الأصالة للقرن الواحد والعشرين

في عصر أصبحت فيه الثقافة أحادية عالمية، مالذي تعنيه لنا الأصالة والثقافة؟ وكيف لنا أن نتمسك بأصالتنا في ظل التشابه؟

الأصالة في اللغة تأتي عادة بمعنى ثابت وراسخ وذي جذور وذي جودة. ويبدو أن الأصالة هي ما يفتقر إليه العالم اليوم، أو في طريقه لخسارتها بدءًا من الأصالة الثقافية حتى الأصالة الفردية.

إننا في عصر باتت فيه الثقافة كونيةٌ وصار من الصعب مواكبتها دون التعرض إلى صدام ينشغل به المجتمع طويلًا. جدال بين الحديث والأصيل، مثل ما ساد في المجتمع العربي قبل الألفية وبعدها، دون أن يصل ذلك الجدال إلى نتيجة حتى الآن.

لماذا يجب أن أكون أصيلًا؟

حين تسأل لماذا يجب أن أكون أصيلًا، سيكون كأنك تسأل هل يجب أن أكون مختلفًا، أو أن أكون مختلفًا ومتفردًا عن أي شخص آخر مثل بصمتك التي لا يملكها أحد غيرك. أنت مختلف، لذا لديك الحق في أن تكون أصيلًا. الأصالة تحتم الاختلاف، والاختلاف يحتم التفكير، والتفكير يحتم الاختلاف. يبدو الأمر كدائرة لا تنفك، لكن الواقع يقول إن الاختلاف الذي يُسمح به للفرد عالميًا ما يزال محدودًا، والتعبير عنه أكثر محدودية.

ووسط حدود الاختلاف التي تتمثل في الزي وطريقة الأكل والأفكار، لا تذهب بعيدًا عن الحدود المقررة سلفًا بوعي أو دون وعي. وتظل مساحة الاختلاف في الأفكار خاضعة لقوالب وخنادق وانتماء ومسمى وهوية.

وحين تكون عناويننا وهويتنا مرتبطة بمعسكر أو خندق، يضطرنا ذلك إلى تقليل اختياراتنا نتيجة للعيش مع الجماعة بطبيعة الحال. ماذا لو كانت هذه الجماعة ليست في حيك أو منطقتك أو حتى دولتك؟ هذه الجماعة صارت العالم كله في زمن التواصل الذي يصفه ميلان كونديرا بقوله:

كل واحد يحيط نفسه بكلماته الخاصة كما لو كان يحتمي بجدار من المرايا لا ينفذ منه أي صوت من الخارج

والذي يحصل أن كل جماعة تضم نفسها تحت مسمى أو تصنيف تحتم على الفرد مزيدًا من القيود والخيارات وتجده محاصرًا بين ما يجب فعله حتى يشارك بفاعلية في هذا المجتمع بصفته فردًا ممثلًا لهذه الجماعة، وما هو صحيح وخاطئ.

ثم تأتينا أصالة الفرد التي يصيغ هويتها بجذور راسخة ولكن بأفكار خاصة، دون أن يشعر بوجوده في زاوية ضيقة من المسميات والتفكير. وكلما زاد المجتمع في أصالته، كانت أرضيته صلبة وجاء جديدًا في عالم من المتشابهين، وكان أفراده كذلك. لكن ما حصل أن هذه الأصالة فُرِّغت في طقوس وعادات، ومُحِيت بصفتها مرجعية.

عبدالوهاب المسيري عن تجربته في العودة إلى الأصول لبناء معرفي سليم:

سرّ التفوق الأصالة، لأن الأصالة تعطي مستوى من الجودة وتجعل أطوار نمو المجتمع الإنساني مستقرة وطبيعية. والاستغناء عن الأصالة الخاصة والظهور بلباس لا يناسب قياسك سيكون مخزيًا وبلاستيكيًا، تقريبًا شيء يشبه القرن الواحد والعشرين.

يقول د. فرحان سليم في ورقته «الثقافة العربية بين الأصالة والمعاصرة»:

… بل تعني العودة إلى الأصالة منهجًا وقيمًا ومصدرًا في تنمية ثقافة المجتمع أيا كان اتجاهها أدبًا أو فكرًا أو فنًا

وكل تنمية للثقافة لا تنطلق من قيم المجتمع الذي تطرح فيه هي عقيمة، ومن ثم فإن الشعب العربي لا يمكن أن يتفاعل مع ثقافات تتنافى مع قيمه وإن سميت ثقافة عربية

الإختلافالثقافةالوطن العربيالسلطة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية