غالية البقمية: قائدة سعوديّة ظنَّها العثمانيون ساحرة

يصف لورمير غالية البقمية قائلًا: "وفي تربة كانت تعيش قبيلة البقوم. وتتزعمها امرأة مسنة تدعى غالية كان الأتراك يعتبرونها عرافة ساحرة".

“وفي تربة كانت تعيش قبيلة البقوم. وتتزعمها امرأة مسنة تدعى غالية كان الأتراك يعتبرونها عرافة ساحرة” – لورمير

توجهت الحملة المصرية-العثمانية بقيادة مصطفى بك للاستيلاء على تُرَبَة، بلدة قبيلة البقوم التي تقع على ضفاف وادي السليم في الحجاز المجاور للطائف، وذلك في أغسطس عام 1813 م.

أثناء الحصار الذي دام ثلاثة أيّام، كانت غالية البقمية تخرج من الحصن مع الرجال وتخطب فيهم لتحفيزهم للقتال، تزامن ذلك مع وصول إمدادات سعودية أثناء عهد الإمام سعود الكبير بن عبدالعزيز.

تصف د. دلال الحربي الحصار في كتاب غالية البقمية:

قاتلت في المعركة بشجاعة منقطعة النظير، وانقضّت بجيشها على فرقة المدفعية في قوات مصطفى بك وأجبرتها على الفرار، وانسحب مصطفى بفلوله إلى الطائف مخلفًا وراءه مدافعه وذخيرته التي غنمها السعوديين

وادي الجثث

أما وادي السليم، فقد عُرف بوادي “ريحان” لامتلائه بجثث قُدّرت بالمئات.

ذاع صيت غالية من النُّجاة من الجنود الذين نسجوا قصصًا بطولية عنها، تعدّت مصر ووصلت إلى إسطنبول. حنق محمد علي باشا وابنه طوسون من مصطفى بك عندما علم أن غالية “حاربتهم وانهزم منها شر هزيمة” كما ذكر الجبرتي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار.

اسمها غالية بنت عبدالرحمن بن سلطان الغرابيطي الرماثيني البدري الوازعي البقمي.

ما نعرفه اليوم عن غالية البقمية هو أشتات كتبها عنها مؤرخون عرب، وبعض ما خلّفه الرحّالات الأجانب الذين عاصروا تلك الفترة، رغم الاختلافات في رواياتهم كوصفها بعجوز أثناء الحملة في أحد المصادر، وادعاء آخرين شبابَها ذلك الوقت.

من المؤكد أنها كانت أرملة غنية محنَّكة  أغدقت أموالها على الجنود. لسنا هنا بصدد الحديث عن دقة المصادر، كل ما يهمنا هو ما وصلنا عنها، وأنها كانت موجودة.

الحملة الثانية

تجوّل الرحالة والمؤرخ السويسري يوهان لودفيك بركهارت في الجزيرة العربية في تلك السنة، وكتب يومياته والأحداث التي جرت في مخطوطة وصلت  إلى ذويه في لندن قبل وفاته بفترة بسيطة في القاهرة. جُمعت المخطوطات في كتاب ملاحظات عن البدو والوهابيين،

أدناه ترجمة حديثِه عن الحملة الثانية من قبل طوسون ابن محمد علي باشا.

«كان بعض البقوم العرب من الرعاة، وبعضهم من المزارعين، ترأسهم أرملة تُدعى غالية، وكان زوجها أحد كبار رجال تربة. تمتلك غالية ثروة أكثر من أي عائلة عربية في الحي. أغدقت الأموال والمؤن على جميع فقراء قبيلتها المستعدين لمحاربة الأتراك. كان مجلسها مفتوحًا لجميع الوهابيين المخلصين ورئيسهم الذي يعقد اجتماعاته في منزلها.

