إمبراطوريات لا تغيب الشمس عنها
نالت بريطانيا بقوتها العسكرية لقب «الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس»، لكننا نعاصر إمبراطوريّات بقوى ناعمة تفوق برقعتها بريطانيا
لقد لقبت بريطانيا يوما ما في أزمنتها الاستعمارية بـ”الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس”.
هذه جملة ذات إنشاء أدبي عالٍ، وهي تعبر عن امتداد الإمبراطورية البريطانية من الهند شرقًا حتى القارة الأميريكية غربًا. فهي فعلاً إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، لطول مستعمراتها، والتي بدأت بشركة. شركة الهند الشرقية التي كانت أداة للاستعمار واحدة من أكبر دول الشرق، إلا أن كل الأشياء بنهاية المطاف مصيرها أن تتقلب وأن تتغير فيها الأدوار، فبعد أن كانت الدول لاعبًا رئيسًا في الساحة، ظهرت إمبراطوريات لا تغيب عنها الشمس بحق. يراها البعض أنها استعمارًا ناعمًا، لعبورها القارات وتهديدها لسيادة الدول، الشركات العابرة للقارات، ومتعددة الجنسيات، التي أصبحت في حجمها أكبر من دول، وحتى أن عدد موظفيها نستطيع مقارنته بالتعدادات السكانية.
Google العظيمة هي شركة تابعة لإمبراطورية أكبر في نهاية المطاف
إمبراطوريات عظمى، ناعمة وخفية، ربما لم تسمع بها سابقًا. غالبًا، كل تلك الشركات الكبرى التي تحكم عالمنا، تحكمه في الخفاء فأنت بالتأكيد قد سمعت بـ Google، لكنك لم تسمع غالبًا بـ Alphabet القابضة عليها. وهي الشركة صاحبة أعلى قيمة سوقية تصل إلى 535 مليار دولار! ومع أن Google استحوذت على أكثر من 200 شركة، من ضمنها YouTube التي استحوذت عليها بقيمة مليار و650 دولار أميركي. إلا أنّ Google العظيمة هي شركة تابعة لإمبراطورية أكبر في نهاية المطاف!
وهذا يجعلنا نتساءل عن حجم ما تعرفه عنّا هذه الشركات، وعن عالمنا الذي تشكله وتصيغ سياسته كما يتفق مع مصالحها، التي لن توافق مصالحنا في أكثر الأحوال. في الكفة الأخرى، شركات مثل Shell تستحوذ على مئات الشركات النفطية وتسيطر على قطاعات اقتصادية بأكملها، وتضع الحكومات في موقع حرج لتغلغلها وحجمها الذي يفوق دول بحد ذاتها.
راجت في السبعينات مفاهيم التسليم بقوة الشركات، التي روج لها أستاذ هارفرد “ريموند فيرنن” في كتابه السيادة في خطر:
“إن زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول والتقدم التقني في الاتصالات والمواصلات يجعل فكرة تنظيم المجتمع الدولي في وحدات سياسية صغيرة ومحدودة (دول) غير ممكنة. لذا فمن أجل منفعة المجتمع الدولي ككل والرفاهية الاقتصادية للسكان، يجب أن تنتهي سيطرة الدولة تدريجيًا ويحل محلها سيطرة الشركات العالمية والمؤسسات الدولية التي أصبحت ملائمة لاشباع الحاجات الانسانية”.
ويوافقه هاري جونسون بقوله:
“لكن في المدى البعيد القوى الاقتصادية يحتمل أن تسيطر على القوى السياسية، وفي النهاية حكومة فدرالية عالمية ستظهر على أنها الطريقة العقلانية لمواجهة مشاكل العالم الاقتصادية”.
أدركت الحكومات التحدي الذي تقوم به الشركات العالمية ولجأت إلى التكتل في مواجهة سيل الشركات الجارف، بانضمامها إلى تكتلات اقتصادية دولية. كما ظهرت محاولات تنشط التأميم، وقامت الحكومات بتنحية الشركة في الصناعات المهمة عن مكان صنع القرار والانتاج والاسعار، لتكون منفذة فقط مثل الشركات النفطية، أو تركز على الاستغناء عنها كليا خوفا على سيادتها.
إنّنا الحلقة الأضعف في هذه المسألة، فبحكم طبيعة سلطة الدولة ونفوذ الشركات لم يعد لدينا ذلك المتسع حقًا. هذه الشركات تمتلك معلوماتك، تستطيع تحليل كل شيء متعلق بك، وأنت تقريبًا في قبضتها تستطيع بيعك على أي دولة دون أن يطالها شيء. حسين درخشان المدون الإيراني الذي كان معتقلاً منذ 2008 حتى 2014 بسبب مدونته، وإذ رأى واقع الإنترنت الحديث الذي تسيطر عليه الشركات كفيسبوك وتويتر،وما تفعله بالحريات توصّل إلى أن: “النتيجة الأكثر رعبا لمركزة المعلومات في عصر الشبكات الاجتماعية هو شيء آخر: جعلنا أضعف أمام الدول والشركات، إن الرقابة تُفرض شيئًا فشيئًا على الحياة المدنية، والأمر يسوء مع مرور الزمن. الطريقة الوحيدة للبقاء خارج جهاز المراقبة الكبير هذا قد يكون في الذهاب إلى كهف والنوم فيه، حتى إن لم تستطع أن تنام 300 عام”.