شمس المعارف والسينما من أجل السينما

إن أكثر ما يميّز فلم «شمس المعارف» تجنبه محاولات إيجاد العمق الإنساني أو الفكري الذي اتسمت به الأفلام السعودية في الأعوام القليلة الماضية.

قبل عدة سنوات لم يكن من الممكن أن يتحدث أحد عن كتاب شمس المعارف دون أن يستبد الخوف بالجميع. واليوم ها نحن مع فلم يحمل نفس العنوان؛ لا بالشكل الذي يتبادر إلى ذهن القارئ عند سماعه، بل من ناحية أخرى كوميدية بحتة.

هكذا نجح فلم «شمس المعارف» للأخوين قدس في الوصول إلى المجتمع السعودي بشقيه السينمائي وغير السينمائي، مع انطلاق عرضه في صالات السينما السعودية.

وقد تتوافق الآراء الأولى للمشاهدين حول نجاح الفلم في الوصول إلى كوميديا حقيقية غير متكلّفة ومختلفه تمامًا عن القالب الذي حصرت السينما والتلفزيون السعودي نفسها فيه لعقود. ولكن أقوى عناصر الفلم استعراضه لمرحلة لم تُتناول في أي من الأعمال السعودية سابقًا بهذا الشكل الواقعي، والذي يلامس ذاكرة الشباب السعودي.

حيث استعرض الفلم المرحلة الثانوية بكل ما تحمله من تخبّطات وأهمية في الحياة الشخصية والأكاديمية، وتقاطعها مع نضوج الأفكار وأحلام الشباب؛ مرحلة تعصر جميع جوانب القلق والتجريب والبحث.

شمس المعارف، صورة تعبّر عن ذاتها

إن أكثر ما يميّز فلم «شمس المعارف» تجنبه محاولات إيجاد العمق الإنساني أو الفكري الذي اتسمت به الأفلام السعودية في الأعوام القليلة الماضية. إذ كان جليًا  تجاهل الأخوين قدس لفكرة صنع فلم يحمل رسالة أو قضية تناقش صراعًا إجتماعيًا.

وحتى تلك التي استُعرضت في الفلم، كانت أجزاءً لا تنطلق من قلب القصة، بل تمثل إطارًا عامًا يصل بسلاسة إلى المشاهد. حيث تناقش وتعبّر عن ذاتها بذاتها للمشاهد دون الحاجة لكلام إنشائي أو حوارات يمكن ألّا تتناسب مع بساطة الشخصيات.

بالرغم من ذلك، كرر الفلم نقده الصريح للسينما والتلفزيون السعودي أكثر من مرة. ليغرق في خطاب إنشائي لا يتناسب مع بساطة الحوارات والشخصيات التي مثلها المخرج البطل أثناء تصويره مشاهد فلمه التجريبي مع المعلّم عُرابي وأصدقائه في المدرسة.

الممثل صهيب قدس / RedSeaFilm

حيث تردد كثيرًا نقد الكوميديا السعودية في «طاش ما طاش» بشكل أساسي، وعبر فيها البطل عن وجهة نظره الحادة والفاضية بأن طاش هو أسوأ كوميديا سعودية. ومن ثم عن الشكل الذي يلزم على السينما أن تكون عليه، أو حتى عن كيفية تصوير المشاهد.

بدا وكأن الأخوين قدس قد أدخلا نفسيهما في قالب يتناسب مع برنامج يوتيوبي سينمائي مثل «لقيمات» أو «إيش اللي» والتي كان بطل الفلم يجاهد للتنصل منها.

ويمكن القول بأن هذا كان الخلل الوحيد الذي أغرق الفلم في الكليشيهات التي أراد الخروج منها، والذي تداخل مع محاولة إيجاد الفلم عمقًا سينمائيًا يتجنب فيه تقديم رسالة نقد مباشرة.

عقدة المعلم 

كان المعلّم عُرابي الذي أدى دوره صهيب قدس أحد أبرز الشخصيات التي عكست صورة أخرى يستعرضها الفلم، وهي العقدة التي يعاني منها المعلّم أو الصورة التي يرسمها المجتمع عن المعلّم. فالمعلّم بشكل أساسي شخص ذو شخصية قوية وحازمة تتوافق مع مهمته ووظيفته.

لقطة من الفلم / RedSeaFilm

هكذا كان من غير المألوف الوصول إلى معلّم مرِح يتجاوب مع الطالب في شؤون تتجاوز محيط المدرسة، ويتضح ذلك جليًا في الوقت الذي يمرّ فيه عُرابي بحالة نفسية سيئة بين تدمير صورته كمعلّم وحبّه للتمثيل في فلم من إخراج طلّابه.

السينما من أجل السينما

لقد نجح فلم «شمس المعارف» في استعراض كل هذه التساؤلات عبر شخصيات بسيطة ومشاهد وحوارات غير متكلّفة وهو ما يميّزه لخروجه وحيدًا وسط بيئة سينمائية ماتزال تحاول التعمق بتكلّف في كثير من أعمالها.

فهو بذلك قد حقق غايته في استقطاب جمهور واسع في صناعة تغرق في تكرار نفسها، أو في خلق بُعد فلسفي أو اجتماعي متكلف. إذ ركز الفلم على الصورة وما تخلقه من أثر في جميع تفاصيلها مع النكتة العابرة والطريفة التي تربط المشاهد حتى النهاية.

هكذا تنجح السينما حين تكون لأجل السينما، وليس من أجل قضية أخرى، مثلها مثل أي فنٍ آخر يكون لأجل الفن ذاته، لا لتسخيره لخدمة القضايا الاجتماعية أو أي قضية أخرى. 

السعوديةالسينماالفنكوميدياالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية