كيف غيرت الحرب العالمية الأولى من علم الأرصاد الجوية
كيف لتجربة علمية خاطئة للتنبأ بالطقس أن تطور علم الأرصاد الجوية وتكون تمهيدًا لأعظم اختراعات القرن المنصرم؟
في الثقافة العامة ومنذ القدم اعتدنا استخدام مفردات خاصة بالطقس مثل ممطر، ومشمس، وغائم أو عاصف. وفي وقتنا الحالي ارتبط مفهوم الطقس لدينا بمعرفة حالته المستقبلية التي قد تغير من مخططات عطلة نهاية أسبوع أو تجعلها ممكنة. أيضًا قد تكون تلك التوقعات المختصة بالطقس منقذة لحياة الكثير، كأن تنذر بقرب حدوث عاصفة مدمرة، فيتخذ الجميع ملاجئ تقيهم من هذا الخطر المحتمل. لكن كيف أصبح علم الأرصاد الجوية على ماهو عليه الآن وبأقل قدر من الأخطاء في التنبؤ بحالة الجو في مكان ما؟
في القرن التاسع عشر تطور علم الأرصاد الجوية فأصبح قادرًا على إعطاء تحذيرات يومية تنقل بواسطة التليجراف والمعروف عنه بالسرعة. كانت القدرة تكمن على تحليل طقس اليوم نفسه. مع مرور الوقت تقدمت ولكن ظلت مشهورة بكونها غير كفؤ.
خلال الحرب العالمية الأولى تغيرت الطريقة المعتادة والمعروفة عن أخبار الطقس والذي كان يعتبر مجرد إخبار لحالة حدثت في وقت سابق ليصبح حسابات رياضية تمكن الراصدون من التنبؤ بما سيحدث.
رأى عالم الرياضيات الإنجليزيلويس ريتشاردسون (Lewis Fry Richardson)أن طريقة العمل لرصد حالة الطقس في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، كانت مجرد أرشفة لأحداث حصلت في الماضي، ومن بعد ذلك يتم ربطها بظواهر طبيعة تحدث في الوقت الحاضر. وفي اعتقاده تعتبر تلك الطريقة غير علمية لكونك تفترض مقدمًا بأن تغيرات الطقس لابد أن تتكرر في المستقبل، وحتى يتم التوصل لتنبؤات أكثر دقة في حالة الطقس يقول ريتشاردسون:
“أنه من المهم أن يتجاهل الراصد الجوي تغيرات الطقس التي حصلت في الماضي”.
نموذج رياضي خاص
في عام 1917 وفي أثناء الحرب العالمية الأولى بينما كان ريتشاردسون يعمل في وحدة الإسعاف، قرر عمل تجربة لتوقع حالة الطقس من خلال حسابات رياضية والمعتمدة على قواعد علمية لا على ظواهر سابقة. كان من السهل القيام بهذه التجربة لأن راصدًا جويًا من النرويج يدعى فيلهلم بيركنيس(Vilhelm Bjerknes) تمكن في العام 1910 من تسجيل بيانات للطقس على نحو متزامن لعدة مناطق من أوروبا الغربية، منها حسابه للضغط والكثافة الجوية والغيوم وحساب سرعة الرياح.
هذه البيانات مكنت ريتشاردسون من عمل نموذج رياضي خاص برصد وتنبؤ حالة الطقس. التحدي الذي واجهه كان عمل رسم بياني لهذا النموذج الرقمي ومن خلال الاستفادة من تلك البيانات يستطيع من بعدها تعبئتها بتنبؤات خاصة بالطقس في المستقبل القريب.
قام ريتشاردسون برسم شبكة على خريطة أوربا، قسمها إلى 25 مربع متساوي القياس، كل مربع قُسم إلى 5 مستويات مع تواجد نفس الكمية من كتلة الهواء في كل مستوى منها. قام ريتشاردسون باعتماد نوعين لتلك المربعات عرف الأولى بخلايا (P) وفيها يقوم ريتشاردسون بتسجيل درجة الحرارة، والضغط الجوي، وكمية الرطوبة. أما الأخرى فأطلق عليها اسم خلايا (M) يعمل من خلالها على حساب سرعة الرياح واتجاهها.
طريقة تنظيم تلك الخلايا كانت أشبه برقعة الشطرنج حيث يتناوب النوعين من الخلايا واحدًا تلو الآخر، فأصبح ريتشاردسون بعدها قادرًا على حساب المعلومات المفقودة في خلية ما بمجرد إلقاء نظرة على الخلية المجاورة لها. قام ريتشاردسون بعدها بإدخال المعلومات المتوفرة داخل معادلته الرياضية والتي سجلت في الساعة السابعة صباحًا، ثم القيام بعمليات حسابية لحل المعادلة لتكون النتيجة النهائية هي توقع حالة الطقس بعد ست ساعات من تلك اللحظة أي الساعة الواحدة ظهرًا.
السبب الذي أدى لحدوث الخطأ
النتائج كانت سلبية فيما يخص ما حدث بالفعل، وفشلت أغلب توقعات ريتشاردسون المتعلقة بالجو ولم يكتب لها الحدوث. لكن ريتشاردسون رغم هذا الفشل شرح تجربته وأسباب إخفاقه في كتاب له تحت عنوان (Weather Prediction By Numerical Process) وتم نشره في العام 1922 في خطوة تعتبر جريئة كون أغلب العلماء يرفضون التحدث عن تجارب فاشلة لم يكتب لها النجاح.
يرجح ريتشاردسون أن السبب الذي أدى لحدوث الخطأ في توقعاته إلى حركة تيار هوائي معاكس يتعارض مع اتجاه الريح، ترسل الهواء إلى أعلى أو أسفل أو حتى بشكل جانبي، وتمرر الطاقة من دوامة إلى أخرى.
رغم هذا الخطأ العلمي كان هذا الاكتشاف ذو شأن كبير كون طريقة ريتشاردسون الحسابية والتي أستعملها في تجربته كُتب لها النجاح مع الظهور الأول لأجهزة الكمبيوتر في الأربعينات والتي ساهمت في تحليل كميات كبيرة من البيانات بشكل أسرع. ساهمت تجربة ريتشاردسون في تطوير علم الأرصاد الجوية، وتعتبر في يومنا هذا القاعدة الأساسية في التنبؤات بحالة الطقس.
اليوم أصبح من المعتاد تفقد الهاتف للبحث عن درجة الحرارة بينما تقف في الشارع، وأصبحنا مهتمين أكثر بمستقبل علم الأرصاد الجوية مع التغيرات الكبيرة للمناخ التي نواجهها. ومن المهم العودة لعبارة قد تبدو متناقضة لكنها لا تخلو من الصحة:
“الحاجة الملحة لمعرفة المستقبل تمضي جنبًا إلى جنب مع توقعات بحدوث مستقبل لم يسبق له مثيل”.