إنهم كانوا قبل ذلك مترفين!
هذه الأندية المترفة المدللة تعودت على الدلال والترف حتى فسدت وأصبحت هي وجماهيرها تؤمن يقينًا بأن من حقهم أخذ كل شيء.
لا صوت يعلو على صوت معركة التعاقدات مع النجوم العالميين في كرة القدم، والحقيقة التي أعرفها أني لا أعرف الحقيقة، ولا كيف تتم هذه التعاقدات ولا المعايير التي يتبعها المفاوضون ولا المسطرة التي يقيسون بها الأشياء. وعدم معرفة الحقيقة لا يعني بالضرورة أنها سيئة. كل ما في الأمر أنها غائبة عني على الأقل.
الآلية الحالية تزيد الأثرياء ثراءً وتزيد الفقراء فقرًا. أو هذا ما يبدو لي على الأقل. وما أفهمه أن الحصول على دوريّ قوي يعني توسيع قاعدة المنافسة وزيادة الاهتمام الجماهيري. هناك أربعة أندية حباها الله قدرة فائقة على الصراخ، وهذه الأندية حسب جماهيرها وإعلامها لها جماهير حتى في المجرات التي تسبح في الفضاء بجانب مجرتنا الأم. ولكنها، أو معظمها، فشلت فشلًا ذريعًا مريعًا في الاستفادة من هذه الجماهير في التسويق والاستفادة المادية التي تغنيها عن التسول السنوي للمطالبات المالية وتسديد الديون.
ولذلك سيبدو منطقيًا أكثر لو ذهبت الأسماء العالمية الجاذبة للجماهير إلى الأندية الأقل جماهيرًا، لتوسيع قاعدة جماهير هذه الأندية وجذب مزيد من الصخب الجماهيري والإعلامي إلى المنافسات السعودية. أما الأندية الأكثر جماهيرَ فهي منطقيًا ليست بحاجة مزيد من الجماهير، فكل ناد من هذه الأندية يقول إنه أكثر جمهورًا وشعارهم:
مَـلأْنَا البَـرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّـا
وَظَهرَ البَحْـرِ نَمْلَـؤُهُ سفينا.
ولكن حين يقال لهم: اعتمدوا على جماهيركم التي تسد عين الشمس فإن إعلام المشجعين التابع لكل ناد من هؤلاء ينتشر في وسائل الإعلام ليحدث الناس عن ظروفهم الصعبة وأنهم مساكين ويستحقون الشفقة وأن يتصدق عليهم المحسنون بلاعب عالمي أو اثنين. وأن صدقة قليلة تدفع الكثير من البلاء!
أتخيل مثلا لو ذهب رونالدو وبنزيما وفيرمينهو لنادي الرياض، وكيف ستكون الجماهير في المباريات التي يكون طرفًا فيها، بينما ذهابهم لأندية لديها جماهير بالفعل لا يعني أي شيء، فالذين يتابعون أخبار النجوم العالمين من خارج الحدود لا يفرق معهم اسم النادي، ولو تعاقد نادي الزيتون من سبت العلايا مع رونالدو لرأينا قمصان النادي تباع في كل أصقاع المعمورة. ولسمعنا اسمه يتردد على ألسنة الصغار والكبار في ملاوي وهندوراس وليختنشتاين وتنزانيا.
والأمر لم يتوقف على دعم هذه الأندية في الحصول على نجوم عالميين، بل إنها تُدعم لتأخذ اللاعبين المحليين من الأندية الأقل «دلالًا»، تلك الأندية التي لا حول لها ولا قوة، وحين يقال مثل هذا الكلام فإن الرد التلقائي لجماهير هذه الأندية وإعلامها هو أن هذا يحدث في كل العالم، فهناك أندية تصنع النجوم وأندية تشتريها، وهذا صحيح مع فرق بسيط هو أن الأندية التي تشتري في كل الكوكب تفعل ذلك من مواردها الخاصة ووفق قواعد اللعب المالي النظيف، أما الأندية التي تصرف ما في الجيب ليأتيها ما في الغيب فلا علاقة لها بالموضوع.
هذه الأندية المترفة المدللة تعودت على الدلال والترف حتى فسدت وأصبحت هي وجماهيرها تؤمن يقينًا بأن من حقهم أخذ كل شيء. وأخذ كل شيء مقبول لو كانت هذه الأندية تعتمد على نفسها وتدير شؤونها ولديها كفاءة إنفاق عالية تساعدها على شراء ما تريد. الأندية التي تفعل هذا في العالم تعتمد على مواردها. أما هؤلاء المدللون المترفون فإنهم أشبه بالابن الكسول المدلل الذي تعوّد الحصول على كل شيء دون أن يبذل أي جهد. وغالبًا حين تُترك لتدير شؤونها دون تدخل فإن الأمر ينتهي بها في أروقة المحاكم. ولن أستغرب لو وجدت أن هذه الأندية تطالب بأن يكون لها نصيب من تبرعات منصة «إحسان» أو أن تتعاقد مع نجوم عالميين من طريق منصة «فُرجت».
وزاد طغيان هذه الأندية مع بداية ما يسمى الاحتراف، الذي كان احترافًا أعرج يسير على قدم واحدة، فكل الذي تغير أن اللاعب صار يلعب بعقد ولا يمارس مهنة أخرى، لكن دون ميزانيات ولا حوكمة ولا معرفة للمصروفات ولا مصدرها. يكفي أن يكون أحد مشجعي تلك الأندية ثريًا بشكل مبالغ فيه ليعيث فسادًا في بقية الأندية ويحرمها من نجومها دون أسس واضحة.
حين تُركت هذه الأندية لتقرر مصيرها بنفسها غرقت في بحور متلاطمة من الديون والقضايا، وأصبح الذين يعرفونها في مكاتب الاتحاد الدولي ومحاكمه أكثر من الذين يعرفونها في الملاعب. ثم حين سُددت عنها تلك الديون المتراكمة لم تكافأ الأندية التي كانت تدير مواردها بنجاح وإتقان. بل حصلت على الفتات وذهب الدعم أو جلّه إلى تسديد ديون المترفين، بمبالغ كانت كافية لشراء أندية أحد الدوريات الخمسة الكبرى بملاعبها ولاعبيها ومدربيها والشوارع المحيطة بها.
أنا لست بالطبع ضد دعم كرة القدم واستخدامها لتسليط الأضواء على المملكة العربية السعودية وتعريف العالم بما يحدث لدينا خارج الملاعب. ولست ضد أن يكون هذا الدعم المرحلة الأولى لتأسيس منافسات قوية ومربحة. كل ما في الأمر أني لا أفهم الأمر بوضوح حتى الآن، فما أشاهده يؤدي إلى تأكيد التنافس بين أندية محددة هي الأكثر جعجعة والأقل طحنًا.
ربما يتغير الأمر مستقبلًا وتكون الصورة أشد وضوحًا وإقناعًا، وحتى ذلك الحين لا ضير في ممارسة «الحلطمة» على الأقل بصفتي مشجعًا لأحد الأندية التي قضى عليها الاحتراف الموجّه في سنوات سابقة!
الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!