آخر: يبدأ التوقع من فرضية خاطئة، ويؤدي هذا، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى استجابات تجعل الفرضية الخاطئة تتحول إلى حقيقة، وهذا يعتمد بشكل كبير على إدراكنا. ومِن ثَمّ أثّر توقّع صديقتي في سلوكي؛ وهذا جلب ردود فعل مبنية على الخوف أكّدت في النهاية صحة توقّعها الخاطئ.
على الرغم من أن هذه النظرية ظهرت في القرن العشرين فهي تجد جذورها في قصص الأديان والأدب، فمثلًا: تُظهر قصة النبي موسى وفرعون مفهوم التطير الفرعوني الذي بنيت وفقه النتائج. وفي الأساطير اليونانية هناك العديد من الأمثلة المشابهة، أبرزها قصة «أوديب» التي أفرد لها سوفوكليس ثلاثيته «مسرحيات طيبة». تحكي التراجيديا مأساة «أوديب» الذي تنبأ والده بأنه سيُقتل على يد ابنه، فألقاه بعيدًا في محاولة تجنّب هذا المصير، لكن أوديب نجا وترعرع في كنف أسرة أخرى، وواجه بدوره نبوءة تقول إنه سيقتل والده ويتزوج أمه، فهرب من أسرته خوفًا على والديه معتقدًا أنهما والداه البيولوجيين، لتنتهي القصة بتحقق كلتا النبوءتين.
أبطال الأعمال الأدبية القديمة والكلاسيكية غالبًا يندفعون نحو تحقيق النبوءات، ويستثمرون جهودهم في تحدي مصائرهم، ويتحول الخوف إلى مرشدهم الذي يقودهم ليصبحوا أسرى معتقداتهم. شكسبير كان ممن استخدم هذا المفهوم في أعماله، كمثال: يتبع «ماكبث» نبوءة الساحرات الثلاث اللواتي أكدن له أنه سيصبح لوردًا ثم ملكًا ثم سيُقتل على يد رجل لم تلده امرأة. كل ما فعله «ماكبث» بعد هذا قاده إلى حتفه. وقد صدق «بانكو» أحد قواد جيشه حين قال: «كثيرًا ما تلجأ قوى الظلام، من أجل تدميرنا، إلى قول الحقّ لنا، وإلى استخدام تفاهات صحيحة من أجل اصطيادنا، ثم تخوننا وتتخلى عنا في اللحظات الحرجة».
توجد العديد من الأمثلة التي تستخدم هذه النظرية لتأسيس رابطة سببية في الفن القصصي، مثل الحالة المذكورة في «هاري بوتر» عندما توقعت «سيبيل تريلاوني» أستاذة التنجيم زيارة مدير المدرسة؛ فزارته استنادًا إلى نبوءتها الخاصة. وتقوم فكرة القصة برمّتها على نبوءة «تريلاوني» التي تذكر أن طفلًا وُلد في نهاية شهر يوليو من أبوين تحدَّيا «اللورد فولدمورت» ثلاث مرات، وهو الوحيد القادر على هزيمة هذا الأخير، واختار «اللورد» «هاري بوتر»، ومِن ثَم تتطور الأحداث لتحقيق النبوءة بالضبط. وقد تساءل «هاري بوتر» في العمل: كيف كانت ستسير الأمور لو اختار «اللورد» الطفل الآخر «نيفيل» الذي تنطبق عليه الأوصاف نفسها؟ ومن أبرز الأمثلة كذلك في أدب الفانتازيا «الملكة سيرسي» في سلسلة الكاتب جورج ر.ر. مارتن «لعبة العروش»، التي تسرد في العمل المكتوب الحكاية من وجهة نظرها: تنبأت لها «العرافة ماقي» بسلسلة من التنبؤات فسّرتها «سيرسي» خطأً؛ وهذا دفعها في النهاية إلى تحقيقها.
إيميلي نوثومب، المعروفة بإصدارها رواية كل سنة، يبدو أنها واجهت تحديًا في الإلهام عام 2015؛ فعادت إلى التقليد الإغريقي، وهذا ما نستشفه من رواية «جريمة الكونت دو نوفيل». في هذه الرواية يلجأ البطل «الكونت» إلى عرافة لمساعدته على العثور على ابنته ذات المزاج المضطرب، وعِوَض ذلك قدَّمَت له تنبؤًا مصيريًا من المفترض أن يتحقق في الليلة التي يقيم فيها حفلًا مهيبًا في قصره قبل أن يقرر بيعه، وتتشكل الأحداث بناءً على كيفية تعامل «الكونت» مع هذه النبوءة. تتشابه رواية نوثومب في طرحها وتسلسلها الدرامي مع «جريمة اللورد آرثر سافيل» لأوسكار وايلد، حيث تعتمد كلتا القصتين على فكرة النبوءة عاملًا رئيسًا لتحريك الأحداث.
أحيانًا تتحول النظرية إلى مسار تجاري عندما يستخدمها البعض لإنشاء عِلم جديد غير مستند إلى براهين قوية، مستفيدين من تطلعات الناس التي تتجاوز العقلانية والمنطق، ويُبنى هذا العلم على مبدأ أن الأشياء المتشابهة يجذب بعضها بعضًا، وأن قوة الفكر لها تأثير في الأفعال ومن ثم في النتائج، وهذا موضوع لا يزال محل نقاش ولم يُحسم بعد.
وأحيانًا أخرى قد يؤدي الإيمان بهذه النظرية إلى التردد والشك؛ فيمنع ذلك الشخصَ من اتخاذ خطوات نحو ما يريد؛ خشيةَ أن يصبح ما يفكر فيه حقيقة. يروي كارل ساقان، الفلكي الشهير، في كتابه «رومانسية العلم»، أنه ذات ليلة صيفية استفاق من النوم مذعورًا بعد أن حلم بأن أحد أقاربه يُحمل ميّتًا في موكب جنائزي. لم يتصل كارل بقريبه خوفًا من تحقق الحلم، ولكن قريبه لم يمت إلا بعد مرور سنوات عديدة. كان كارل يخشى أن يكون اتصاله هو السبب المحتمل للوفاة، كأن يتعثر الصديق في أثناء الإسراع للرد على الهاتف أو أي سبب آخر. عرض كارل مثاله مشككًا في طريقة تحليل المعلومات المرتبطة بنتائج هذا النوع من التنبؤ؛ فهو يقول إن عدد من حلموا بأمور لم تتحقق يتجاوز ندرة أولئك الذين تحققت رؤاهم، لكن هؤلاء الندرة هم من يسارعون بنشوة إلى مشاركة إنجازهم علنًا.
تتخذ نظرية التنبؤ الذي يحقق ذاته أشكالًا مختلفة، فمثلًا: نجد «البلاسيبو» في المجال الطبي، وفي الميدان التربوي «تأثير بقماليون» عندما يكون التوقع إيجابياً، و«تأثير قوليم» عندما يكون سلبيًا، و«فخ ثوسيديدس» في سياق العلاقات الدولية.
هذه الأمثلة تُظهر كيف يمكن للتوقعات أن تكون قوة دافعة إلى التغيير الإيجابي أو السلبي، وكيف يمكن أن تؤثر في الواقع الذي نعيشه، فتوقَّع ما تتمنى.
فاصل ⏸️
أعلنت الأكاديمية الفرنسية جوائزها لعام 2024، وظفر الكاتب والأكاديمي المغربي عبدالفتاح كيليطو بالجائزة الكبرى للفرانكوفونية. تهدف الجائزة إلى تتويج عمل شخصية ناطقة باللغة الفرنسية أسهمت في بلدها أو على نطاق دولي في الحفاظ على اللغة الفرنسية وتعزيز انتشارها.
فازت الكاتبة الكندية ناعومي كلاين بجائزة المرأة للكتب الواقعية لعام 2024 (Women’s Prize for Non-Fiction) عن كتابها «Doppelganger»، وهو كتاب نقدي متعمق في الوقت الحاضر، من خلال تسليط الضوء على كواليس مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تكون الحقائق مرنة وتنشر المعلومات المضللة وتكثر نظريات المؤامرة. تبلغ قيمة الجائزة 30 ألف جنيه إسترليني.
أعلنت جائزة المرأة للخيال لعام 2024 (Women's Prize for Fiction) فوز الكاتبة الأمريكية قانيشانانثان عن روايتها «ليلة بلا أخوة» (Brotherless Night) التي تحكي قصة عائلة طحنتها الحرب الأهلية المريرة في سيريلانكا.
تصدر قريبًا عن دار خطوط وظلال رواية «زُرقة الظهيرة» للفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جورج باتاي مؤلف «الأدب والشر» و«الأيروسية». والرواية من ترجمة الأديب والباحث بلال سمير الصدّر.
توصيات النشرة من مريم محمد:
ثمانون عامًا في انتظار الموت! عبدالمجيد الفياض
تتحدث الرواية عن شخص لا يشيخ. قد يعتقد المرء أنها نعمة، لكننا نكتشف في الرواية جوانب خفية قد لا تخطر على البال. خلال الرواية يتعرض البطل لمواقف صادمة ومفاجئة وتحبس الأنفاس. في الكتاب اقتباسات جميلة منها: «قيمتنا في الحياة عبارة عن مجموع فضائلنا وإحساننا إلى الآخرين».
وهج البنفسج، أسامة المسلم
تبدأ الكتاب وأنت تردد ما ورد عنها، تردد مرارًا وبفضول الآتي: «العلم الثابت ما هو إلا خيالٌ أصابه الجمود». تتحدث الرواية عن فتاة انتقلت إلى مدينة جديدة وقابلت أحد سكانها الذي يملك مكتبة غريبة، ومنها اكتشفت عالم القراءة وبدأت تتعرف إلى عوالم جديدة.
فرسان وكهنة، منذر القباني
هذا الكتاب هو أول جزء من ثلاثية «فرسان وكهنة»، وهي رواية في قالب تاريخي تستعرض قصة «مراد» الذي يعود بالزمن إلى وقت أشبه بزمن العباسيين أو الأمويين، وخلال محاولته لفهم ما حدث له يتعرف إلى عالم جديد؛ فيرى مدى وحشية المغول وكيف كان العالم الإسلامي وقتها.
قد لا يكون كل ما ذُكر في الرواية صحيحًا؛ فالروايات التاريخية تأخذ الحقائق قالبًا لقصة، إلا أنها تذكر بعض المعلومات التاريخية بطريقة مميزة.
شيفرة دافنتشي، دان براون
تتحدث الرواية عن جريمة قتل حدثت في متحف اللوفر، وخلال التحقيق يُستدعَى الشخصية الرئيسة في الرواية «روبرت لانغدون» بوصفه مشتبهًا به، ومن هنا تبدأ أحداث الرواية، إضافة إلى قصة جريمة القتل وما يتعبها من أحداث. يُناقش الكاتب في الرواية بعض المواضيع العلمية والتاريخية والفنية بطريقة قصصية ممتعة.
لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.