في الحرب القذرة، «ما دون الحلوق إلا اليدين»!

إذا كنت أيها المتعاطي تظن أن تجّار المخدرات العابرين للقارات ومروجيها يفعلون ذلك حرصًا منهم على مزاجك الكريه، فأنت تجمع الغباء من كل أطرافه.

خلق الله الإنسان ثم ميّزه من بقية الخلق بالقدرة على استخدام عقله بطريقة لا تستطيعها بقية الكائنات الحية التي تشاركه كوكب الأرض. صحيح أنه يفسد كل شيء يحيط به تقريبًا حين يستخدم عقله بشكل خاطيء، لكني مؤمن بأن أغبى ما يمكن أن يفعله إنسان يعمل عقله بالحد الأدنى الذي يميزه عن بقية البهائم هو أن يحاول التخلص من عقله بتعاطي المخدرات. الفعل غبي إلى درجة أن البهائم، شخصيًا، لو عرفَت أن الإنسان يمارس مثل هذه التصرفات لاستنكرت وجوده معها في المجرة نفسها، ولسَخِرت من عقله والطريقة التي يستخدمه بها. 

والإنسان لا يكف عن ارتكاب الحماقات منذ أن وطأت قدماه الأرض، والحماقة التي تؤذي مرتكبها وحده، وتذهب به «إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم» ليست سيئة بالضرورة، بل قد تكون حماقة مفيدة تسهم في جعل الأرض مكانًا أشدّ سلامًا وطمأنينة. لكن المعضلة تكمن في الحماقات التي يتعدى أذاها ويؤثر في غير مرتكبيها. وأبرز مثالين على هذه الحماقات هما الحرب، وترويج المخدرات وتعاطيها. وكل واحدة منهما منفردة تؤذي وتضر، وتفتك بالأفراد والمجتمعات، فكيف إذا كانت حربًا سلاحها المخدرات؟! إنها حماقة مركّبة أشد فتكًا وأذى.

وإذا كنت أيها المتعاطي تظن أن تجّار المخدرات العابرين للقارات ومروّجيها يفعلون ذلك حرصًا منهم على مزاجك الكريه، ومساعدة منهم على تعطيل عقلك حتى تنسى همومك ومشكلاتك فأنت تجمع الغباء من كل أطرافه. هم يستخدمونك لإيذاء غيرك، بدايةً بأهلك وأسرتك ومرورًا بمجتمعك، وكل من تعرفهم، انتهاءً بوطنك واستقراره وأمنه. 

أنت مجرد أداة يجري تحويلها إلى «معول» هدم وإجرام، وأنت «غبي» بما يكفي لتظن أنك مجرد شخص يبحث عن سعادته في الانفصال عن واقعه من خلال تغييب عقله. 

لو أن الأمر يخصك وحدك ولا يتعدى أذاه إلى غيرك، لربما قلنا «اذهب إلى الجحيم» طائعًا مقتنعًا من باب حرية الاختيار، لكن الأمر ليس كذلك. أنت بمجرد أن تدخل هذا العالم المظلم تفسد كل شيء، بداية بأحلام والديك وفرحتهما بقدومك إلى هذا العالم. وآمالهما بأن تكون شيئًا مفيدًا، التي تحولت بفضلك إلى أن يحلما فقط بألّا تكون «شيئًا» مؤذيًا حتى لو لم ينفع وجودك حتى الطفيليات والبكتيريا التي تعيش على فراشك. أنت تحوّل كلّ محيطك، حتى الحي الذي تسكنه، إلى مكان مشبوه لا يعبره الناس إلا مكرهين. أنت تشوّه سمعة كل ما ينتمي إليك وإنْ لم يكن له ذنب في حماقاتك. أنت ببساطة «ظالم يظن أنه مظلوم». 

Giphy 3
الإنسان الغبي / Giphy

دعونا نتفق على أن كل أطراف معادلة إنتاج المخدرات وترويجها وتهريبها مجرمون يجب أن يحارَبوا بكل وسيلة ممكنة، لكني أظن أن «المواطن» الذي يشارك أو يساعد أو يسهل دخول المخدرات إلى وطنه زاد على رذيلة الإجرام رذائل الخيانة والخسة والأنانية والدونية والوضاعة. لا أظن أن بينه فاقًا يذكر وبين من يقاتل في صفوف العدو ضد أبناء وطنه. بل ربما كان الثاني أهون؛ لأنه واضح بما يكفي للحذر منه. أما الأول فإنه قد يكون وجهًا اجتماعيًا مقبولًا، وربما يتدثر بغطاء العمل الخيري والإنساني. وربما يكون ذلك الشخص الذي «فُتنتَ» بأخلاقه واستقامته وتمنّيت أن تصبح مثله يومًا ما. 

ولذلك فإن الجهود التي تبذلها الدولة السعودية داخليًا وخارجيًا تُفهم على أنها دفاع عن أمنها واستقرارها وشعبها في حرب أصبحت مكشوفة واضحة المعالم، فضلًا عن كونها أمرًا يجب على أيّ أمة ضد وباء قاتل مدمر.

والأمر لا يحتاج إلى عبقري أو شخص «مكشوف عنه الحجاب» ليكتشف خطورة الأمر وأنه ليس مجرد تجارة مخدرات تبيعها عصابات تهدف إلى الربح المادي (ليس إلا) دون أي اعتبارات أخلاقية. لأن مجرد رؤية الكميات التي تُكشف كل يوم في المنافذ الحدودية سيبيّن بوضوح أن الأمر أكبر من إمكانات العصابات وتجار المخدرات التقليديين. 

الأمر ليس بالسهولة التي يظنها البعض، ولا يخص آخرين لا نعرفهم، إنه خطر يكاد يكون قريبًا إلى الجميع بشكل أو بآخر، ولذلك فإنه «ما دون الحلوق إلا اليدين»، وأي إجراءات، مهما كانت صعبة ومزعجة لن تكون أصعب ولا أشدّ ألمًا وإزعاجًا من تفشي هذا الداء. 

التضييق على المتعاطين من خلال الكشف الدوري على الموظفين في القطاعات الحكومية والخاصة، حتى على طلاب الجامعات، يعني التضييق على المنتجين، لأن التجارة تبور وتتلاشى أرباحها حين يقل الطلب ويندر وجود «المستخدم النهائي» للسلعة. 

ومع أن الجهد الحكومي واضح في هذا المجال، إلا أن الدور المجتمعي مهم أيضًا، لا أعلم الكيفية ولا الآلية، ولكن حين يواجه الخطر الجميع فلا بُد أن يعي كل فرد دوره ومهمته في مواجهته. وحين تعتقد الأسرة أنها تحمي ابنها بالتستر عليه بعد تأكدها من دخوله «نفق المخدرات» المميت فإنها في واقع الأمر لا تفعل سوى الحفر أكثر وتعميق الحفرة التي أوقع نفسه فيها، وواجبها هو حمايته من نفسه وحماية نفسها من تبعات تصرفاته وحماية المجتمع من شخص خطِر يسير بين الناس متخلّيًا عن عقله، وأول وسائل الحماية وأهمّها الاتجاه إلى المكان الصحيح الذي يرشدهم إلى التصرف الأمثل، حسب حالته، سواءٌ أكان متعاطيًا أم مروجًا، أو في أول الطريق أم آخره، مع أن أول هذا الطريق قبيح مثل آخره. 

الإنسانالمجتمعالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!