كيف كشفت ماريا بوبوفا ضعف المدوّنات العربية؟

في ثقافة القراءة لدينا لا تزال تطغى ممارسة قراءة الكتاب في ملف «بي دي إف» مقرصن، فإن كنّا لا ندفع ثمن الكتاب، هل سندفع ثمن المقالة؟ 

من منَّا لا يحب ماريا بوبوفا؟ تحديدًا نحن معشر القراء والكتّاب ومحبي المدونات. كلنا نحبها وكلنا قرأنا مقالات من مدونتها الصفراء الساطعة برسوماتها الزاهية حول رحلتها في البحث عن المعنى من خلال قراءة الكتب وإعمال العقل النقدي والجمع بين المعارف العلمية والفلسفية والأدبية والرسائل، فتخط لنا مقالة شعريَّة في حكمتها وفلسفتها الإنسانيَّة وإيجابيتها. 

لكن ماريا بوبوفا، في الثالث عشر من أكتوبر، نشرت مقالة ضمن تغريدة تدعم فيها الكيان الإسرائيلي المحتل، واضعةً هذا الدعم في قالب مقال «تنويري أصفر ساطع» عن صلابة الإنسانية والخير والشجاعة في وجه «الأشياء الشريرة» التي وإن هزمناها مرة ومرتين وثلاث لا تموت. 

وشاءت الصدف أنَّ في وقت متأخر من اليوم ذاته تصلني رسالة الاستقطاع الشهرية من بطاقتي الائتمانية (5 دولارات) عقبتها رنَّة الإيميل الإلكتروني التلقائي من ماريا بوبوفا شاكرةً إياي على تبرعي الشهري لمدونتها المجانيَّة. 

بوبوفا ليست المدوّنة الوحيدة التي تتلقى مالًا مني، ثمة مدونون آخرون في منصة سبستاك يصلهم الاستقطاع الشهري، ودومًا أدفع الخيار الأرخص بأقل المميزات لأني قد لا أقرأ كل المقالات، لكن أشعر بأنَّ مجرد الاستفادة من عدد من مقالاتهم يبرر هذا الدفع. العامل المشترك بين كل هؤلاء المدونين أنهم أمريكيون، والعامل الثاني المشترك بينهم التزامهم بالإنتاج والكتابة بنوعية عالية. 

المدونة الوحيدة المتخصصة بمحتوى عربي التي دفعت مقابل محتواها هي دورية «Arablit» الأدبية، مجلة ربع سنوية تنشر الأدب العربي المترجَم إلى الإنقليزية بكل فئاته، ورئيسة تحريرها ومؤسستها مارشا كوايلي، أمريكية الجنسية. وتتضمن الدورية مدونة أسبوعيَّة غنيَّة. لأكثر من عامين كنت مشتركة في الدورية ضمن برنامج (Patreon) بمبلغ دولارين شهريًّا. وشهدت كيف بدأت الدورية كمدونة تعمل عليها كوايلي إلى منصة يعمل فيها فريق متكامل. 

مع ذلك، رغم «عروبية» محتواها، لا أستطيع تصنيف «Arablit» مدونة عربيَّة. ووجدت نفسي أتساءل لماذا لا يوجد مدوّن عربي واحد يستلم استقطاعًا شهريًّا منّي؟

لا أتذكر أنَّ أحدًا من المدونين العرب الذين أعرفهم طلب دعمًا ماليًّا لمدونته، سواء من خلال برنامج الرعاية (Patreon) أو من خلال استقطاع من البطاقة الائتمانية. وأظن أنَّ السبب في ذلك يعود إلى نوعية المحتوى نفسه والذي يغلب عليه طابع الخواطر، ولا يتبيَّن فيها جهد كبير. 

لكني أعرف مدونين عربًا مقالاتهم مذهلة وإنتاجهم غزير ورغم ذلك لا يطلبون دعم القارئ ويتيحون القراءة بالمجّان، ربما لأنَّ فكرة أن يدعم القارئ العربي ماليًّا المدوّن مقابل قراءة مقالاته ليست بالفكرة الرائجة. ففي ثقافة القراءة لدينا لا تزال تطغى ممارسة قراءة الكتاب في ملف «بي دي إف» مقرصن، فإن كنّا لا ندفع ثمن الكتاب، هل سندفع ثمن المقالة؟ 

وأيضًا هناك عنصر الاستمرارية، فالقلة تتعامل مع مدوناتها على أنها مشروع حقيقي وليس كتابة جانبية. وقد يعود عدم الالتزام إلى الانشغال في الوظيفة أو المسؤوليات الأسرية، وقد يعود إلى اعتبار المدوّن مدونته وسيلة تزجية ومشاركة عرضية في فترة تكون أسبوعية وأخرى شهرية، وأخرى تمضي شهور دونما نشر. 

يوم الاثنين القادم، في الثالث والعشرين من أكتوبر، تحتفل ماريا بوبوفا بمرور 17 سنة على مدونتها التي ابتدأت كنشرة بريدية إلى سبعة مشتركين من أصدقائها، ولو طبعتْ كل ما كتبته على موقعها لتجاوز ستة ملايين صفحة، قرأها ملايين القرّاء حول العالم. وكما تقول في تعريفها، هي تنفق آلاف الساعات وآلاف الدولارات شهريًّا وتكرِّس يومها بالكامل لكي تُبقي على مدونتها مستمرة بفضل دعم قرّائها. 

فإذا أردنا مدونات عربية قوية مثل مدونة ماريا بوبوفا و«Arablit» فنحن نحتاج إلى مدونين مستعدين لهذا الإنفاق، وإلى قراء مستعدين لهذا الدعم. أما ماريا بوبوفا، فقد نقص دعمها الشهريّ خمسة دولارات.

الإنسانالكتابةالمالالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+360 متابع في آخر 7 أيام