خدعة الإعجاب

أحيانا نختار منتجًا لا نعرفه من بين عدة منتجات مشابهة لأنه يملك الحصة الكبرى من الرف، يتناول هذا المقال خدعة تسويقية تنطلي علينا.

هل سبق لك أن قمت بشراء منتج لأول مرة لم يسبق لك تجربته من قبل، وقمت باختياره من بين المنتجات المشابهة الأخرى، فقط لأنك تعرف أن هذا المنتج مشهور ومتداول بين الناس وتسلّل لديك شعور بأنه ذات جودة عالية؟ أو ربما كنت تتصفح منصة تويتر أو انستجرام ذات مرة ووقفت على أحد الحسابات الذي يملك عددًا كبيرًا من المتابعين، شعرت لوهلة أنه ذات شهرة وأهمية كبيرة وربما قمت بمتابعته كذلك؟ هذا الشعور يُعرف في التسويق بقانون “المخاطرة المضاعفة Double Jeopardy”.

عندما يذهب الناس إلى المتاجر ومحلات التجزئة للتسوّق، غالبًا هم يشترون المنتجات التي تمتلك معظم المساحة في الرف من بين المنتجات المشابهة الأخرى. بالنسبة لغالبية الناس، انتشار المنتج بهذا الحجم يعطيهم دلالة على جودته وبالتالي المنتج كسب هذه الشهرة مما أتاح له امتلاك مساحة واسعة في الرف أو الثلاجة.

في منصة تويتر وانستجرام كمثال، الوصول لعدد كبير من المتابعين أمر صعب، لكن عندما يصل صاحب الحساب لما بعد 10,000 متابع، تزداد أرقام المتابعين حينها بشكل متسارع أكثر من ذي قبل. السبب في ذلك هو أن الآخرين سوف يشعرون أنه يجب عليهم متابعة الحساب كونه يملك الكثير من المتابعين، حيث يتسلل لديهم إحساس بأن صاحب الحساب ذات شهرة وأهمية كبيرة، والأهم من ذلك هو أنّ بقية الناس الأخرين يتابعونه.

المخاطرة المضاعفة

في عام 1960، قام عالم اجتماعي يدعى ويليام ماكفي William McPhee بصياغة مصطلح “المخاطرة المزدوجة” أو “المخاطرة المضاعفة” لوصف إعجاب الناس وميولهم تجاه سلوكيات معينة. ثم بعد بضع سنوات، أندرو إهرنبرغ Andrew Ehrenberg، إحصائي التسويق، عمل على تطبيق المصطلح في عالم التسويق.

العلاقة بين إنتشار شيء معين سواءً كان شخصية أو منتج أو حتى كتاب، وبين مدى إعجاب الناس فيه، تأتي تحت قانون المخاطرة المضاعفة أو المخاطرة المزدوجة والمستخدم في إدارة العلامات التجارية: الأشياء أو الشخصيات المعروفة من قبل عدد محدود من الناس تكون محبوبة بشكل أقل حتى من أولئك الناس الذين يعرفونها!

الطريقة التقليدية لشراء أو اكتساب الولاء هو الاهتمام بالناس الذين يعرفونك، هذه الطريقة رائعة لكنها لوحدها خاطئة لسبب بسيط وهو أنه لن يكون بإمكانك أن تكبر وتتوسع، أنت فقط سوف تحافظ عليهم. يمكن تطبيق ذلك على علامتك التجارية، أو منتجك الخاص أو حتى قائمة أصدقائك. بينما قد تكون الطريقة الأمثل لاكتساب الولاء، هو الذهاب للحصول على عملاء أو أصدقاء جدد وتوسيع الدائرة أكثر، عندها عملائك أو أصدقائك الحاليين سوف يزداد إعجابهم بك.

في أميريكا، الكثير من العلامات التجارية الصغيرة، تذهب لتضع كل ميزانيتها التسويقية في إعلان واحد في مباراة السوبر بول Super Bowl وهي المباراة النهائية لدوري كرة القدم الأمريكية التي تقام في شهر فبراير من كل سنة حيث متوسط المشاهدات عبر قنوات البث الأميركية يتجاوز 111 مليون مشاهدة تقريبًا. السبب هو أن الإعلان في السوبر بول أفضل مكان تُثبت فيها العلامات التجارية الصغيرة حجمها وانتشارها من بين العلامات الضخمة، والكثير من المشاهدين، بالإضافة إلى أن العملاء الحاليين لتلك العلامات سيشعرون بأنهم جزء من شيء كبير وبالتالي يزداد ولائهم. هذا ما فعلته شركة أبل في أول إعلان تلفزيوني للشركة عام 1984 الذي كان نقطة فاصلة في صناعة الإعلانات التلفزية في الولايات المتحدة وللشركة بوجه خاص.

إحساس الناس بضخامة الشيء يعطيهم إحساس آخر بأهميته

في أماكن التسوّق، الشركات كذلك تدفع أموالًا للمتاجر الكبيرة لجعل منتجاتها في مقدمة المنتجات أو للحصول على مساحة أكبر في المتجر عن باقي المنتجات الأخرى، والهدف هو الوصول لهذا الشعور داخل عقل المشتري.

إحساس الناس بضخامة الشيء يعطيهم إحساس آخر بأهميته. والسبب هو أن غالبية الناس ليس لديهم الوقت والقدرة الذهنية لتحليل كل الخيارات المتاحة وبالتالي يذهب الكثير منهم لاختيار الشيء الذي قد اختاره بقية الناس سابقًا وأثبتوا أنه رائع. الشهرة هي عملية تغذي نفسها، وهذا ما يفسر ذهاب الكثير من الناس لشراء عدد من المتابعين في تويتر وانستجرام وعدد مرات الإعجاب فيه، أو حتى شراء الإشتراكات في يوتيوب وعدد المشاهدات كونها تعطي تلك الصورة والتي تعمل لتحقيق الهدف المنشود، بغض النظر عن ماهية المحتوى وكيف أنك ستكتشف الخدعة في نهاية المطاف، لكن للوهلة الأولى سوف يشعر الناس تجاه تلك الحسابات بهذا الإحساس وربما وقع الكثير منهم في الفخ.

وِجدَ هذا القانون حيث بعض العلامات التجارية تعاني من انخفاض في المشتريات وانخفاض نسبة الولاء للعلامة التجارية. ببساطة، ندعوها بالعلامات التجارية “الأقل شعبية” والتي ليس فقط لديها عدد أقل من المشترين، ولكن أيضا عدد أقل من العملاء (المخلصين) مقارنة مع العلامات التجارية الشعبية الأخرى.

العلامة التجارية الشعبية هي العلامة التي تمتلك غالبية أسهم السوق ولديها عدد كبير من العملاء. ليست بالضرورة “أقدم” أو أكثر تقليدية من غيرها؛ بل يمكن أن تكون أي علامة تجارية، طالما أنها تهيمن على السوق.

في صناعة القهوة على سبيل المثال، شركة فولجرز Folgers هي أكبر علامة تجارية للقهوة مبيعًا في الولايات المتحدة، وتمتلك 22٪ من أسهم السوق تقريبًا. هذا يعني أن الكثير من الناس يفضلون شراء فولجرز عوضًا عن أي علامة تجارية أخرى، بالمقارنة، على سبيل المثال، مع شركة ميلستون Millstone، والتي تمتلك فقط حصة 2.24٪ من السوق. وفقًا لقانون المخاطرة المزدوجة، فإن فولجرز ليست فقط أكبر نسبة شراء، ولكن أيضا أكثر نسبة ولاء.

بعيدًا عن صرف ميزانيتك على الإعلانات

الأمر الآخر الذي لا يقل أهمية، بدلًا من التساؤل عن سبب عدم عودة زوار موقعك، أو عن عدم شراء الناس لمنتجك مرة أخرى، وبعيدًا عن صرف ميزانيتك على الإعلانات، قد يكون من الأجدى تحسين المحتوى أو المنتج الخاص بك، وإعادة تصميمه بالكامل، ووضع استراتيجيات جديدة، وهو جانب آخر من جوانب التسويق.

عندما تعطي للناس سببًا يعودون لأجله لشراء منتجك أو زيارة متجرك مرة أخرى و يمنحونك ولائهم وإخلاصهم، عندها كل شيء آخر سيأتي تباعًا.

التسويقالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية