العلم شمس!

العام الدراسي يبدأ ودرجات الحرارة لا تزال فوق الأربعين، ومع هذا فإني لن أقترح أن تتفاوت أوقات بدء العام الدراسي بين طلاب المراحل الدراسية.

لا أخفيكم أنني سعيدٌ بانتهاء الإجازة وعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة لأسباب تخصني ولا تخص الطلاب ولا المعلمين ولا وزارة التعليم. سعيدٌ لأن عودة الدراسة تعني مساعدتي على إعادة تنظيم الوقت بشكل أفضل، سواء وقتي أو وقت أبنائي الذين يذهبون إلى المدرسة كل صباح. ولا أخفيكم أيضًا أني للأسباب ذاتها أتمنى أن يستمر اليوم الدراسي حتى الخامسة مساءً. 

وأرجو ألّا يهاجمني أحد بسبب هذه الأمنيات، لعدة أسباب أولها وأهمها أن أمنياتي لا تتحقق، وثانيها أن الوزارة لا تلتفت إلى أي اقتراح يقوله الناس، فهي غير مهتمة حتى بآراء المعلمين والطلاب الذين هم عصب ولب العملية التعليمية. لذلك فإن من العبث أن تغضب من اقتراح يقدمه شخص خارج هذه المنظومة. 

صحيح أن العام الدراسي يبدأ ودرجات الحرارة لا تزال فوق الأربعين، ومع هذا فإني لن أقترح أن تتفاوت أوقات بدء العام الدراسي بين طلاب المراحل الدراسية، فيبدأ طلاب المرحلة الابتدائية وما قبلها مثلًا بعد فترة من بدء دوام طلاب الثانوية، بحجة أنه ليس من المنطق أن يذهب طالب الابتدائي أو المتوسط إلى المدرسة في بعض المناطق ودرجات الحرارة يمكن استخدامها للطبخ؛ لأنه يوجد طلاب صغار في مناطق أخرى لا يعانون من هذه المشكلة. وحجتي ضعيفة لأن بعض مناطق المملكة تعيش في أجواء معتدلة وباردة، والطقس الصالح للذهاب إلى المدرسة فرض كفاية إن وجد في منطقة سقط عن باقي المناطق. 

وقد بحثت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لأجد دليلًا على أنه يجب أن يكون التقويم المدرسي موحدًا في مناطق المملكة كافة ولم أجد، ولم أجد كذلك دليلًا على أن أوقات الدوام في جميع مناطق المدرسة يجب أن تبدأ في الساعة نفسها. وسبب بحثي عن أدلة على هذه الأمور أني وجدت أن السؤال عنها يبدو كأنه سؤال مخرج من الملة، فعزوت ذلك إلى جهلي وأيقنت أنه والحال هذه لا بد من وجود دليل على أن التقويم المدرسي الموحد ركن من أركان الإسلام أو على أقل تقدير فإن عدم فعله معصية وذنب كبير لا يكفّره إلا التوبة ونطق الشهادة ودخول الإسلام من جديد. 

الوزارة مقدرةً ومشكورة تشرف على قطاع التعليم في دولة أشبه بالقارة، لكن مشكلتها الوحيدة أنها تتعامل مع هذا الوضع كأنها وزارة تعليم في مدينة واحدة؛ فحين ينطلق طالب من منزله في السادسة صباحًا فإنه في مدينة يخرج وقد استقرت الشمس في كبد السماء. وفي مدينة أخرى «بيكون الضو بعد شي عم يطلع»، أو كما قالت السيدة فيروز. وفي مدينة ثالثة فإنه يخرج بكشّاف يتحسس طريقة المظلم.

Giphy 99
شكّاك / Giphy

أعترف أني أشكك دائمًا في آرائي وأعزو امتعاضي من بعض الأمور إلى أني لا أعرف الحقيقة كاملة، وأقول إني ربما لو عرفتها لاطمأنت نفسي وسكت عني امتعاضي، أو إني أنظر إلى الأمر من زاوية غير صحيحة، وهذا ما أقنعت به نفسي وأنا أجاهدها للاقتناع بفكرة الفصول الدراسية الثلاثة على سبيل المثال، لكن المؤسف أنه حتى كتابة هذه التدوينة لم أقابل معلمًا أو طالبًا أو ولي أمر طالب يؤمن بأن نظام الفصول الدراسية الثلاثة أكثر فائدة تعليمية للطالب. ثم وسوست لي نفسي الأمارة بالسوء بأنه ربما لأن اسم الوزارة «وزارة التعليم» فقد كان لها من اسمها نصيب، فهي تعلم ما لا يعلمه غيرها؛ ولأن مهمتها التعليم فهي تؤمن بأنه لا يليق بها أن تتعلم من أحد.

وقد وجدت الوزارة نفسها صعوبة في تقبل الطلاب للعام الدراسي الطويل جدًا، فلجأت إلى فرض عقوبات على من تسول له نفسه أن يتغيب عن الدراسة، وهذا أمر لا خلاف عليه، لكن المشكلة الأزلية أن مسؤولي التعليم على يقين بأن المذنب وسبب هذه المشكلة هو الطالب دائمًا. لا أحد غيره يتحمل مسؤولية أن تكون المدرسة مملة وغير جاذبة ولا مغرية بالذهاب إليها. 

وكنت -وفقني الله- قد اقترحت في مكان آخر أن تكون مدة الفصل الثالث عشرة أسابيع مخصصة فقط للمهارات الحياتية والأنشطة الرياضية والفعاليات غير الدراسية، على أن تحسب درجات هذا الفصل في معدل الطالب العام ويكون معيار تقييم درجات هذا الفصل هو الحضور فقط. وتكون المواد الدراسية الأساسية في الفصلين الدراسيين الأول والثاني؛ وهذا يحقق رغبة الوزارة في استمرار الفصول الدراسية الثلاثة، ويحقق رغبة بقية الخلق في التخلي عن التمطيط والحشو الممل وغير المبرر من أجل تقسيم منهاج الدراسة على ثلاثة فصول.

أنا أقترح هذا الاقتراح من باب التفكير بصوت مقروء ليس إلا، لأني مؤمن، كما تعلمون، بأن الوزارة تعيش حالة من الرومانسية المفرطة مع نفسها. وبما أن الاقتراحات بالمجان وفي هذا السياق فعليّ أقترح أمرًا إضافيًا هو أن تضيف الوزارة إلى شعارها عبارة «مالي ومال الناس»، بعد أن يستأذنوا فنان العرب بالطبع، وأنا على ثقة بأنه لن يمانع في ذلك، ولكن في حال رفضه فلا بأس من وضع شعار آخر، يمكنهم مثلًا وضع عبارة «كلام النّاس لا بيقدّم ولا يأخّر، كلام النّاس ملامة وغيرة مش أكتر»، ولا حاجة إلى استئذان جورج وسوف.

الدراسةالسعوديةالمجتمعالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!