متى استغنى الناس عن الخصوصية وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟

يوافق الكثير من الناس على سياسة الخصوصية الموجودة في أغلب المواقع والخدمات التي نستخدمها دون تفكير أو حتى قراءة المكتوب، لكن ربما عليهم فعل العكس تمامًا.

في عام 2001، ستوصل حاسوبك المكتبي بالإنترنت بواسطة الاتصال الهاتفي (الدايل اب). ستنتظر عدة دقائق وستبدأ بفتح الصفحات الرئيسة لمُنتدياتك المفضلة التي غالبًا ما تسمي نفسك بها بـ«جرح لا يقبل النسيان» أو «الليل عنواني» أو «الزعيم» أو ممكن «لا أحد». أي اسم سخيف سيفي بالغرض، المهم ألا تفصح عن اسمك كون لا أحد يفعل ذلك، ولا أحد يثق بذلك.

لديك الكثير من الأصدقاء الذين لا تعرف عنهم أي شيء، ولا يعرفون عنك شيئًا، لن ترغب بأن يعلم أحد باسمك الحقيقي وقد تكذب إذا ما اضطررت إلى ذلك. عالم من المجهولين لا تستطيع تمييزهم إلا بمعلومات محددة، كالاهتمام والجنس والعمر وكلها معلومات غير موثوقة.

تذكر، كم كان الناس متحفظين بشأن توسيع شبكاتهم الاجتماعية في إم إس إن (MSN) وقبول الإضافة ثم الحظر، ويصل إلى تغيير العنوان لتجنب الأشخاص غير المرغوب فيهم في سبيل الحفاظ على الخصوصية.

في منتصف الألفية الأولى، سجل الآلاف في الشبكة الأولى فيسبوك التي تطلب منك أن تفصح عن الكثير من معلوماتك الخصوصية، كالمدينة والمدرسة والاسم والروابط العائلية. وعدَّ غالبية الناس ذلك طبيعيًا بشكل ما، وشاركوا معلوماتهم وصنعوا دوائرهم المتعددة على هذه الشبكة الجديدة وصولًا إلى تويتر وغيرها من الشبكات الاجتماعية. وأصبح استخدام الأسماء المستعارة غير معتاد، والتخفي تحت اسم مستعار لا بد أن يكون له تبرير، كون استعمال الاسم المستعار يشجع المستخدمين على السلوك السلبي، وتُستخدَم الحسابات المجهولة بطرق مسيئة.

التخلي عن الخصوصية

أصبح الإنترنت شبكتنا الاجتماعية الكبيرة التي نتعرف فيها على الأصدقاء، ونبحث فيها عن الوظائف، ونعرض أنفسنا ومهاراتنا فيها ونعتمد على الإنترنت في المعاملات. وقد عزَّز الإعلام الجديد ارتباطنا بالإنترنت، فتغيرت الدائرة وتحرر الناس من الكثير من التحفظات.

لكن لِمَ تنازلنا عن الخصوصية دون مفاوضات؟ وكيف لذلك أن يضرنا بصفتين مستخدمين وأفراد؟ يتنازل الناس غالبًا لأنها خدمة أفضل أو بالأصح حتى يستطيعون الاستفادة من الخدمات، و ليحصلوا على تواصل أفضل. ولا يود أحد أن يكون معزولًا بطبيعة الحال.

أما الأفراد والمؤسسات الذين يسعون إلى تقديم خدماتهم عبر الإنترنت، فإنهم يحتاجون إلى أن يصلوا إلى عملائهم ويكسبوا ثقتهم. وأحيانًا يتننازل الناس عن خصوصيتهم لسبب بسيط جدًا: لأن الجميع يفعل ذلك!

تعرف شريحة كبرى أن المعلومات الشخصية المفصَح عنها أو تلك التي لم تفصح عنها والتي يعرفها عنك أي متصفح – مُستخدَمة من الشركات وحتى أنها قد تُباع، ولا يمانع أحد. يوافقون على سياسة الخصوصية والأمان مباشرة لأنهم يعرفون أنهم لا يملكون الخيار. وإذا رفضت ذلك لن تحصل على الخدمة، وإذا لم تحصل على الخدمة سيكون هاتفك الذكي غير ذي فائدة. وشيئًا فشيئًا ستشعر بأنك في معزل عن الحياة الاجتماعية، لأنك اخترت ألا توافق.

الحكومات والتشريعات والمراقبة

تمرر الحكومات مثل الحكومة الأميركية والبريطانية والأوربية قوانين لشرعية استعمال بيانات المستخدمين والدخول إليها واختراق خصوصيتهم لأسباب أمنية. وفي خضم حربها على الإرهاب والحفاظ على الأمن القومي، سيكون من المفيد أن يكون لديها خلفية بكافة تحركاتك، وألعابك المفضلة، وأفكارك التي تفصح عنها وتفكر فيها وتلك التي ستفكر فيها يومًا ما.

أما كوريا الجنوبية، فلديها سياسة تقضي أن كل مَن يريد أن يستخدم الإنترنت لا بد أن يستخرج رقم تسجيل المواطن (RRN) الخاص بكل فرد الذي يُطلب عادةً عند التسجيل في المواقع، وشبكات التواصل، ومنصات الألعاب الإلكترونية. هذه السياسة عملية جدًا، حيث تساعد على تخفيض عدد الحسابات الوهمية وتسهل تعقب كاتبي التعليقات، ومعرفة هوياتهم إذا استلزم الأمر.

