«بو خائف»… مجزرة للعين والعقل!

من الصعب جدًا أن نبني علاقة مع مخرج يصوغ قصة خصيصًا لكي نكرهها أو لا نفهمها. «بو خائف» مذبحة للعين والعقل، يحتوي على لحظات مرعبة.

فلم «موني بول» (Moneyball)
فلم «موني بول» (Moneyball)

إذا كان عدوك يرتكب الأخطاء، لا تقاطعه.


مشهد من فلم «بو خائف» (Beau Is Afraid) / Takashi Seida
مشهد من فلم «بو خائف» (Beau Is Afraid) / Takashi Seida

«بو خائف»… مجزرة للعين والعقل!

شفيق طبارة

عندما قال المعلّم الأمريكي ستانلي كوبرك «إذا كان من الممكن كتابته أو التفكير فيه، فيمكن تصويره»، لم يكن حتمًا يقصد أفلامًا من نوع «بو خائف» (Beau Is Afraid) (2023)! هذا الفلم مثال حيّ على أن الأفكار التي تخطر في بالنا ليست كلها جيدة، ولا تجب مشاركتها دومًا؛ لأنّها قد تكشف مدى ضحالة أفكارنا. 

ثالث أفلام آري أستر هو إحدى هذه الأفكار التي لا تجب مشاركتها مع أحد، وبالطبع لا يجب صناعة فلم عنها. الفلم بلا روح ولا إحساس ولا ذكاء عاطفي، مُثقل بالتساؤلات التي يطرحها، قبل أن يتجاهلها ويعيد تكرارها! هشّ ومتقلب، يسعى إلى ادّعاء أنه فلم ذكي، لكنه مجرد خطاب فارغ من المعنى، فيه كثير من الأفكار والتساؤلات والمعلومات، وكل شيء فيه زائد على الحاجة. من الصعب جدًا أن نبني علاقة مع مخرج يصوغ قصة خصيصًا لكي نكرهها أو لا نفهمها. الفلم مذبحة للعين والعقل، يحتوي على لحظات مرعبة، محشوّ بإحالات ومرجعيات من فرويد إلى مناخات كافكا الكابوسية، وبعض السوريالية والكوميديا و… الكثير من السخافة!

«بو خائف» شديد الوضوح، خصوصًا أنّ كثيرًا من المواضيع والثيمات ظهرت في فلمي أستر السابقين: «وراثي» (Hereditary) (2018) و«منتصف الصيف» (Midsommar) (2019)، لكن بطريقة أكثر ابداعًا. أستر كان يعرف كيف يقدم أشد المخاوف -وهو الخوف من المجهول- ويذهب أبعد من ذلك من خلال فكرة: ماذا لو كنا لا نعرف ما هو الأكثر وضوحًا؟

في أفلامه جمع الكوميديا السوداء والرعب النفسي دون التخلي عن التأمل المأساوي. علاقة الفرد بعائلته قدمها أستر بكثير من البراعة، والشعور بالذنب كان يأكل شاشاته، والغموض والتساؤلات يغلفان أفكاره، كما يطلق العنان لقسوة أبطاله الجسدية. فلمه الجديد لم يكن فيه أي شيء من هذا، ولا حتى الرعب الذي تعودنا عليه في أفلامه.

بداية الفلم مراوغة توهمنا بأنَّ أستر مصمّم على تقديم شيء عظيم. نرى الولادة المعقّدة لبو واسرمان (واكين فينيكس)، الذي حالما خرج إلى العالم سقط على الأرض. وفي مواجهة صرخات والدته اليائسة لا يبكي ولا تظهر عليه علامات الحياة. ثم نأتي إلى الحاضر، حيث بو في منتصف عمره عند طبيبه النفسي، يأخذ وصفة طبية جديدة. عندما يعود إلى المنزل يتضح أنّ لديه كثيرًا من أسباب الخوف: هو يعيش في مبنى متهالك في حيّ غريب جدًا، حيث يرقد المدمنون في الشارع ويُقتل ويُسرق الناس في وضح النهار. صراخ ومعارك حتى جثث متعفّنة في وسط الطريق دون أن يهتم بها أحد. توضيح كاف للعالم الذي يراه بو بعينيه، فهو شخص يرى أي موقف وأي حادث عدوانًا خارجيًا عليه.

يعيش بو مع الهذيان، وعلاقة معقّدة مع والدته التي يخطط ليراها، لكن رحلة الزيارة تتحول إلى كابوس وكارثة، وهذا ما يؤدي إلى مسار طويل جدًا من المحن بجميع أنواعها.

يمكن تقسيم «بو خائف» إلى خمسة أقسام، نطّلع من خلالها على جميع مشكلات بو النفسية. يأخذ قلقه المستمر زمام الأمور في البداية، وهذا ما يضعنا في ذهن شخص يتخيل أسوأ سيناريو ممكن لكل شيء يواجهه. الجزء الثاني هو عدم تمكُّن بو من السفر بسبب حادث تعرّض له، وينتهي به الأمر بالبقاء في منزل روجر وقريس (ناثان لين وأيمي ريان).

يعطينا القسم الثالث سببًا للاستثمار في القصة. يمزج أستر الرسوم المتحركة الثنائية الأبعاد بالسرد، وينشر دراما حقيقية تثير فيها القصة الاهتمام إلى حد ما، يحكي فيها أستر قصة ماضي بو وحاضره ومستقبله، وينبش أعمق رغباته ليضعها في الواجهة. يتعمق الجزآن الأخيران في علاقة بو مع والدته (باتي لوبون) التي يخاف منها طبعًا، ويصوّر أستر تعقيدات كل فرد من الأسرة.

ثم تأتي المواجهة الأخيرة مع والدته، مواجهة لا تعني شيئًا؛ لأنّ الفلم، طوال هذا الوقت لم يرسم خطًا لها، فجاءت ركيكة في وقت يطلب منّا أن نأخذه على محمل الجد وأن نشترك في ذروته العاطفية المفترضة.

ليس هناك عملية إبداعية تحوّل أفكار أستر إلى فلم مثير للاهتمام. ولا حتى ذهب إلى الرعب الذي اشتهر به، وكان أمامنا على الشاشة شيء فج ومباشر، لكن حتى هذا لا يجعله صريحًا أو صادقًا، بل خطابًا خاصًا غير مفهوم؛ لأنه غير منظم وفيه كثير من الحشو. «بو خائف» هو فلم عارٍ، مثل بطله، يقول كلّ شيء في أول 30 أو 40 دقيقة، ثم يستمر في توسيع الدائرة مثل كرة الثلج، ويعذبنا ببطئه غير المبرّر وكآبته السوريالية وعجزه عن الوصول بالفكرة إلى أي مكان، وهذا ما يثير بعض الشكوك حول مدى الجدية التي يفترض أن نتعاطى بها مع الفلم.

لا يقين في الفلم بأكمله، هو لا يقترح خيطًا مشتركًا واضحًا؛ لأنه إشارة إلى الأحلام والفانتازيا والخوف والقلق المسيطر، تلك التي يصعب علينا عدها وتوحيدها. لكن بسبب طول مدة الفلم ينتهي الأمر بكثير من هذه العناصر المجازيّة بالعودة للحصول على تفسيرات والتفاعل من جديد مع بعضها، وهذا نتجت عنه سوريالية وواقعية سحرية مفككتان وبسيطتان. وفوق كل هذا جاء هذا «العرض التوضيحي» في ثلاث ساعات لا تنتهي!

الملاحظ أنّ أستر يمقت بشدة مراجعة أي محِّرر (Editor) لأفلامه؛ مع أن هناك مشاهد أطول من اللازم تستنزف الطاقة حتى في أفضل أوقات الفلم وأهم أفكاره. الأمر الوحيد الذي نجح فيه الشريط هو إجبارنا على عدم المبالاة بأداء أحد أهم الممثلين اليوم. إذ لم تُختبَر قوة واكين فينيكس كممثل، فما شاهدناه أمامنا رجلٌ يمتلك دائمًا تعابير القلق والشفقة والخوف والبؤس نفسها، بالعيون نفسها، وفتحة الفم نفسها!

لا يمكن إنكار أنني كنت أتحيّن فلم آري أستر الجديد، كمعجب بأفلامه السابقة. لكن الانتظار كان مخيّبًا، على أمل ألّا يكون هذا الفلم إحدى علامات جنون العظمة التي يمرّ بها كثير من المخرجين اليوم.


أخبار سينمائية

  • بعد أن تخلت شركة «WBD» عن خدمات عدة مديرين تنفيذيين وإبداعيين في قناة «Turner Classics Movies» التي تمتلك أرشيفًا زاخرًا من الكلاسيكيات السينمائية، اجتمع عدد من المخرجين الكبار، وهم: مارتن سكورسيزي وستيفن سبيلبرق وبول توماس أندرسون مع الرئيس التنفيذي للشركة ديفد زاسلاف للاحتجاج على هذا الخطوة، ونتجت من هذا الاجتماع صفقة تسهم في الحفاظ على الإرث السينمائي لهذه القناة العريقة.

  • هنا تبرز قيمة المخرجين العظام، ليس في إنتاج التحف فقط، بل أيضًا في الحفاظ على صناعة السينما وخلق التوازن بين المتطلبات التجاريّة والرؤى الفنية.


توصيات سينمائية

خمسةً من أهم أفلام سعاد حسني في مراحل مختلفة من حياتها

سعاد حسني أو «أخت القمر» واحدة من أشهر الفنانات في مصر والوطن العربي ولقبت بـ«سندريلا الشاشة العربية»، أحرزت المركز الثاني في احتفالية مئوية السينما المصرية عام 1996، ضمن استفتاء عن أفضل ممثلة في القرن العشرين، واختار النقاد آنذاك ثمانية أفلام من بطولتها في قائمة أفضل مئة فلم مصري، لتصبح بذلك الممثلة صاحبة الرقم القياسي بالمشاركة مع فاتن حمامة.

«الزوجة الثانية» (1967)

فلم مصري درامي من إخراج رائد الواقعية المصرية صلاح أبو سيف، وبطولة شكري سرحان وسناء جميل وصلاح منصور . الفلم مقتبس من رواية للكاتب أحمد رشدي صالح تحمل العنوان نفسه.

«بئر الحرمان» (1969)

أحد الأفلام النفسية التي تدور أحداثها من خلال قصة الروائي إحسان عبد القدوس حول «ناهد» المصابة باضطراب الهوية، فتكون «ناهد» الفتاة الرقيقة صباحًا و«ميرفت» الفتاة اللعوب في آخر الليل. الفلم من بطولة نور الشريف ومريم فخر الدين ومحيي إسماعيل ومن إخراج كمال الشيخ الذي عُرف بأنه «هيتشكوك مصر ».

«خلي بالك من زوزو» (1972)

أحد أبرز أفلام «السندريلا» سعاد حسني الغنائية الاستعراضية، من تأليف صلاح جاهين وإخراج حسن الإمام وبطولة حسين فهمي وتحية كاريوكا . الفلم حقق رقمًا قياسيًا في الإيرادات، حيث إن مدة عرضه داخل دور السينما في مصر استمرت عامًا كاملًا، الفلم مليء بالأغنيات والاستعراضات وفيه إحدى أشهر أغاني «السندريلا» التي لحّنها الموسيقار الكبير كمال الطويل (يا واد يا تقيل).

«موعد على العشاء» (1981)

بداية عقد الثمانينات حقبة جديدة تبدؤها «السندريلا» سعاد حسني في التعاون مع مخرجين جدد ومختلفين عن السائد ذلك الوقت، وهذه المرة مع المخرج محمد خان. الفلم من بطولة حسين فهمي وأحمد زكي، وتتناول قصته ثلاثية الزوج والزوجة والعشيق.

«حب في الزنزانة» (1983)

أحد أهم الأفلام الرومانسية التي قدّمتها سعاد حسني وعادل إمام في مرحلة الثمانينات عن قصة حب تنشأ خلف أبواب الزنزانة. شارك في البطولة يحيى الفخراني وجميل راتب وعبدالمنعم مدبولي، وتولى الإخراج محمد فاضل الذي يعد الفلم أحد أهم أفلامه السينمائية، عُرف الفلم أيضًا بموسيقاه التصويرية البديعة التي قدمها الموسيقار عمار الشريعي.


يعرض الآن

  • يعرض الآن على منصّة Apple مسلسل الخيال العلمي «سيلو» (Silo) الذي يتناول مستقبلًا دستوبيًا يعيش فيه البشر تحت الأرض، حيث تؤمن البشريّة بأن سطح الأرض مكان ملوّث لا يمكن العيش فيه.

  • يعرض الآن في صالات السينما الفلم السعودي الغنائي «طريق الوادي» للمخرج خالد فهد، وقد أنتجه مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) وعرض في ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي. الفلم من بطولة الطفل حمد فرحان، بمشاركة نايف خلف وأسيل عمران ومحمد الشهري.

  • يعرض الآن في صالات السينما فلم «إنديانا جونز» (Indiana Jones) الذي تدور قصته عن عالم الآثار إنديانا جونز الذي يعيش حياة عادية بعيدة عن الإثارة التي اعتاد عليها، ولكنه يعود إليها بقصة جديدة.

السينمامراجعات الأفلام
النشرة السينمائية
النشرة السينمائية
منثمانيةثمانية

مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.

+70 متابع في آخر 7 أيام