كيف تحوِّل تك توك الطيبين الأغراب إلى ضحايا

التدخلات الصغيرة اليومية من الغرباء، مثل تقديم المساعدة، لها تأثير إيجابي. وتذكرنا بأن الطيبين الأغراب لا يزال لهم وجود في حياتنا. 

تخرج من منزلك لكي تقضي حاجة لديك كأي يوم عادي، وتُفاجأ برجل خائف من نزول السلم الكهربائي، أو بطفلٍ عاجز عن التنفس، فتجد نفسك أمام احتمالين لا ثالث لهما، إما أن تحاول المساعدة أو تتجنب الموقف كأنك لم ترَ شيئًا.

لنفترض أنك مددت يد العون، وبعدها بساعات وجدت نفسك في مقطع فيديو منتشر في إحدى منصات التواصل الاجتماعي، مع عبارات تسوِّق للطفك كأحد الطيبين الأغراب الذين «يفزعون» للغير ويؤثرون الآخرين على أنفسهم.

يوميًا تنتشر مئات مقاطع الفيديو التي تروِّج لأولئك الطيبين الأغراب الذين يتدخلون في الوقت الصحيح لإنقاذ موقف ما أو للمبادرة بفعل عشوائي حميد، كمنح المال إلى مشترٍ عابر في السوبرماركت، أو التبرّع بالمال لتحقيق أمنية أحدهم. وتحصد تلك المقاطع المصوَّرة، بالأخص في تك توك، الملايين من المشاهدات حول العالم، ولها متابعون يروجون لها باستمرار.

بالطبع هذا النوع من المحتوى «طعم رقمي» (Click Bait)، لكنَّ سرَّ تعلق الجماهير به من ناحية علمية هو أن التدخلات الصغيرة اليومية من الغرباء، مثل تقديم المساعدة أو العبارات اللطيفة، لها تأثير إيجابي على مشاعر المتلقي. فهي غالبًا ما تكون غير متوقعة، وتأتي من أشخاص غير متوقعين، وتذكرنا بأنَّ الطيبين الأغراب لا يزال لهم وجود في حياتنا، وقد يتدخلون يومًا لمساعدتنا. 

يحب الناس الاعتقاد بأن هذه المقاطع تمثل يد «الكارما» التي تردُّ الجميل لشخص مسكين، لكن ما لا يتحدث عنه الكثير هو أنها ليست مجرد أفعال عشوائية من اللطف، بل صناعة محتوى. ويعتمد هذا المحتوى على استعطاف المشاهد عبر اللعب على مشاعره، وبالنتيجة يصطاد المشاهدات والإعجابات. ولأنَّ هذا النوع من المحتوى يُعد إيجابيًّا ولديه حظوة لدى متابعي تك توك، فاحتمال اقتراح الخوارزمية هذه النوعية من المقاطع عالٍ، مما يضمن إعادة نشر المقاطع التي تروِّج للطف فاعل الخير، ووصوله إلى أكبر عدد من المستخدمين.

ليست الخوارزميات وحدها من يعزِّز انتشار هذه المقاطع، بل حتى المستخدمين أنفسهم. فاحتمال مشاركتك مقطعًا إيجابيًّا مع زملائك أو عائلتك أعلى من مشاركتك مقطعًا حزينًا وسلبيًّا. 

وإذا كانت برامج تلفزيونية مثل «الصدمة» تتطلب فريق عمل ضخم من المعدِّين والممثلين والمصورين لإنتاج مثل هذا النوع من سيناريو افتعال المشاهد وتصوير ردود أفعال الغرباء على نطاق إنتاجي ضيِّق، بفضل تك توك صار بإمكان الشخص العادي أن يصوِّر كل أنواع السيناريوهات في كل وقت وكل مكان. فإما يلعب صانع المحتوى دور الطيِّب مع مسكينٍ غريب، أو يقحم الغريب بلا إذن منه للعب دور «الطيب»، وكل ذلك في سبيل الوصول إلى الشهرة والانتشار السريع.

خداع الغرباء وتضليلهم للعب دور «الطيب» لإصدار محتوى رائج أمر غير مستبعد حدوثه مع أيٍّ منَّا، ومن المحتمل أن يلجأ البعض لطرق غير متوقعة مزودة بِنيَّات خبيثة للحصول على اللقطة المرغوبة. فإذا كان هذا المحتوى في ظاهره يشجِّع على إظهار الطيبة، فقد يجعلنا نفكِّر مليًّا في مد يد العون خوفًا من أن نكون ضحية خدعة. 

المجتمعتك توكوسائل التواصل الاجتماعيالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+400 متابع في آخر 7 أيام