وفي السعودية،

تشترط الحكومة لزامًا على كل مستخدم لخدمات الهاتف والإنترنت أن يسجل بصمته لدى وزارة الداخلية. وغالبًا ما يتطلب رقم الهاتف التسجيل في تلك الشبكات الاجتماعية، كالواتساب وتويتر وغيرها. وهذا يمَكِّن الحكومة من معرفة المستخدم الحقيقي للحسابات وإن كانت وهمية، وتثبت عليه استخدامه للحساب كونه مربتط بهاتفه المسجل تحت بصمته الوراثية بحضوره شخصيًا عندما حصل على الرقم أول مرة.

هذه الإجراءات الحكومية ذات الصبغة الأمنية والمبررة إلي حدٍ ما، قد تُمرَّر ويرضى فيها الأفراد للمصلحة العظمى، إلا أن الشركات توفر هذه المعلومات لموظفيها وللمعلنين والمنظمات وحتى المخترقين، أي كل مَن لديه القدرة على دفع الثمن. فما المصلحة العظمى من وراء ذلك؟ كما حزرت، إنه أنت المطلوب لا المصلحة.

حتى في التطبيقات الحكومية كما في حالة كوريا الجنوبية، حصلت عدة حوادث من الموظفين الذين لديهم القدرة على الوصول إلى هذا النوع من البيانات. والله وحده يعلم ماذا يفعلون بقدرتهم الثمينة في الدخول على قاعدة بيانات كهذه وكم ستفاوضهم عليها الشركات لبيع ولو جزء منها.

تركز بعض الأنظمة التعليمية على توجيه الأطفال في سن مبكرة لاستخدام الإنترنت بطريقة سليمة، وتزودهم بأساسيات الخصوصية والحدود المطلوبة للمستخدمين الأطفال، مثل اختيار الاسم ومشاركة الصور وأرقام الهاتف والاعتماد على الوالدين لحماية الطفل من أي سلوك قد يؤثر عليه سلبًا أو يعرضه لسلوكٍ غير مقبول.

نشر مارك زوكربيرق مؤسس فيسبوك صورة له يظهر فيها جهازه المغطى بشريط لاصق على كاميرا الويب، ولاقط الصوت كإجراء احترازي لتقليل أضرار أي اختراق لخصوصيته في أي وقت.

لماذا استغنى الناس عن الخصوصية؟

  • خدمة أفضل، أو بالأصح حتى تستطيع الاستفادة من الخدمات.

  • تواصل أفضل، لا أحد يود أن يكون معزولًا.

  • حتى أستطيع تقديم خدماتي وأصل إلى عملائي كفرد ومؤسسة.

  • لأن الجميع يفعل ذلك!

  • لا يهمني فعلًا.

إجراء الموافقة على بنود سياسة الخصوصية لا يملك تلك الفعالية خصوصًا وأنها لا تقدم خيارًا أفضل لو رفضتها، فهو عقد إذعان جملةً وتفصيلًا، ورفضه يعني أنك لن تستفيد من الخدمة ببساطة، ولن تستطيع المفاوضة على بنودها أو تقبل بعضها وتتحفظ على البعض في أحسن حال. ولهذا السبب بالذات لا يقرؤها أحد، المسألة ليست كسلًا فقط، وإنما تجنب الخوض فيما لا يفيد.

يقول المثل: عندما لا تدفع ثمن البضاعة فاعلم أنك أنت البضاعة. ولكن ما ثمنك بصفتك بضاعة؟ ما ثمن خصوصيتك؟

لم يكن الإعلام بشكل رئيس والمادة الترفيهية الاستهلاكية كلاسيكيًا من التلفاز وما شابهه قادرًا على جمع بياناتنا إلا بشكل محدود. كنا ندفع ثمن الإعلانات فقط، وبكل سخاء ننتظر أغلب أوقاتنا على التلفاز لنحصل على المحتوى.

ما الحل؟ العيش في كهف؟ ممكن؟

الآن، ما زالت الإعلانات تملأ الأرجاء إلا أنها لم تعد الثمن الوحيد، أو المعوض الوحيد للخدمة شبه المجانية، هناك شيء جديد يدعى (قاعدة بيانات) وهو يدر المال كبقرةٍ حلوب.

تتراوح قيمة هذه البيانات بالطبع وتختلف على حسب أهميتها ومدى صعوبة الحصول عليها. كل شركة يوجه لها السؤال بخصوص بيع المعلومات أو منح الوصول إلى أشخاص وجهات ترد عليه بالنفي على الفور. وأكدت الشركات، كما فعلت مرات عديدة في الماضي، أنها تقدم معلومات محددة إلى المحققين الحكوميين استجابة لطلبات محددة -عندما يُطلَب منهم ذلك بموجب القانون- لكنهم نفوا بشكل قاطع أنهم فتحوا خوادمهم وباعوا معلومات المستخدمين.

يقول حسين درخشان المدون الإيراني:

الطريقة الوحيدة للبقاء خارج جهاز المراقبة الكبير هذا قد يكون في الذهاب إلى كهف والنوم فيه، حتى إن لم تستطع أن تنام 300 عام.

بالمناسبة، موقعنا بدوره يعرف عنك بعض المعلومات التي قد لا تتوقعها. وإذا أردت أن تعلم كم من المعلومات نعرف عنك وأنت في موقع «ثمانية»، تستطيع التأكد على هذا الرابط.

التقنيةالحريةالخصوصيةالمستقبل
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية