لماذا الكتب الورقية مهمة؟

في هذا المقال تُناقش أروى الداوود أهمية الكتب الورقية في هذا العالم الافتراضي الذي أصبحنا نعيش فيه اليوم، وأصبحت الكتب الإلكترونية متاحة في كل مكان

دخل البشر مرحلة جديدة ثارت على ما سبقها من المراحل، ثورة تضيف كثيرًا للتراث الإنساني وتأخذ بالحضارة إلى أقصاها. فبعد أن كانت المعرفة تتناقل شفهيًا، صارت تنحت على الحجر والشجر. حتى اخترع الإنسان الكتب الورقية والحبر والطباعة، وهذه المراحل لم تمر دون نكسات، إلا أن البشر واصلوا التقدم حتى اختُرِعَ الكتاب الإلكتروني من قبل مايكل هارت Michael Hart والذي أنشأ أول مكتبة إلكترونية في قفزة نوعية في عالم العلم والمعرفة حين أصبحت ملايين بل مليارات الكتب والمخطوطات والصور المنتشرة حول متاحف ومكتبات العالم الرئيسية، في متناول يديك تمامًا.

إنه حقًّا لأمر حابس للأنفاس أن يكون بمقدورك الوصول إلى ملايين الكتب ببضع نقرات. وصل العلم إلى الجميع، وصار الجهل حجة، وكل هذا بفضل الكتاب الإلكتروني.

الحاصلُ الآن، هو أن غالبية المعارف والمعلومات الجديدة التي تنتج من قبل الأفراد، والجامعات، والهيئات، والحكومات لاتكون موثقة على أرض الواقع. وهذا يجعلنا نتساءل ونفكر، بفرضية في حال انقطعت الكهرباء فجأة في كل أنحاء العالم، كم من المعرفة سنخسر؟ تعتبر المعرفة والإنتاج إحدى سمات أي حضارة، وانهيار المعلومة يعني انهيار هذه الحضارة. إنّ ضياع المعلومات قد يكون أسهل مما نتخيل. فيكفي أن يتحقق الفرض السابق، ونعيد السؤال كم من المعرفة سنخسر؟

الكتاب الإلكتروني والمعلومة المحفوظة تقنيًا هو ذروة العلم، وهو الحجر الذي تتكئ عليه حضارتنا، إلا أننا يجب أن نحذر من هشاشة ما نتكئ عليه، فقد يتحول كل شيء إلى لا شيء في لحظة.

مهمة الكتاب تتعدى أن يكون فقط ناقلًا للمعلومة أو حافظًا لها، إنه ذاكرة الأمم، ورسالتها الثقافية، ومخطوطاتها التي لا تموت. للكتاب الورقيّ قيمة تتعدى مهمته اليومية والبسيطة. إن الحضارة التي وصل لها الإنسان حتى الآن، قد لا تنتقل إلى أمم تأتي بعده. أحداث كهذه أخّرت مسيرة البشرية، وجعلتنا حائرين في تفسير حضارات كثيرة مثل الحضارة الفرعونية، وحضارة المايا، التي اندثرت ولا نعرف على وجه التحديد ماهي التقنيات التي امتلكوها؟ وإلى أي حد وصل الإنسان في ذلك العصر من المعرفة؟

نقطة الصفر

إننا مضطرون للعودة إلى نقطة الصفر مجددًا، كما حصل في أحداث مسحت ذاكرة الإنسانية كلها. فحرائق مكتبة الإسكندرية جعلتنا نعود إلى نقطة الصفر في نواحي منها علوم الرياضيات. وتدمير مكتبة بغداد والصورة الدرامية لنهر دجلة وهو أسود من حبر الكتب كان جريمة في حق الإنسانية، جعلتها تتراجع خطوة أو خطوتين بالتأكيد. وكذلك تكررت الجرائم ضد الإنسانية بإحراق الكتب والمكتبات طوال التاريخ.

في سنة 335 قبل الميلاد، حرق الأسكندر الأكبر مكتبة برسيوليس وبها عشرة آلاف مخطوطة. وفى سنة 270 ق.م أمر الامبراطور الصينى تسى شن هوانج بإحراق معظم الكتب الموجودة في عصره وعددها مائة ألف كتاب. فى القرن الثالث عشر، أحرق الكاثوليك كل المكتبات التاريخية القديمة فى كل مكان فى أوربا. وفي القرن العاشر الميلادي، تم إحراق المكتبة العامرية في سورية من قبل الصليبيين وكانت تحوي ثلاثة ملايين كتاب.

أما فى القرن الرابع عشر، فقد تولّت محاكم التفتيش فى إسبانيا القضاء التام على كل المخطوطات القديمة النادرة خوفًا منها على المسيحية. وفي الحرب العالمية الثانية، تم تدمير عواصم متقدمة في العلم في ذلك الوقت بما فيها من بيوت ومكتبات وعلوم خوفًا من استعمال هذه المعارف في الفوز بالحرب أو السيطرة على العالم. كلها أُحرِقَت عمدًا أو جهلًا ولا يبدو أن العالم يرغب بتكرار ما حصل مرة أخرى.

في العراق وتحديدًا في مدينة البصرة، كدنا نفقد ثلاثة آلاف كتاب والعديد من المخطوطات التاريخية، من ضمنها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم التي تبلغ من العمر 700 عام قبل أن تنقذهم أمينة المكتبة واسمها “عالية باقر”.

قامت عالية بتهريب هذه الكتب إلى منزلها خفية، أثناء الحرب بعد أن طلبت من المحافظ نقلهم ورفض ذلك. عالية بطلة بلا رداء أحمر ولا يمكنها الطيران، لقد عملت ما بوسعها فقط لإنقاذ تراث عراقي وإنساني من الضياع.

كيف يمكنني إنقاذ الإنسانية، وإنقاذ نفسي أوّلًا؟

كفرد في المجتمع، كيف يمكنني إنقاذ الإنسانية، وإنقاذ نفسي أوّلًا؟ إن شرائك للكتاب، أو بناءك للمكتبة، أو توثيقك لكل معرفة وصلت لها، أو طباعتك لكل بحث قمت بعمله قيمة في حد ذاتها تساعد في الإنقاذ.

إن كنت تمتلك أبحاثًا أو أوراقًا علمية، أو صنعت يومًا ما، مقطوعة موسيقيّةً أو أدبيّة غاية في الروعة، فلا بد من أن تحافظ عليها من الضياع، سواءً بسبب كارثة عالمية أو محلية أو حتى لو قمت بضغط زر المسح بدون قصد وفقدت جميع بياناتك كما يحصل للمستخدمين حول العالم كل يوم.

اختفاء الكتب الورقية

يتنبأ باختفاء المكتبات، واختفاء الكتب الورقية، وهذا الظاهر حتى الآن من نمو هذه المكتبات الإلكترونية وتفضيل القراء لها حول العالم، تشكل الكتب الإلكترونية الآن حوالي 30% من إجمالي مبيعات الكتب.

القراءة الإلكترونية، والمعرفة المتناقلة إلكترونيًّا هي التطوّر الطبيعيّ لهذا العصر. قد نعزف عنها لتفضيلنا الكتب التقليدية، ولكننا سنجد أنفسنا في نهاية المطاف مستهلكين لها استهلاكًا أكبر، ومندفعين إلى استعمالها أكثر.

يقول الكاتب السوداني “أمير تاج السر” وهو من الأشخاص الذين لم يستسيغوا القراءة الإلكترونية وتساءلوا عن مآل الكتاب الورقي:

لا أجد خوفًا كبيرًا على قراء العربية عشاق الورق، من اختفاء الكتاب العربي، فرغم أننا نحصل على التكنولوجيا سريعًا، كما يحصل عليها المستخدم الغربي، يحتاج فهمها عندنا والتفاعل معها وقتًا طويلًا، وبالتالي ربما تصمد كتبنا زمنًا، ولا تصبح ذكرى في القريب العاجل، ذلك ما لم ينحسر فعل القراءة نهائيًّا، في وجود كل وسائل التسلية المتاحة حاليًّا.

اقرأ أيضًا: العلماء: الكتب الورقية لن تموت

بين الكتب الورقية والإلكترونية، بين التقدم إلى الأمام والحفاظ على البيئة بتقليل الطباعة، وبين التّمسُّكِ بتراث الماضي والبحث عن وسيلة لنقل أسرار هذه الحضارة إلى من يأتي بعدها، بين الإرث الشخصي والإرث الإنساني الذي يلحقه التدمير ويجعل البشرية مضطرة لمواجهة الأزمات واحدة تلو الأخرى، فهل ستصمد هذه الحضارة أخيرًا، أم ستلحق بغيرها من الحضارات المندثرة؟

شاركنا بما تعتقده حول الكتاب الورقي ومستقبل العلم وحلول لإنقاذ البشرية على تويتر.

الكتبالمستقبل
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية