خطأ سكورسيزي الذي يؤلمني الاعتراف به

تقع أحداث فلم «Killers of the Flower Moon» في بداية عشرينيات القرن الماضي، وهي قصة حقيقية وثَّقها كتاب يحمل العنوان نفسه.

لقطة من فلم «Killers of the Flower Moon» للمخرج مارتن سكورسيزي / Apple TV+
لقطة من فلم «Killers of the Flower Moon» للمخرج مارتن سكورسيزي / Apple TV+

خطأ سكورسيزي الذي يؤلمني الاعتراف به

محمود مهدي

هذه ثلاثة أسماء يعد وجود أي منها في أي فلم كفيلًا بلفت الأنظار إليه وجعله من أكثر الأفلام المنتظرة في عام صدوره. المخرج الكبير مارتن سكورسيزي صاحب السجل المبهر الذي يظل في أعلى درجات النشاط والحيوية في صناعة الأفلام وقبول التحديات، حتى بعد أن تخطى عامه الثمانين. 

النجم ليوناردو ديكابريو الحائز جائزة أوسكار كأفضل ممثل مرة واحدة، والمستحق لها مرات عدة. والنجم المخضرم روبرت دي نيرو الذي لا يمكن وصف اختياراته في السنوات الأخيرة بالجيدة، ولكن سيظل اسمه دائمًا من مرادفات تعبير «ممثل» في ذهن الكثيرين. وعندما يرتبط هذا الاسم بمخرج كبير ونجم لامع فهو بكل تأكيد يضيف كثيرًا إلى المشروع. والمشروع هو «Killers of the Flower Moon».

تقع أحداث فلم «Killers of the Flower Moon» في بداية عشرينيات القرن الماضي، وهي قصة حقيقية وثَّقها كتاب يحمل العنوان نفسه للكاتب ديفيد قران. تنطلق الأحداث مع توضيح للخلفية التاريخية لأبطال قصتنا، وهم مجتمع «الأوساج» من السكان الأصليين في القارة الأمريكية. فبعد معاناة تاريخية طويلة هُجِّروا إلى أرض قاحلة في ولاية أوكلاهوما، ولكن من سخرية القدر أنْ يُكتشَف النفط في تلك الأرض ويتحول أعضاء ذلك المجتمع إلى أغنى أغنياء العالم. 

ومع هذا الثراء الفاحش تأتي أطماع الرجل الأبيض، فيخترق كثيرون المجتمع المسالم للبدء في مخطط من مرحلتين: الأولى هي مصاهرة أصحاب الثورة عن طريق الزواج من نسائهم، والثانية قتلهم من أجل الاستيلاء على ثرواتهم بحكم الوراثة. 

مركز قصتنا هو «إرنست بركهارت» الذي يسافر لينضم إلى خاله ويليام «كنق هيل» في أرض «الأوساج»، ولينضم كذلك إلى مخطط الرجل الأبيض ضد أثرياء المدينة ويبدأ سريعًا استمالة «مولي» صاحبة الثروة الكبيرة. وينجح بالفعل في الزواج بها مطيعًا كل تعليمات خاله حتى يصل إلى المرحلة الثانية من مخططه. فهل سيقدم على قتل زوجته؟ وهل ستبقى كل تلك الجرائم بلا عقاب؟

فلمنا ملحمة تاريخية شديدة الدقة في نقل ما جاء في كتاب ديفيد قران، مع تركيز كبير في التناول الدرامي للنسيج الاجتماعي لأبطال قصتنا من أعضاء قبيلة «الأوساج» والدخلاء عليها من الطامعين والمجرمين الذين يرتقون داخل الأحداث ليصبحوا مركزها وأصحاب المنظور في سردها. نشاهد بشكل توثيقي شديد الإبداع كيف تكوَّن هذا المجتمع ووصل إلى تلك الدرجة من الثراء اللعين، وما نتج عن ذلك من صور تتناقض مع الشكل النمطي لأعضاء مجتمع منبوذ تصل بعضها إلى مستوى الطرائف. 

ثم ننتقل إلى القسم الأكبر من أحداث الفلم الذي يمتد ثلاث ساعات وعشرين دقيقة، لندخل بيت عائلة «مولي» وشقيقاتها اللواتي يشكلن المطمع الرئيس لبيت عائلة «ويليام هيل»، ونشاهد كيف تتجسد فصول الخطة الشيطانية عبر السنوات من خلال بشر حقيقيين. من المبهر مراقبة سكورسيزي وهو يتعامل مع تلك الأحداث التاريخية وينقلها من خلال الصفات والطبائع والقرارات البشرية لمسرح أحداث ملموس وساحة محاكمة لكل شخصية. 

تحت يد أي صانع أفلام آخر تتحول «مولي» وعائلتها إلى صور عابرة يغطيها غبار التاريخ، وينتقل التركيز إلى جوانب الجريمة: كيف وقعت؟ إلى أي حد تمادت؟ وكيف جرى التصدي لها؟ وفي واقع الأمر، أنا لا أستطيع أن أقرر أيهما أفضِّل!

بالعودة إلى الكتاب المأخوذة منه أحداث الفلم، نجد عنوانه الكامل «قتلة زهرة القمر: الجرائم ضد قبيلة الأوساج وولادة مكتب التحقيقات الفدرالي» (Killers of the Flower Moon: The Osage Murders and the Birth of the FBI). ويتضح من عنوان الكتاب أنه يوازن بين أهمية الأحداث التاريخية في هول الجرائم التي ارتكبت والحدث الأهم الذي نتج منها، أي تأسيس مكتب التحقيقات الفيدرالي. 

في البداية، عندما أُعلِن عن الفلم كان من المقرر أن يؤدي ديكابريو دور «توم وايت» رجل المباحث الفيدرالية الذي يصل ليحقق في الجرائم. ولكن في مراحل التطوير حدث تبادل للأدوار فأُسنِد دور «وايت» للممثل الرائع جيسي بلمنز واختار ديكابريو دور «بركهارت». وتبعت ذلك تغييرات كبيرة في سيناريو إريك روث لجعل «بركهارت» مركز الأحداث وصاحب المنظور في معظمها. 

التغيير جاء ليقرب الفلم أكثر من مدرسة سكورسيزي المهتم دائمًا باستعراض فساد المجتمع ودراسة عملية تطور الجريمة من الزوايا الجادة والفكاهية لدرجة إثارة الإعجاب بها في أعمال كثيرة، على أن يخصِّص قسمًا قصيرًا في نهاية أفلام مثل «The Wolf of Wall Street» أو «Goodfellas» أو «Casino» لفصل السقوط والمساءلة القانونية. وهذا، بكل تأكيد، ما آل إليه سيناريو فلم «Killers of the Flower Moon» في النهاية.

لا أحب أبدًا أن أقيِّم أي فلم بالمقارنة بما كان يجب أن يكون عليه في رأيي الشخصي. ولكن في هذه الحالة كان التغيير معلنًا، ومع كل أسف أجد نفسي ميالًا إليه. المجرمون والفاسدون في أفلام سكورسيزي السابق ذكرها كانوا شخصيات شديدة الجاذبية، حضورهم طاغٍ وذكاؤهم مبهر بإمكانيات استثنائية أدت إلى صعودهم السريع على درجات مجتمعهم وزمنهم وصولًا إلى سقوطهم المدوي، لكن مجرمنا الرئيس في أحداث «Killers of the Flower Moon» ليس كذلك. 

«إرنست بركهارت» شخصية منطفئة، لا يملك أي وهج أو حضور، ومخزون الأخلاقيات عنده لا يسمح بخلق صراع مع نوايا خاله الشريرة، ولا يقف في طريق تنفيذها على أفضل حال سوى حماقته الظاهرة.

تجسيد ديكابريو للشخصية مثالي، ولكني لا أرى أن أفضل استثمار لزمن الفلم أن نقضيه بصحبة تلك الشخصية؛ فكثير من مشاهدها مكررة ولم يرفع شأنها في تقديري الشخصي سوى الديناميكية والجاذبية المصاحبة لظهور شخصية «كنق هيل». Click To Tweet

خصوصًا مع تجسيد دينيرو لها، فيما أعدُّه الظهور الأفضل له منذ فلم «Heat» عام 1995 بلا أي مبالغة.

أجد نفسي في هذه الحالة مضطرًا إلى الموافقة على أن زمن الفلم أطول من اللازم، وأعيد التأكيد على أن دراسة مجتمع الأحداث واحترام أبعاده التاريخية والجغرافية يعدّان إنجازًا سينمائيًا أعاد إلينا أزمان السينما الذهبية، ولا يقترب منهما أي شيء شاهدناه قريبًا ولا من سكورسيزي نفسه. 

ولكني أعتقد بأن المنصة التي بناها كانت تَعِد بما هو أكثر وأفضل على مستوى الإيقاع وحدَّة الأحداث. حيث بدا لنا لوقت طويل، في أثناء المشاهدة، أننا أمام عملية انتهاك ممنهجة وواسعة النطاق لن يوقفها إلا معجزة. وبعد أن طالت أكثر من الاحتمال كدت أتمنى ألّا تحدث تلك المعجزة أبدًا؛ لأن هذا يعني أن الأحداث ستستمر مدَّة أطول، وهو ما أشعرني شخصيًا بالخجل؛ لأني لم أظن أبدًا أني قد أطلق هذا الاعتراف أمام فلم من أفلام سكورسيزي.

يبقى في النهاية الإقرار بصعوبة الإجابة أمام أسهل الأسئلة والذي أتلقاه دائمًا بعد مشاهدة أي فلم: هل يستحق «Killers of the Flower Moon» عناء المشاهدة السينمائية؟ 

الساعة الأولى من الأحداث تستحق بكل تأكيد المشاهدة والاستمتاع أمام أكبر شاشة عرض ممكنة، فهي الأغنى بصريًا وسمعيًا والأنشط على مستوى الإيقاع. ما يتبقى من الفلم يحمل أختام الإبداع الدرامي الصالح تمامًا للمشاهدة في المنزل عندما يصدر الفيلم على منصة «أبل تي في».

لذا أعتقد أن التقييم الأنسب للفلم هو 8 من 10، ولكن هذا التقييم لا يكفي للتعبير عن إحباطي لفرصه المهدرة. لذلك يستقر رأيي عند تقييم 7.5 من 10. 🍿🫤


اقتباس النشرة

فلم «Mass»
فلم «Mass»

أخبار سينمائية

  • عدد من نجوم هوليوود وقعوا رسالة موجهة إلى الرئيس بايدن لحثه على الضغط لإنهاء قصف غزة، من ضمنهم كيت بلانشيت وأوسكار آيزاك وخواكين فينكس.

  •  المخرج قييرمو دل تورو اختار أبطال فلمه الثالث مع نتفلكس «فرانكشتاين»: أوسكار آيزاك يؤدي دور «فرانكشتاين»، وآندرو قارفيلد «الطبيب»، وميا قوث «العروس».

  • المخرج كوينتن تارانتينو زار الجيش الصهيوني المحتل لدعمهم معنويًا في ظل الأحداث الحالية.

  • فلم «KILLERS OF THE FLOWER MOON» نجح في شباك التذاكر العالمي وجمع 44 مليون دولار.


توصيات سينمائية

هذه ليست المرة الوحيدة التي سطَعَ فيها ليوناردو دي كابريو

يواصل النجم ليوناردو دي كابريو طريقه في تقديم شخصيات معقدة مفعمة بالمشاعر سواء أكانت الكراهية أم الحب أم حتى الحزن. فمن المهم أن نعرف أن لديه أفلامًا قوية ومن الظلم أنه لم يكسب أي جائزة أوسكار عليها، ونال «أوسكارًا» واحدة فحسب عن فلم «The Revenant» والله يعافي «الدب» الذي بسببه نال أخيرًا الجائزة! 

Shutter Island (2010)

هذا الفلم ندم المخرج مارتن سكورسيزي على إخراجه رغم نجاحه الجماهيري، أكثر من ندمه على إخراج «The King of Comedy»! الفلم مقتبس من رواية ويحكي قصة محققين يتوجهان إلى جزيرة للتحقق من اختفاء نزيلة في سجن لمجانين ارتكبوا جرائم شنيعة وتحاول المؤسسة الإصلاحيَّة معالجتهم نفسيًا. 

هنا نرى ديكابريو يصل إلى قمة الجنون في الهلوسة وإظهار مشاعر الحزن والخوف والهوس، إلى درجة أنك «لازم» تتذكر مشهده المؤلم مع زوجته كل ما سمعت هذه الموسيقا. الفلم متوافر في «OSN».

The Departed (2006)

يظل مارتن سكورسيزي عاشقًا لأي نوع من عصابات المافيا. هذه المرة ترك المافيا الإيطالية وتفاصيل طعامهم وتوجه إلى المافيا الإيرلندية. هنا يجسد ديكابريو كيف تكون ذا شخصيتين، شرطيًا في الظاهر وفي الخفاء رجل عصابات (أو العكس🤔)، ويمر بأزمات نفسية منها نوبات هلع خوفًا على حياته. مع مرور الفلم تتضح عليه علامات الإرهاق والخوف ويزيد احتمال الكشف عن هويته. الفلم متوافر في «OSN».

روبرت دي نيرو «مخاوي» سكورسيزي من أوَّل العمر!

لا يخفى عن كثيرين أن روبرت دي نيرو من الممثلين الذين دعموا مسيرة المخرج مارتن سكورسيزي من البدايات، في أفلام ترجع إلى السبعينيات مثل «Mean Streets» والثمانينيات مثل «Raging Bull». وأبرز أفلام حرَّكت السينما بلمسات المخرج والممثل هي:

Taxi Driver (1976)

فلم يمثل الشخصية «الوحدانية»، حيث يعيش ترافيس «لحاله»، يشاهد الأفلام «لحاله». وظيفته أن ينقل غرباء عبر سيارته الأجرة، ويعيش أرقًا مزمنًا غير طبيعي، وتصطدم محاولته الارتباط بعوائق تفقده عقله. يعطينا سكورسيزي، بطريقة تصويره للشوارع الليلية وقذارتها، فرصة نسمع فيها أفكار البطل وكيف يحاول أن يغير العالم الذي حوله إلى عالم أفضل.

الفلم مرّ بمشكلات كثيرة قبل بدء تصويره واستمرت «للأخير»، وجملة دينيرو الأيقونية عندما يشاهد نفسه في المرآة «Are you talking to me» ارتجالية من خارج النص؛ لأنَّ سكورسيزي طلب منه أن يقول أي شيء حتى «يخلِّص» تصوير الفلم بعد ما «تعب من كثرة المشاكل»! الفلم متوافر في نتفلكس.

Goodfellas (1990)

أشهر أفلام العصابات المتداولة في السينما منذ التسعينيات، وأتقن فيه سكورسيزي طريقة سرد القصة عبر استخدام «التسجيل الصوتي»، وأصبح القالب الذي رأيناه يتكرر عدة مرات في فلمي «Casino» و«The Irishman». روبرت دي نيرو ليس البطل المحوري، لكن كان عنصرًا مؤثرًا في مسار الشخصية الرئيسة التي يؤديها روي ليوتا، و«غطَّى عليها» من حيث الأداء، وترَك بصمة في مشهد تكسير الهاتف والسيجارة الشهيرة.

حاول سكورسيزي في هذا الفلم العودة إلى قصة فلمه الأول مع دينيرو «Mean Streets»، لكن من منظور رجل أكثر حكمة وأكبر سنًّا. الفلم متوافر في «أبل تي في».


ميم النشرة


يعرض الآن

في السينما فلم الإثارة والمغامرات «Freelance» بطولة جون سينا وأليسون بري وأليس إيف. ضابط سابق في القوات الخاصة يُكلَّف بمهمة حماية صحافية في أثناء إجراء مقابلة مع ديكتاتور، لكن يقع انقلاب عسكري يطيح به مما يضطرهم للهرب إلى الغابة وخوض مغامرات عدة للبقاء على قيد الحياة.

VOX / IMDB

في السينما فلم الجريمة والغموض الفرنسي «Anatomy of a Fall» بطولة ساندرا هولر وسوان آرلود. تقع جريمة قتل ويُشتبه في زوجة القتيل، ويواجه ابنها الأعمى معضلة أخلاقية بصفته الشاهد الوحيد على الجريمة.

VOX / IMDB

في السينما فلم الفانتازيا والإثارة «عبد» بطولة خیریة أبو لبن ومحمد علي وزياد العمري. يواجه رجل وزوجته غضب المجتمع بسبب فلم، فيقرر السفر عبر الزمن من أجل تعديل هذا الخطأ.

VOX / IMDB

في السينما فلم الغرب الأمريكي «Butcher's Crossing» بطولة نيكولاس كيج وراشيل كيلر وزاندر بيركلي. يحكي الفلم قصة طالب يتخلى عن دراسته في جامعة مرموقة ويسافر إلى كولورادو لكي يلتحق بفريق من صيادي الجاموس، في رحلة تعرض صحته العقلية وحياته للخطر.

VOX / IMDB

في نتفلكس المسلسل الوثائقي «Life on Our Planet» إخراج ستيفن سبيلبرق وتعليق مورقان فريمان. ينطلق الوثائقي في رحلة مذهلة للتعرف على ملحمة الحياة على الأرض الممتدة منذ أربعة مليارات عام.

NETFLIX / IMDB

السينمامراجعات الأفلام
النشرة السينمائيةالنشرة السينمائيةمقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.