الأدب العماني والغُربة عن النفس
لقد تعلمت من القافر أن أثق بصوتي وحدسي ورغباتي الصالحة، وألاّ أواجه نفسي بالتشكيك دون طائل، وأن علينا التحلي بالشجاعة لمواجهة هذه الغربة.
الأدب العماني والغُربة عن النفس
لست من القراء الذين يهتمون كثيرًا بالجوائز العالمية أو المحلية للكتب والمؤلفات، أو على أقل تقدير لست متابعة جيدة لمثل هذه المحافل ولا أظنها تعني كثيرًا لقارئة فضولية مثلي تلتقط من الكتب ما بدا لها. ولكن منذ أن قرأت «تغريبة القافر» للروائي العماني زهران القاسمي ظللتُ أدعو الله أن تحصد الجائزة العالمية للرواية العربية.
كانت هذه الرواية أول ما قرأت من الأدب العماني، وأستطيع القول بكل ثقة إنها لن تكون الأخيرة. استطاع زهران بكل براعة وخفة أن يجعل القرية بتضاريسها مسرحًا وأهلها بنميمتهم أبطالًا والماء بوفرته وشحِّه موسيقا تصويرية لا تتوقف.
تتجلى الهوية السردية لأهل القرية العمانية في الرواية. ففي قرية «المسفاة» الواقعة في ولاية قريات التابعة لمحافظة مسقط في سلطنة عمان، تبدأ قصة «القافر» قبل ولادته، تغرق أمه وهو جنين في بطنها، ويبذل أهل القرية محاولات أخفقت في إنقاذها، ثم تمضي أحداثها بالولادة «الغرائبية» لطفلٍ حيّ من جسدٍ ميت غارق في بئر القرية. وهكذا خرج إلى الدنيا «سالم بن عبدالله» (القافر)، سالم الذي سلمه الله من الغرق، والقافر الذي يتتبَّع ويقتفي أثر الماء. ويا للمفارقة! وُلد لأم ماتت غرقًا وأصبح صديقًا للماء وصوتِه من تحت الأرض في هِبة ربانية تناولها زهران بكل براعة وخفَّة.
بلغة عذبة ووصف دقيق للمكان وأفلاج المياه وطقوس أهل القرية وعلاقاتهم المتشابكة، نسج زهران روايته ليثبِت أن خصوصية الأدب المحلي وتقارب النص مع القارئ هي أصالة نتوق إليها وتعيش فينا طويلًا حتى بعد بلوغ الصفحة الأخيرة من الرواية. وهذا ما يسحرني في الأدب، أن نلمس فيه ما يشبهنا. ومهما اختلفت الأماكن والظروف فإنني وجدت في «تغريبة القافر» قصة تشبهني قليلًا وتشبه كثيرًا منا، قصة تغربتُ فيها عن ذاتي وعشت تغريبة لا أزال أصارعها كما صارع «سالم» الماء بحثاً عن مخرج.
مع كل فصل أتقدمه في الرواية أجد أنها تحتفي بالصوت، الصوت الداخلي للإنسان ورغبته الدفينة والتوق إلى الاتساق مع النفس. إنَّ هذا الصوت يحمل قيمة عظيمة في حياة الإنسان، وتجاهله والسخرية منه قد يؤدي بنا إلى تغريبة طويلة، فنعيش غرباء مع أنفسنا، نمارس حياة لا تشبهنا كثيرًا ولا تلبي نداءات هذا الصوت الداخلي.
أنصت سالم بن عبدالله إلى الماء وهو يناديه من بين جدران الصَّخر والحصى،
أنصت إليه فسمعه كأنَّه يدعوه متوسلًا تحريره من سجن الأرض.
كان سالم يسمع صوت الماء من باطن الأرض ويثق بحدسه، يعرف أين «يقفر» ويحفر، كان أصيلًا بصوته الداخلي لسنوات طويلة. ولكنه كأي واحد منا، نحن الذين نتيه عن صوتنا الداخلي ونسلم أنفسنا لليأس ونغيب في غربة على رغم كل محاولات التماهي مع ما لا نرغبه أو نريده.
تذكرتُ كيف كنت سنوات أعمل في بيئات لا تشبهني بأي شكل، وأعيش تفاصيل يوم لا تناسب ما أرغبه، واستسلمت لضغوط اجتماعية واستهلاكية أربكتني من الداخل. لسنوات أرغمت نفسي على تجاهل صوتي الداخلي، وبدل أن أبذل الطاقة لمحاولة الخروج من هذه السمّية، بذلتها بشكل خاطئ في محاولة تطويع نفسي لتقبلها وتجاهل صوتي والغرق في ماء مالح جدًّا.
صارعتُ صوتي الذي كنت أثق به أكثر مما صارعت الظروف، خفت كثيرًا من قراراتي الجريئة وكيف سيقابلها المحيطون بي، لأنها لن تكون مفهومة لغيري مثلما هي مفهومة لي. لقد اختبر سالم اليأس مثلما اختبرته أنا وأنت، وظنَّ أنْ لا طائل من المقاومة ولا ماء في الصخرة مثلما ظننت.
لكن كلامهم يلسع.
بيلسعنا كلامهم التوّ، لكن يحرقهم الماي مِن يخرج.
فهمت «القافر» كثيرًا وتقاربت معه في كثير من الأحداث، وأجزم أن كثيرًا منا سيتقاطع مع رمزية هذه الرواية. كلنا في مرات كثيرة اخترنا الصوت الخارجي بدل أن نستمع لصوتنا الداخلي، لبَّينا ما يريده الآخرون بدل أن نسمع لرغباتنا ما دامت أنها لا تغضب الله. آثرنا المذاق الحلو السريع لأن نرضي الآخرين على مرارة أن نخوض ما نرغبه وإن كان عكس التيار، متجاهلين أن اللذة في مرات كثيرة هي من نصيب النهايات.
إن تغريبة هذا «القافر» تمثيلٌ واقعي لما نمر به، ومهما بدا ذلك حدثًا صغيرًا وتافهًا للبعض فإنه يعني أحداثًا مهمة لنا ولنضجنا، تصنع منا الشخص الأقوى الذي طالما سألنا أنفسنا: كيف نكونه؟
لقد فهمت أن الغربة عن النفس والصعوبات التي نجاهدها هي أمور لا بد أن تحدث في سبيل تحقيق التوازن والاتساق مع النفس، لا يوجد طريق معبَّد بالورود ولا قرار سهل على إطلاقه. لقد تعلمت من «القافر» أن أثق بصوتي وحدسي ورغباتي الصالحة أكثر، وألاّ أواجه نفسي بالتشكيك دون طائل، وأن علينا التحلي بالشجاعة لمواجهة هذه الغربة، وأن الوقت مناسب دائمًا للعودة إلى منابعنا الداخلية والتواصل بشكل جيد مع ذلك الصوت الذي نعيش معه ولأن نمهد له طريقًا أفضل لكي يحيا معنا وبنا.
لقد تعلمت أيضًا كثيرًا من هذه الرواية، عرفت بضع كلمات من اللهجة العمانية الرشيقة، وسحرني الريف العماني الأخاذ. لقد اختبرت الوفرة والندرة من خلال أحداث هذه الرواية وكيف علينا أن نستغل أوقات الوفرة لمصلحة أيام الشح بكل أشكالها. أنهيت الرواية ولكن «سالم» وتغريبته لا يزالان يغذيان لحظات من أيامي، وسأتذكر «القافر» عند كل عتبة أشعر لديها أن تغريبتي عن نفسي ستبدأ. وهكذا أحبُّ أن يكون الأدب، أن نفهم من خلاله أنفسنا، ونجد فيه ما يشبهنا ثم يساعدنا على المضيّ قدُمًا.
تأهلت رواية الكاتبة العمانية جوخة الحارثي «نارنجة» في ترجمتها الإنجليزية (Bitter Orange Tree) للقائمة القصيرة المرشحة لجائزة «جيمس تايت بلاك». وتعد الجائزة من أعرق الجوائز الأدبية في بريطانيا، وتُمنح للأدب المكتوب باللغة الإنجليزية أو المترجَم إليها.
أعلن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) فوز الشاعر العراقي زين العابدين المرشدي بجائزة «قارئ العام» عن نصه بعنوان «عتاب متأخر من هابيل» ضمن مسابقة «أقرأ» التي يقيمها المركز سنويًا للطلاب في العالم العربي.
أعلنت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» موعد إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام بتاريخ 28 سبتمبر - 7 أكتوبر 2023، ويعد هذا المعرض أحد أهم معارض الكتاب العربية من حيث عدد الزوار وحجم المبيعات وتنوع برامجه الثقافية.
أعلنت «هيئة الأدب والنشر والترجمة» عن أسماء المقاهي التسعة الفائزة في مبادرة الشريك الأدبي، والتي تهدف إلى تفعيل دور المقاهي في إقامة الفعاليات الثقافية واللقاءات الأدبية وتقريب الثقافة للمجتمع.
تغريبة القافر، زهران القاسمي
تنطلق أحداث الرواية من صوت يصدح في الأزقة معلنًا فجيعة تهبط على قرية «المسفاة» العمانية، يسرد القاسمي قصة «سالم عبدالله» وهو أحد مقتفي أثر الماء الذي تستعين به القرى حين الجفاف بحثًا عن منابع المياه الجوفية، وكيف يصارع من أجل النجاة بعدما انتهى به المطاف عالقًا في قناة أحد الأفلاج.دلشاد: سيرة الجوع والشبع، بشرى خلفان
تصور الرواية بأصواتها المتعددة تاريخًا مسكوتًا عنه لمدينة مسقط العمانية في بداية القرن العشرين، حيث كان الجوع والفقر والتشرد واليتم يسيطر على المجتمع العماني المتشكل من أعراق مختلفة تضم العرب والبلوش النازحين من إقليم بلوشستان والهنود.
سيدات القمر، جوخة الحارثي
ترصد أحداث الرواية التي تدور في قرية «العوافي» التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدها المجتمع العماني ومدى تقبل العوائل التقليدية مظاهر الحداثة، من خلال تتبع حياة ثلاث شقيقات خضن مرحلة التغيير باتساعها واختلاف التوجهات بين الأجيال في المجتمع المحافظ.أسامينا، هدى محمد
تُستفتح الرواية بانتحار بطلتها في محاولة للهرب من طنين الجمل اللانهائي داخل رأسها، فتقتفي أثر الماضي والدوافع التي قادتها إلى هذا المصير بسرد تسيطر عليه التوجسات الشعبية والخرافات والذكريات المضنية.
لغير المثقفين، الذين لا يربطون بين القراءة واحتساء القهوة، ولا يصوّرون أعمدة كتب تتجاوز أطوالهم نهاية العام. نشرة تصلك كلّ أربعاء تضم مراجعات للكتب، توصيات، اقتباسات… إلخ.