الكيك والشمع والبالون تعرفني!
لست واثقًا من أني أعرف السبب الحقيقي الذي يدفعنا للاحتفال بكل شيء، هل نحن سعداء إلى درجة أن كل شيء يبهجنا أم تعساء؟
حين أنهيت المرحلة الثانوية متفوقًا ذهبت إلى والدي لأستأذنه في السفر حتى أقدم أوراقي للجامعات لبدء مرحلة جديدة في حياتي. وحين عرضت عليه الأمر سألني بطريقة لا تخلو من الاستغراب والدهشة: خلّصت الثانوي؟!
قلت: نعم، هذه كانت السنة الأخيرة. نظر إليّ نظرة المستريب المتشكك، ثم بارك لي ودعا لي بالتوفيق، وانتهت القصة.
وحين أصبحت أبًا كان الوقت قد تغير كثيرًا، لم تعد الأمور تؤخذ بتلك البساطة. فحين تم قبول ابني في المرحلة التمهيدية أقمنا له احتفالًا لم يكن ينقصه إلا دعوة ملوك وزعماء العالم وإقامة عرض عسكري.
وحين أنهى تلك المرحلة أقمنا له احتفالاً عظيمًا، لكننا غفلنا للأسف عن إنتاج فلم وثائقي يتحدث عن إنجازاته العظيمة وكيف تغير العالم بعد القرار التاريخي الذي اتخذه، وموافقته التي غيرت التاريخ بأن يصبح طالبًا يذهب إلى المدرسة كل صباح ويعود ظهرًا، مفاخرًا أضرابه من دهاة الروضة: «الكيك والشمع والبالون تعرفني!».
ثم توالى الأبناء بعد ذلك وتوالت الاحتفالات والأفراح والليالي الملاح، فهذا خارج الروضة وذاك داخل التمهيدي وآخر ينهي الصف الأول الابتدائي، ورابع نحتفل بمناسبة ذهابه إلى المدرسة أسبوعين متتالين دون غياب. وخامس نقيم له مهرجانًا ترفيهيًا بمناسبة حفظه جدول ضرب الثلاثة، وسادس نقيم له احتفالًا عظيمًا كنا نتمنى أن يحييه عدد من فناني الوطن العربي بمناسبة «تختيمه» إحدى الألعاب الإلكترونية. ولكننا اكتفينا ببعض الشيلات الحماسية والورود والحلويات، على أمل أن نوفق في إقناع فيروز أو فهد بن فصلا بإحياء حفلته المقبلة حين يختم لعبة أخرى.
نحتفل بكل الإنجازات التي نعلم سلفًا أنها ستحدث، فكل الطلاب سينتقلون للمرحلة التالية حتى لو لم يجيدوا شيئًا مما تعلموه، ولا أعلم ما الطريقة التي سنحتفل بها حين يتزوجون أو يجتازون مرحلة يصعب اجتيازها؛ لأن الأمور تزداد صعوبة، وقد استنفدنا كل أفكارنا الإبداعية في تنظيم الحفلات في الاحتفاء بالإنجازات غير المهمة.
وحين أفكر في في كيفية الاحتفال بمناسبات كبرى كالزواج أو أن يفوز أحدهم بجائزة نوبل، أبدأ البحث عن طريقة التعاقد مع الشركات التي نظمت مناسبات كبرى مثل كأس العالم أو افتتاح الدورات الأولمبية للاستعانة بها في حفلات زواج أبنائي وحفلات طلاقهم أيضًا، فهي مناسبة اجتماعية دخلت قائمة الاحتفالات العامة التي يبتهج فيها المطلقون بإنجازهم العظيم في الإخفاق في تكوين حياة حقيقية.
لست واثقًا من أني أعرف السبب الحقيقي الذي يدفعنا للاحتفال بكل شيء، هل نحن سعداء إلى درجة أن كل شيء يبهجنا أم تعساء ونبحث عن الفرحة بأي طريقة، أم السبب أننا نريد أن نُظهِر للآخرين من خلال وسائل التواصل أننا نعيش حياة تشبه حياة المشاهير الذين يقيمون الاحتفالات ويتلقّون الهدايا دون مناسبة.
ثم إننا لم نكتف بالاحتفال بالأشياء الصغيرة التي تخصنا ونشرها للعالمين، بل أصبح هناك ما يشبه الهوس بالاحتفال بكل المناسبات التي تخصنا والتي لا تخصنا، احتفالات بالهالوين وعيد الفصح وعيد الشكر ويوم القديس فالنتين ويوم مولد أبي جهل ويوم وفاة بوذا ويوم الأب ويوم الأم ويوم الأخ ويوم الأخت ويوم المدير ويوم الجار ويوم الشخص الذي لا نعرفه ولكننا يمكن أن نعرفه ويوم الشخص الذي لا نعرفه ولا يحتمل أن نعرفه.
كنت سأقوم ببحث اجتماعي لدراسة هذه الظاهرة، ولكني مشغول بالإعداد لاحتفالات نهاية العام الدراسي، والخروج من من هذا العام الطويل الممل وغير المفيد بأقل الأضرار،ـ وهي مناسبة تستحق الاحتفال، وهذه المرة سأكون المحتفى به للمرة الأولى، فقد بذلك جهودًا مضنية في إقناع أبنائي بضرورة الذهاب إلى المدرسة في الفصل الدراسي الثالث.
لقد كانت المفاوضات والتضحيات والهدايا والإغراءات التي قدمت لهم طوال هذا الفصل تستحق أن أقيم حفلة في نهاية العام أكرم فيها نفسي على جهودي وإنجازاتي العظيمة في إقناع أبنائي بشكل يومي بأن وزارة التعليم تعلم ماذا تفعل، وأنتم لا شك تعلمون أن الإقناع بالأشياء غير المقنعة يتطلب جهدًا عظيمًا يستحق الشكر والاحتفاء.
هوس الاحتفالات ليس مقصورًا على الأسر، ولكن المدراس دخلت هذا الخط وأصبحت مصروفات الاحتفالات المدرسية من التكاليف الإضافية التي يجب أن تضعها في الحسبان حين تفكر في إنجاب أبناء يذهبون إلى المدرسة.
إن حفلة التخرج من الروضة أو التمهيدي لا تقل عن حفل التخرج الجامعي، ولها زي محدد وتدريبات وكلمات وأغنيات و«شيلات» وضيوف ودعوات، وقد ارتدى أبنائي مشالح في حفلات تخرجهم من الروضة لم أحظ بمثلها حين تزوجت.
لست ضد الفرح ولا تصنّع الفرح، فهو أجمل بأي حال من الحزن ومن تصنّع الحزن، كل ما في الأمر أنني أريد أن أفهم، ولو حدث وفهمت كيف يسير هذا العالم وإلى أين يتجه فلا شك أنها ستكون مناسبة عظيمة سأقيم من أجلها احتفالًا تُنحر فيه الإبل وتقام حفلات السمر والغناء، ويدعى إليه كل الأغبياء الذين لم يتمكنوا بعد من الفهم!
الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!