عُرفت تلك السيدة العجوز بسدادة الرأي، وبمعرفتها الدقيقة بمصالح القبائل المجاورة، فلم يكن صوتها فقط مسموعًا في المجلس، بل كان الطاغي بشكل عام، كما كانت تحكم البقوم بالرغم من وجود حاكم أو رئيس منتخب يُدعى ابن خرشان. كان اسم غالية قد انتشر في سائر أنحاء البلاد بعد أول هزيمة اعترت مصطفى بك بالقرب من تربة، وسرعان ما تعززت مخاوف الجنود الأتراك من نفوذها وهيمنتها، فقد اعتبروها رئيسًا للوهابيين المتّحدين، ورووا أكثر القصص غرابة عن قواها كساحرة، وفضلها على جميع الزعماء الوهابيين، الذين أصبحوا بفضلها لا يقهرون.

ثبّطت هذه القصص الهمم العثمانية وزادت من ثقة البدو؛ مما ساهم في فشل حملة طوسون باشا. قرر محمد علي وأخيرًا شنّ هجوم ثانٍ، فأرسل طوسون من الطائف في نهاية أكتوبر، أو بداية نوفمبر عام 1813 م مع ألفي رجل للاستيلاء على تربة.

كانت المنطقة الواقعة بين تلك البلدة والطائف في أيدي قبائل معادية، وهم بنو سعد والنصيرة، ولا سيما عتيبة.  كانت هذه القبائل محايدة أثناء حكم الشريف، وكان عدد من شيوخهم قد وصل إلى مكة للتفاوض مع الباشا؛ ولكنهم فروا إلى جبالهم عندما قبض الباشا على الشريف، وبدأوا شن غارات ضد الطائف والقوات التركية الملامة على الخيانة التي أقدم عليها الباشا.

عندما تحرّك طوسون من الطائف، أخذ معه مؤنة لثلاثين يومًا، استهلك منها الجزء الأكبر في حربه المدمرة ضد العتبان، حيث طاردهم في جبالهم وأخضع بعض القبائل المتفرعة منهم. لم يتبقَّ من المؤونة عند وصوله إلى تربة إلا كمية تكفي لثلاثة أيام. أُمر الجنود بالهجوم على المكان فورًا؛ لكن العرب دافعوا عن أسوارهم بمعنوية عالية مع حضور وتشجيع غالية؛ في حين لم يكن أمام الأتراك أي فرصة للغنيمة، بعد الإرهاق جراء جهودهم، فصُدوا بسهولة.

قاد طوسون هجومًا ثانيًا في اليوم التالي، لكن قواته رفضت علنًا مواجهة غالية. وأخبرهُ ضباطه عن وضع الجيش المنهك ونقص المؤن، مشيرين إلى حالة المجاعة التي قد تهلكهم، وبذلك حثّوه على الرجوع في قرار الهجوم والعودة إلى الطائف.»

علم البدو بموقفه الضعيف وخرجوا من البلدة عندما شرع الانسحاب. وهجموا على جيش طوسون وسيطروا على الشعاب التي مر بها الجيش الفار مخلّفين خلفهم أمتعتهم وخيامهم والبنادق والمؤن.

أتوا إليّ بالألسنة

قرر محمد علي باشا أن يخرج بنفسه هذه المرة إلى الجزيرة العربية لمحاربة جيوش الدولة السعودية الأولى بقيادة فيصل بن سعود حيث التقى الجيشان عند بسل التي سُميت عليها المعركة وذلك في سبتمبر من عام 1814 م، إلا أن الحرب أسفرت عن هزيمة الجيش السعودي وهروبه.

أعلن محمد علي باشا لجنوده عن جائزة تبلغ ستة دولارات مقابل كل “رأس وهابي”. كتب محمد علي باشا رسالة للسلطان العثماني بتاريخ 19 يناير عام 1815م  يُخبره فيها:

قُتل الكثير منهم، فإنهم قد أتوا إليّ أيضًا بالكثير من الألسنة

اختلفت الروايات عن دور غالية في المعركة، حيث ذكر بعضهم أنها كانت من ضمن القادة في معركة بسل، ورُجّح خبر تحصّنها في تربة وهروبها منها عندما وصلها خبر الهزيمة إلى أحد القبائل البدوية.

أما محمد علي باشا، فقد واصل سيره إلى تربة بعد النصر، وتوقف في الطريق عند المعذر جنوب تربة عندما أخبره رجلٌ بخلو تربة من أهلها فقال كلمته الشهيرة:

أمست دار غالية خالية

التاريخالسياسةالمرأةالنسويةالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية