ذ أوفيس وتك توك يعززان مجتمع النميمة
مجتمع نميمة العمل الإلكتروني يجعلنا كموظفين قادرين على استغلال المساحة الرقمية التي توفرها تك توك لتشارك هموم العمل اليومية مع أي شخص.
مثل أغلبية الموظفين حول العالم، تابعت مسلسل «ذ أوفيس» في نسخته الأمريكية، وكنتُ أجد في سخريته من تفاعل الشخصيات المختلفة وديناميكيات السُلطة في بيئة العمل جزءًا من عبقرية المسلسل. لذلك عندما انتشر «ميمز مايكل سكوت» على تك توك في أحد حواراته الشهيرة للتعبير عن ضغط العمل شاركت المقطع مع زملائي المقربين الذين سيفهمون على الفور ما أقصد ومن أقصد، ليصبح تبادل الميمز طقسًا من طقوس النميمة لدينا.
وأتصوَّر أن لكلٍّ منا في بيئة العمل شخصيته المفضلة في «ميمز تك توك» التي تحاكي موضوعه الأثير في النميمة، مثلًا: أحدهم يفضل استخدام لا مبالاة «كيليان ميرفي» للتعبير عن الرفض البارد لما يُقال أو غضب «والتر وايت» للتعبير عن سرقة المجهود الشخصي ونسبه للمدير، أو حتى غموض «مستر بين» ليعبر عن تعليقات المدير في جلسات التقييم السنوي.
بعض صنّاع المحتوى في تك توك صنعوا نسخهم الخاصة من كوميديا بيئة العمل على شكل «اسكتشات» قصيرة من إخراجهم وتصويرهم مع إضافة موسيقا تصويرية وعبارات ساخرة. فهناك مقطع يعبر عن القلق المصاحب للإطالة في استراحة الغداء والذعر من تفويت الاجتماعات الافتراضية وحماسة الأشهر الأولى بالوظيفة وعدم الرغبة في فتح الكاميرا وقت الاجتماعات والمزيد تحت وسم (Worktok#) الذي حصد ملياري مشاهدة على التطبيق.
وبالرغم من أن المستخدمين يدركون أن أحد أخطار رفع مقاطع النميمة على منصة متاحة للجميع هو إمكانية وصول صاحب العمل إليها، فإنه في أسوأ الأحوال حتى إن شاهدها فليس بوسعه أن يفعل شيئًا. بل قد يشترك المدير في النميمة ويرفع مقطعًا ليتحدث عن استيائه من أنواع المرؤوسين الذين يتعامل معهم أو يعبر عن معاناته كمدير جديد أو يقدم نصائح عن كيفية إدارة فريق عمل؛ لأن (Worktok#) بالنهاية يعرض مشاكلنا المشتركة كنميمة ساخرة أمام مجتمع الموظفين الملياري في تك توك.
مجتمعات النميمة ليست بالأمر المستحدث، فهي ملازمة لبيئات الأعمال منذ تكونها وارتبطت أكثر بالمحادثات الجانبية في استراحة غداء الموظفين أو في ممرات المكاتب. أما اليوم فهي تأخذ طابعًا أسرع بمساعدة عناصر جديدة مثل «الميمز» تتكلم بلسان حال الموظف الذي يعاني بصمت من الساعات الطويلة أو العمل من المكتب أو الاجتماعات الكثيرة أو العمل بعد ساعات الدوام الرسمية، فصار يجد في النميمة مع الآخرين فرصة للتنفيس والتعبير عن كل تلك الضغوطات.
يقول الأخصائي النفسي سكوت ليونز في كتابه «إدمان الدراما» (Addicted to Drama):
«يتوق الناس إلى النميمة لأنها تعزز الشعور بالانتماء إلى الدائرة الداخلية التي من المفترض أنها خاصة ولا يشارك فيها الجميع، فيشعرون بالأهمية لوجودهم فيها، بالأخص عندما يتعرضون للظلم من مسؤوليهم، فتغدو النميمة الطريقة التي قد يلجؤون إليها للشعور بالانتصار والقوة».
كلما أفكر في الموضوع أكثر أجد أن مجتمع نميمة العمل الإلكتروني يجعلنا كموظفين قادرين على استغلال المساحة الرقمية التي توفرها تك توك لتشارك هموم العمل اليومية مع أي شخص من أي مكان حول العالم ونسخر منها معًا، بينما في السابق كنا محصورين بالحديث عنها سرًا في المكاتب، حيث لا يمكن لأحد الاطلاع على ما نقوله إلا «دائرتنا الداخلية».
أصبح الأمر أشبه بوجودنا جميعًا في مكتب «مايكل سكوت»، ويكفينا أن نتبادل «الميمز» الساخرة بدل النظرات لكي نسخر من مديرنا دون علمه، أو حتى بعلمه.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.