الصراع حول روح الإسلام
"خلف الأبواب المغلقة وعندما تدخل بيوتهم فسترى صراعًا حول تعريف من هو المسلم الحقيقيّ" هكذا يبدأ أحد البرامج البريطانية مقدمته عن المسلمين.
بثّت قناة بي بي سي الثانية يوم 12 ديسمبر 2016، برنامجًا غريبًا وطريفًا من برامج تلفزيون الواقع اسمه Muslims Like Us (مسلمون مثلنا). قاصدين بذلك مسلمين مختلفين مثلنا، أي مسلمين لديهم أفكارٌ مختلفة ومتناقضة مثل بقية البشر عن الحياة والكون والإنسان والدين والعلاقة مع الآخرين وغيرها.
في هذا المقال؛ سيتم تحليل محتوى هذا البرنامج وما يمكن أن نفهمه من هذا النوع من الطرح الإعلامي، وسنثير بعض الأسئلة التي قد يجيب عليها هذا البرنامج مثل؛ ما القضايا التي برزت في حوارات المسلمين المشاركين في البرنامج؟ كيف تبدو قضايانا وحواراتنا أمام الآخرين؟ هل يفكّر المسلمون بنفس الطريقة ويحملون نفس الهموم؟ هل اختلاف فهم المسلمين للإسلام سيُبرِّأُ الإسلام من أفعال أتباعه الخاطئة أو المتطرفة؟ كيف ينظر المسلمون البريطانيون لهوياتهم الثقافية والدينية والاجتماعية داخل المجتمع البريطاني؟ كيف يبينون وجهات نظرهم لغير المسلمين حول الإرهاب والطائفية والحجاب وعلاقة الرجل بالمرأة والجنسانية (الهوية الجنسية للمرء) و العنصرية ونظرة المسلمين للغرب سياسيًا وإمكانية التعايش مع الآخرين وغيرها؟
عشرة مسلمين في بيت واحد
فكرة البرنامج كما عرّفته بي بي سي: «يجتمع في بيت واحدٍ، عشرة مسلمين برؤًى متناقضةٍ حول الحياة والعالم من حولهم. وتكشف لنا حواراتهم الساخنة، واختلافاتهم الصادقة، وطرافتهم، ورؤاهم، كيف يمكن أن يبدو المرء كمسلم بريطانيّ في هذه الأيام».
أوّلًا، الشركة المنتجة لهذا البرنامج اسمها “Love Production” وهي شركة بريطانية متخصصة في الإنتاج التلفزيّ وتهتم بإثارة الأفكار. وأغلب البرامج التي أنتجتها أثارت جدلًا وصخبًا مثل Young Mums’ Mansion and Naked والذي طلبوا فيه من أمهات عازبات وأطفالهنّ، وآباء عزّاب وأطفالهم، أن يعيشوا في بيت واحد لمدة شهر كامل. وفي نهاية البرنامج على الآباء والأمهات أن يتلقطوا صورة مع بعضهم البعض وهم عراة، وغيرها من برامج هذه الشركة المثيرة للجدل.
من ضمن فريق الإنتاج، يوجد شخص يدعى مبين أزهر Mobeen Azhar وهو منتج حلقات البرنامج. وهو صحفي تحقيقات بريطاني من أصل باكستاني يبدو أنه صاحب فكرة البرنامج، فله باع طويل في البحث والتحقيق في القضايا المثيرة والقصص الغامضة. ومن أشهر التحقيقات التي أجراها Hunting for Prince’s vault وهو برنامج وثائقي حول قبو المطرب الشهير برنس واشتهر أزهر كأحد أكبر عشاق برنس.
وكذلك أنتج أزهر برنامجًا وثائقيًا عن مثليّي الجنس في باكستان، وبرنامجًا إذاعيًا اسمه The Muslim Sex Doctor. تواصلت مع أزهر وسألته عن فكرة البرنامج “مسلمون مثلنا” ولماذا هذه الفكرة الغريبة ولم أحصل على ردٍّ منهُ حتّى الآن.
«خلف الأبواب المغلقة وعندما تدخل بيوتهم فسترى صراعًا حول تعريف من هو المسلم الحقيقيّ»
في بداية برنامج «مسلمون مثلنا» بدأ المذيع بعبارة مثيرة حين قال: «ظاهريًا؛ مسلمو بريطانيا والبالغ عددهم 2,7 مليون نسمة يبدون متشابهين في عقائدهم، ولكن خلف الأبواب المغلقة وعندما تدخل بيوتهم فسترى صراعًا حول تعريف من هو المسلم الحقيقيّ». وفي نظري هذه الفكرة الأساسية التي ينطلق منها البرنامج. ولذلك دعونا نتعرف على هذا الصراع الذي يحدث داخل بيوت المسلمين في بريطانيا حول الهوية الإسلامية وحول تعريفهم للإسلام. وربما ينطبق هذا على كثير من بيوت المسلمين حول العالم.
يجمع البرنامج 10 رجال ونساء من أعراق مختلفة وطوائف مختلفة في بيت واحد في مدينة يورك البريطانية لمدة عشرة أيام. وهم خمسة رجال وخمس نساء، شيعة وسنة وغيرهم ممن لم يذكر مذهبهم أو طائفتهم، ويمكن للمشاهد أن يصنف بعضهم فكريًا: كمعتدلين وبعضهم كمتساهلين وبعضهم كمتطرفين. وكلهم يحملون الجنسية البريطانية ولكن من أعراق مختلفة، فمثلاً: هناك عجوز بريطانية بيضاء، وشابة بريطانية إيرانية، وشابان بريطانيان أسودين، وشاب بريطاني عربي سوري، وشابان بريطانيان باكستانيان، وشابتان بريطانيتان باكستانيتان، شكّل ذلك خليطًا متناقضًا ومختلفًا مما أعطى البرنامج طعمًا خاصًا.
الإرهاب، والمثلية الجنسية، والعلاقة بين الرجل والمرأة
تناول البرنامج عددًا من المحاور الشائكة فعلاً بين المسلمين، والتي قد تثير عاصفة من النقاش والجدل والحروب الكلامية في أي بلد إسلامي؛ مثل الإرهاب، والمثلية الجنسية، والعلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية، وحجاب المرأة المسلمة، والعلاقة بين السنة والشيعة، والفكر التكفيري لدى مؤيدي داعش، ومعاناة السود المسلمين من العنصرية من قِبَل بقية المسلمين، وكذلك فكر الإرجاء القائل بأنّ إيمان المسلم بالله كافٍ لدخول الجنّة دون الحاجة لصلاةٍ أو صيامٍ أو عبادة، ومواضيع مختلفة وعميقة من مسائل الإيمان والآخرة والجنة والنار.
“عبد الحقّ” شابٌ أسود من أهمّ المشاركين في البرنامج، وقد كان مسيحيًا، ثم أسلم عام 2006، أي قبل ظهوره في البرنامج بـ11 سنة. وكان اسمه أنتوني سمول. وهو ملاكم محترف وعرف عن نفسه في بداية البرنامج بأنه مسلم أصولي.لديه قناة في YouTube يدافع فيها عن الدولة الإسلامية في العراق والشام ويحمل شعاراتها واتهمته الشرطة البريطانية بأنه حاول الانضمام لداعش في سوريا ولكن لم تسنح له الفرصة. وقد شارك عام 2010 في مظاهرة في شوارع لندن ضد تدخل الجيش البريطانيّ في أفغانستان. وكان عنوان المظاهرة “مسلمون ضد الحروب الصليبيّة”. عبد الحق شخصيّة مثيرة للجدل وبعد هذا البرنامج ازداد الجدل حوله أكثر.
وقد سُئل ريتشادر مكيرو المسؤول عن شركة Love Production، كيف لها أن تستضيف مؤيدًا لداعش في أحد برامجها؟ فقال: “إن عبد الحق لديه وجهات نظر مثيرة للتساؤل وقد ترددنا كثيرًا في استضافته، ولكن بعد نقاش طويل مع بي بي سي والجهات التي نعمل معها قررنا استضافته. وذلك لأسباب مهمة؛ منها أن نكشف للناس الدعوى الكاذبة عن أن المسلمين لا يحاربون الفكر المتطرف بينهم. وكذلك ليرى الناس كيف أن المسلمين يقاومون الأفكار المتطرفة بين أفراد الجالية المسلمة ويفنّدونها”. ويرى مكيرو أن هذا هو الهدف الرئيس من هذا البرنامج.
وكانت قضية عبد الحق من الدقائق الأولى للبرنامج هي حرمة الاختلاط بين الرجال والنساء في البيت الذي سيعيشون فيه 10 أيام. وأحضر مطويات وأوراق تحمل آيات قرآنية وأحاديث نبوية عن تحريم الاختلاط. وكان في البداية يتجنب الجلوس مع المجموعة إذا جلسوا مع بعضهم على طاولة ويتجنب النظر لعيون النساء كذلك. ومع اكتمال العدد في البيت كانت شرارة النقاش الأولى هو موضوع الاختلاط بين الرجال والنساء الأجنبيات والتي أشعلها عبد الحق.
لا مانع بأن أكون مسلمًا ومثليًا في آن واحد
وكان هناك لحظة تحول طريفة في البرنامج وهي عندما اكتشف عبد الحق وهو صاحب الفكر المحافظ جدًا خلال النقاش مع فرحان الباكستاني؛ أن فرحان مثلي الجنس، ويقول لا مانع بأن أكون مسلمًا ومثليًا في آن واحد. ويبدو أن هذا النقاش لم يخطر على بال عبد الحق أنه سيدخل فيه يومًا ما. لقد كانت هذه اللحظة لتكشف لنا هذا النوع من الحوار الذي يمكن أن يكون بين هذين الصنفين من الناس. طبعًا، قال عبد الحق بكل صراحة لا يمكن أن يكون المرء مسلمًا ومثليًا في نفس الوقت، وقال له “لكم دينكم ولي دين”. ولم يكن عبد الحق هو الوحيد الرافض لهذه الفكرة فقد كان البراء الشاب السوري أيضاً معارضاً لهذه الفكرة. ودار بينهم نقاش مهم بعدها حول هل فاعل الكبيرة مسلم؟ وهل مستحل الكبيرة مسلم؟ وما الفرق بينهما.
سنّي لشيعية: “من بدل دينه فاقتلوه”
ولكن النقطة الخطيرة في البرنامج هو عندما صرح عبد الحق بأن زهراء وهي امرأة باكستانية شيعية ليست مسلمة كونها شيعية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: “من بدل دينه فاقتلوه”. والخطير في الموضوع أنه كان يتعاطى مع هذا الحديث النبوي بكل تبسيط وتسطيح كما قال البراء- صاحبه في البرنامج. فالحكم بالتكفير هي مسألة تتصل بالحاكم ومنظومة القضاء وليست مسألة يتناولها فرد ويصدر فيها الأحكام ويفكر في التنفيذ.
في الثلث الأول من الحلقة الأولى؛ أثير نقاش حول حادثة نيس في فرنساالتي وقعت في يوليو 2016، حيث قاد رجل شاحنة بضائعًا ودخل بها لمنتزه إنجليس حيث يحتفل الناس باليوم الوطنيّ الفرنسيّ وقتل 84 شخصًا بينهم نساء وأطفال. وقالت “نائلة” كلامًا حول أن الإرهاب دائمًا يشار فيه للمسلمين ولكن لم نسمع كلامًا عن الإرهاب الغربيّ وعن جرائم الدول الغربيّة تجاه البلدان المسلمة وما فعلته في الماضي (تقصد أيّام الاستعمار).
وفي هذا النقاش عبّر “عبد الحق” عن ألمه وحزنه على المسلمين الذين يقتلون في كل مكان.
وفي أكثر من موقف كان الجميع يقفون ضدّ عبد الحق عندما يوجه النصائح عن الحجاب والجلباب ويحذر من الاختلاط أو موالاة الكفّار، ويهاجمونه بطريقة قاسية وخصوصًا “صبا” العجوز البريطانية البيضاء، وقد أشارت بأن ما يقوم به عبد الحق من نصح يعتبر إهانة لهم كمجموعة. وتقول الأولى هو “أن تساعدنا في تنظيف المطبخ بدل الجلوس وتوجيه النصائح لنا”.
المسلمين والنسوية
كانت “صبا” -العجوز البريطانية البيضاء المسلمة- تتبنى مفهومًا نسويًا تجاه الرجل وقد ظهر ذلك عندما قالت هكذا هم الرجال المسلمون يوجهون الأوامر ويأمرون النساء بلبس العباءات السوداء والعمل في البيت ويزعمون أن ذلك من السنة. وهنا نرى نموذجًا مختلفًا للمرأة المسلمة التي تتبنى الطرح النسوي الغربي تجاه علاقة الرجل بالمرأة في الإسلام.
في إحدى اللقطات دعا عبد الحق الجميع للمشاركة في نشاط دعوي في الشارع وذلك بتوزيع مطويات على المارة عن الإسلام. والطريف عندما قام بشرح محتوى المطويات قال هذه عن “الشريعة الإسلامية” وهذه عن “الدولة الإسلامية” فأعتذر الأغلبية عن المشاركة. ويبدو أنّه قد ارتبط في أذهانهم مفهوم “الدولة الإسلامية” بـ” الدولة الإسلاميّة في العراق والشام” وهنا تظهر جناية الإعلام على المفاهيم الإسلامية.
في لقطة أخرى طلبت نائلة -والتي سئلت هل أنت مسلمة جيدة؟ فقالت: أنا إنسانة جيدة- من الجميع الذهاب لحفلة كاريوكي في حانة قريبة ليرقصوا ويستمتعوا بوقتهم حسب ظنهم. وقد وافق أكثرهم للذهاب والاحتفال. وفي طريق العودة التقى البراء -الشاب السوري- في الشارع شخصًا من أنصار “إتحاد الدفاع عن إنجلترا” EDLوهم مجموعة مناهضة للاجئين وخصوصًا المسلمين ويدعون لتطهير إنجلترا من اللاجئين. وقد حاول البراء إظهار السماحة واللطف لذلك الشاب الذي لم يكن مرتاحًا لهذا الحوار.
الإيمان يكفي عن العمل
في الحقيقة أن نائلة كان لديها أسئلة كثيرة ومفتوحة للغاية عن الله وعن الجنة والنار والثواب والعقاب. ويبدو أنها مقتنعة بأنّ الله أرحم مما يتصوره المسلمون وأنه لن يعاقبنا لذنوبنا ولن يحسابنا على أفعالنا. مقاربةً بذلكَ مذهبَ “الإرجاء” القائلِ بأنّ الإيمان يكفي عن العمل.
ومن اللقطات الإنسانية في نهاية الحلقة الأولى طلب نبيل -شاب بريطانيّ مسلم أسود من أصل نيجيري- من الجميع المشاركة في طبخ وإعداد الطعام لأكثر من 100 مشرد في مطبخ تابع لإحدى كنائس مدينة يورك. وقد شارك الجميع في الطبخ وتقديم الطعام والحوار مع المشردين. وكانت وجهة نظر نبيل أن الدعوة الحقيقية للإسلام هي بالإحسان لهؤلاء الفقراء والمشردين بدل دعوتهم المباشرة بالمواعظ والحوارات. الأفعال خير من قولك: “أسلم الآن واحصل على طبق شوربة!”. ويقول: “الدعوة الحقيقيّة هي التي تلامس مشاعرك وليس التي تخاطب عقلك فحسب”.
أما الحلقة الثانية فتركّزت حول “الهويّة” وفروعها، الهوية الإسلامية والهوية البريطانية والهوية الطائفية والهوية العرقية، كانت هذه الحلقة على صفيح ساخن. إنها المعركة حول روح الإسلام. صبا -العجوز البريطانية البيضاء المسلمة- تقول: “إن لم تندمج فهذا لن يجعلك غريبًا فحسب بل أحمقًا كذلك”.
وفي جلسة حوار في بداية الحلقة عرض نبيل نتائج استبيان وزع على المواطنين البريطانيين عن نظرتهم لاندماج المسلمين في المجتمع البريطاني. ودار حوار بين المسلمين العشرة عنه، وانتبه نبيل – المسلم الأسود- لتحيز صبا مع مجتمعها البريطاني ودفاعها عنه وكذلك تصلبها تجاه عبد الحق – المسلم الأسود الآخر- ومنعه من المشاركة في الحوار والتعبير عن رأيه بل ونعته “بالذكوري المتسلط”. وهنا التفت نبيل للعنصرية التي تحملها صبا المسلمة البيضاء تجاهه كمسلم أسود- كما يعتقد.
المسلمين مابين العنصرية والهوية
ولاحقًا جرى حوار مهم بين نبيل -الشاب الأسود- وبين صبا- العجوز البيضاء- عن طريقة حوارها معه ومع عبد الحق وقال بأنها تتعاطى معهما بطريقة عنصرية ولا تسمح لهما بالحديث عن عنصرية البيض البريطانيين تجاه السود والمسلمين. وشاركت حميراء -وهي شابة بريطانية مسلمة من أصل باكستاني- برأيها بأن الإسلام يحث على المساواة ولكن النساء والسود يعانون الأمرّين في مجتمعاتهم المسلمة.
هنا نصل لمنعطف مهمٍّ في البرنامج وهو أن طُلِبَ من 4 بريطانيّين غير مسلمين زيارة هؤلاء العشرة مسلمين (المختلفين) والتعرف على الإسلام من وجهة نظرهم. الأربعة هم بتريسيا بريطانية بيضاء كاثوليكية بالاسم فقط، وجون كاثوليكي بريطانيّ من أصل باكستانيّ، وتوم بريطانيّ أبيض ملحد، وجايسون بريطاني أبيض غير متديّن كما يصف نفسه.
وبعدها طلب جون البريطاني الكاثوليكي الباكستاني من الجميع الذهاب معه للسلام على قبر أبيه الضابط في الجيش البريطاني والذي قتل دفاعًا عن بريطانيا وعنهم جميعًا كبريطانيّين. وطبعًا كان أول الرافضين هو عبد الحق والذي قال عن والد جون وأشباهه من الضباط البريطانيّين أنهم كانوا غزاة لبلاد المسلمين فكيف أذهب للسلام عليه؟! وفي هذا المشهد ينكشف لنا ملمحٌ من ملامح الهوية البريطانية الملتبسة، و الذي قد يصعب على بعض المسلمين البريطانيين تقبّله أو اعتناقه فكيف الفخر والاعتزاز به؟!
والعجيب في المشهد أن عبد الحق عندما غادر المكان رافضًا للفكرة؛ كانت صبا -العجوز البريطانية البيضاء المسلمة- مؤيدة لعبد الحق ورافضة للذهاب مثله. والأعجب من ذلك هو أن صبا وحميراء واللتان تعتبران من أكثر المجموعة انفتاحًا وتقدمًا كانتا من الرافضين -مع عبد الحق صاحب الفكر المتشدد في نظرهما- لفكرة زيارة قبر ضابط بريطاني غير مسلم والسلام عليه.
“هل أنت مسلم أولًا أم بريطاني أولًا؟”
بالنسبة للمجتمع البريطانيّ وخصوصًا البيض منهم؛ نائلة وفرحان يعتقدون بأنهم سببٌ رئيسٌ في عدم اندماج المسلمين، حتى على مستوى الأسماء هم لا يتقبلون نطق أسماء المسلمين بل يغيرون نطقها لأسماء غربية لاتينية. فرحان يقول عن جايسون أنه قرر أن يسميني “فرديناند” بدل “فرحان”. وكان هناك لحظة مؤثرة لحميراء وهي تذكر موقف عنصري حصل تجاهها كشابة مسلمة.
كذلك أخذ جايسون الجميع في رحلة حول مدينة يورك وخصوصًا حول الكنيسة الرئيسة في المدينة وسأل “مهرين” وهي شابة بريطانية إيرانية مسلمة عن إن كانت تنظر لمبنى الكنيسة كجزء من تراثها كبريطانية فأجابت: لا!
وقد طُرح سؤالٌ بسيطٌ وعميقٌ في نفس الوقت على المسلمين المشاركين في البرنامج وهو: “هل أنت مسلم أولًا أم بريطاني أولًا؟”. “فنبيل” مثلًا قال بأنه مسلم أولاً قبل أن يكون بريطانيًّا، وتساءلَ عن المشكلة في ذلك؟ بينما استنكرت “زهراء” السؤال من الأساس مُعتبرةً إيّاه سؤالًا غير منطقيّ. أما “فرحان” فقال أنّه سكوتلانديّ قبل كل شيء.
قابلت شابًا سنيًا وكان يريد الزواج بها ولكنه حينما علم أنها شيعية تراجع عن ذلك، بالرغم من أنه كان متزوجًا بامرأة غير مسلمة
وفي هذه الحلقة، دار حوار مهم وحسّاس عن علاقة السنة والشيعة. تقول زهراء أنها قابلت شابًا سنيًا وكان يريد الزواج بها ولكنه حينما علم أنها شيعية تراجع عن ذلك، بالرغم من أنه كان متزوجًا بامرأة غير مسلمة قبلها. وذروة الحوار كانت عندما صارح عبد الحق زهراء بأن الشيعة الذين يسبون الصحابة بأنهم كفار ومن أهل النار. وعندما سألته لو أن أحد قتلها وهي ذاهبة للمسجد ما حكم ذلك؟ فقال: “إذا كنت مسلمة؛ فأنت شهيدة” وهذا فيه إشارة ربما لكونها ليست مسلمة.
في الواقع هناك الكثير من الأفكار والمحاور التي دارت حولها النقاشات في البرنامج ويصعب عليّ تلخيصها أو الحديث عنها في هذه المساحة ولكنّني أرجو أن تدفع هذه المقالة كل من يقرأها لمشاهدة هذا البرنامج -ذو الحلقتين- والنظر لكيفية اختلاف بعض المسلمين واتفاقهم على ما يدور حولهم في هذا العالم.