بثوث تِك توك نافذة على الانحطاط البشري

السر الذي كشفته الخوارزميَّات أنَّ لدى بعض البشر استعدادًا للحط من قيمة نفسه والتجرُّد من أخلاقه أو كرامته لزيادة التفاعل مقابل المال.

في نشرة أها! من ثمانية

منذ اليوم الذي قررت أن أبحث فيه عن هذا الموضوع حتى اللحظة لم أعرف من أين أبدأ لكثرة الجوانب الغريبة فيه. فكلما بحثت أكثر وجدت أشياءً مقززة أو غريبة أو خطرة، بمعنى الكلمة، أو شاذة عن الفطرة السليمة، أي صفة من تلك الصفات على الأغلب ستتناسب وبثوث تِك توك.

وعلى رغم استخدامي منصات التواصل الاجتماعي منذ ما يزيد على أربع عشرة سنة إلا أنني لم أرَ ولا مِعشار ما رأيته في جلسة واحدة على بثوث تك توك المباشرة.

فما الحافز الذي يجعل شابة في مُقتبل العمر تُظهر نفسها على هيئة جنيَّة من عالم ألعاب الفيديو كي تقتات على ما يقدّم لها أثناء البث؟ هل هو الحافز نفسه الذي يجعل اثنين يستمرّان في الرقص 36 ساعة من أجل الحصول على غنائم البث؟ وهل هو ذاته الحافز الذي يجعل شابًا يتطاير فرحًا بعد أن حصل على غنيمة الأسد في النهاية؟

(بالمناسبة، الأمثلة التي أشرتُ إليها سابقًا تعد بريئة، نوعًا ما، مقارنة مع ما يدور على كثير من «لايفات تِك توك» من تنمّر على الأطفال واستغلالهم وتعريضهم لإيحاءات جنسية وأشياء أحتار في وصفها.)

بحسب سياسة تِك توك، تُعطى مجوهرات (Diamonds) لكل صانِع محتوى على المنصة، وتشير إلى مدى شعبية هذا الحساب. فكلما زادت مجوهراتك زادت شعبيتك. ويمكنك زيادة هذه المجوهرات من طريق استقبال هدايا خلال البث المباشر الذي تصنعه. وفي النهاية يمكنك استبدال أموال حقيقية أو هدايا افتراضية بهذه المجوهرات. إذن هو المال! الحافز الأقدم في التاريخ. 

ولكن توجد حوافز مالية على المنصات الأخرى كيوتيوب الذي يشارك 55% من أرباح الإعلانات صانعي المحتوى على المنصة. فلماذا لا نرى هذه الغرابة على يوتيوب؟

بعد قضاء وقت طويل على منصتي يوتيوب وتِك توك، يتضح لي التباين الكبير بين خوارزميات المنصتين ونوعية المحتوى الذي تدفعه كل خوارزمية. صحيح أن ثمة رقابة في المنصتين، ولكن الرقابة في تِك توك مشكوكٌ في أمرها على أحسن تقدير.

يوتيوب «يلعب على المضمون» بدفع المحتوى المشابه للذي استهلكته من قبل بشكل أساسي، وكذلك المحتوى الذي أُنتج بجودة عالية. أما تِك توك، فمن عشوائيته لا يمكنك أن تقبض على شيء. وبالطبع هذه العشوائية تدفع «لايفات تِك توك» إليك لتتفاعل معها. أذكر مرة أنني لم أستخدم تِك توك عدة أيام، فبدأت تظهر لي إشعارات عشوائية بأسلوب رخيص من قبيل «بعد ما صرت زوجته» أو «أحب واحد متزوّج»، في محاولة مستميتة لاسترداد انتباهي إلى التطبيق.

يمكنني أن أشبّه خوارزميات تِك توك بالرشاش الذي يطلق الرصاصات في كل مكان على أمل أن تصيب اثنتان منها أو ثلاث الهدف. ولا أُريد تبرئة يوتيوب هنا وتنزيهه عن الفيديوهات الغريبة. 

لا أدّعي هنا أنني في هذه الجولة اكتشفت أسرار خوارزميات المنصتين، فأصحاب الملايين عليهما لم يكتشفوا ذلك أيضًا. لكن أخشى أنَّ السر الذي كشفته هذه الخوارزميَّات (التي انتقلت عدواها إلى منصة «إكس» مع إعلان مشاركة إيرادات الإعلانات وما سنشهده من تسارع في انحدار المحتوى هناك) أنَّ لدى بعض البشر استعدادًا للحط من قيمة نفسه والتجرُّد من أخلاقه أو كرامته لزيادة التفاعل مقابل المال، ولدى البعض الآخر الاستعداد لمشاهدة هذا الانحطاط والاستمتاع به «لايف».

الإنسانالشهرةالمالتك توكالرأي
نشرة أها!نشرة أها!نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.