كيف جرَّدتنا القبة الضوئية من السماء ذات النجوم

نحن نعيش في غفلة من التلوث البطيء الذي يلتهم سماءنا، ويهددنا بخسارة تأملها في سكينة، والذي كنا نحظى به قبل سطوة القبة الضوئية.

يستحيل عليَّ نسيان مشاهدة سماء البر المرصعة بالنجوم في أثناء إقامتي بالسعودية. في كل مرة كنت أتأملها، يحضرني علي عزت بيقوفيتش: «لو لم يكن الليل لكنا بقينا عاجزين عن رؤية السماء ذات النجوم. وهكذا يجردنا الضوء بعض الرؤية، في حين أن العتمة والظلام يساعداننا على أن نرى شيئًا.»

النظر إلى السماء فطرة إنسانية، وزادٌ إيمانيّ تعلمناه من قصص القرآن الكريم، لكن النظر إلى السماء صار مشوَّشًا، تقطعه أضواء المدينة التي تحجب النجوم. فاليوم سماؤنا كأرضنا؛ تعاني هي الأخرى من تلوث ضوئي يحجب جمالها، ويقلل من فرصتنا في تأمُّل الكون وفهمه.

فالسماء في معظم أجزاء العالم تتوهج بشفق اصطناعي يبدأ سطوعه الحاد بعد غروب الشمس، ومكونه الرئيس إضاءةُ الشوارع والمنازل والمُنشآت وناطحات السحاب، حتى إضاءتك اللمبة في غرفتك يساهم في سطوع الشفق. هذا الشفق يُعرف بـ«وهج السماء» (Sky Glow)، أشبه بقبَّة ضوئية تغطي المدينة وتفصلها عن السماء أعلاها. 

وحتى ترى السماء، فعليك أن تفعل كما يفعل مراقبو النجوم، والسفر إلى مناطق «السماء المظلمة» (Dark Skies) خارج المدن والبعيدة عنها بمئات الأميال حتى تفلت من سطوة تلك القبة وترى النجوم في السماء أعلاك. 

لكن مع امتداد القبب الضوئية في العالم (بزيادة سنوية 6.5% في أوربا، و10.4% في أمريكا الشمالية) فمناطق السماء المظلمة تتقلَّص. وكما الحال على كوكب الأرض، بدأ تحديد «محميات طبيعية» للسماء المظلمة للحفاظ على المتبقي منها ولا نخسرها كلها. 

فنحن اليوم أصبحنا أكثر اعتمادًا على إضاءة مصابيح «ليد» (LED) بلونها الأبيض، بدلًا من الإضاءة الدافئة لمصابيح بخار الصوديوم، مما يُنتج الضوء الأزرق الذي يتشتت أكثر في الغلاف الجوي لتزداد نسبة تلوث السماء ضوئيًّا. كما أنَّ الأقمار الصناعية السابحة حول الغلاف الجوي تساهم هي الأخرى في زيادة السطوع الاصطناعي في الليل. 

شركة «سبيس إكس» -على سبيل المثال- أطلقت مئات من أقمار «ستارلينك» الصناعية لتوفير خدمة الاتصال بالإنترنت، لتبدو تلك الأقمار نجومًا اصطناعية تحوم فوق رؤوسنا، ويبدأ البعض هواية مراقبتها وكأنها نجوم حقيقية.

تأثير هذا التلوث الضوئي لا يؤذي السماء وحدها، بل إنَّه ينعكس علينا في صورة اضطرابات النوم والسمنة والخلل في وظائف التمثيل الغذائي، وصولًا إلى أمراض السكري وتأثر معدل ضربات القلب. كما يؤدي إلى تغيير سلوك الطيور وأنماط هجرتها، ويُساهم في موت الملايين منها سنويًّا بسبب انجذابها خطأً إلى الأضواء الاصطناعية وانحرافها عن مسارها الطبيعي.

على خلاف وعينا المفرَط بالتلوث الأرضي، فنحن نعيش في غفلة من التلوث البطيء الذي يلتهم سماءنا، ويهددنا بخسارة تأملها في سكينة، والذي كنا نحظى به قبل سطوة القبة الضوئية التي جردتنا من رؤية السماء ذات النجوم. 

الإنسانالتلوث
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+410 متابع في آخر 7 أيام