فلم الخطابة: تجربة مختلفة تنتمي إلى سينما الرعب النفسي
في تجربة قد تكون الأولى في نوع الرعب النفسي، تدور معظم أحداث «الخطّابة» في مسرح العُلا، وسط محيط من المناظر الطبيعية.
الحياة ليست كما تبدو في الأفلام، الحياة أصعب بكثير.
فلم الخطابة: تجربة مختلفة تنتمي إلى سينما الرعب النفسي
فراس الماضي
هذه تجربة سينمائية جديدة تقدمها أستوديوهات «تلفاز 11» للمشهد السينمائي، فبعد عدة تجارب كوميدية سابقة قدمت الشهر الماضي على منصة «نتفلكس» فِلم «الخطّابة» من إخراج عبدالمحسن الضبعان، وبطولة حسام الحارثي وريم الحبيب ونور الخضراء.
وفي تجربة قد تكون الأولى في نوع الرعب النفسي، تدور معظم أحداث «الخطّابة» في مسرح العُلا، وسط محيط من المناظر الطبيعية التي تظهر لأول مرة في السينما السعودية، وعبر مشهد افتتاحي بلقطات متحركة، تحكي عجوزٌ قصة «عليا» التي لم يستمع إلى ألمها من زوجها أحد سوى أذن في الصحراء متمثلة في «صبا المدسوسة»، التي من خلالها ستحقق عليا (ريم الحبيب) انتقامًا منتظرًا، ليس مما جرى لها فحسب، بل من كل عذاب النساء بعدها.
ومن حكايات العجائز الأسطورية و«الكان ياما كان» في الليالي المعتمة، وسط المناظر المهيبة للكهوف المشتعلة، ننتقل مباشرةً إلى الرياض، حيث مظاهر المدنيّة القصوى، ومكاتبها الحديثة داخل ناطحات السحاب الحديدية، وعند «طارق» (حسام الحارثي) موظف تقنية المعلومات الذي يعيش حياة بعيدة كل البعد عن واقعه المتمثل في زوجته وابنته، متلصصًا فوق الأسطح صوب النوافذ التي يرى خلفها أشخاصًا سعداء بالحب، معزولًا عن كل المشاعر التي قد تبث في حياته روحًا متجددة، ليرى في يومٍ من الأيام في الشركة التي يعمل بها المتدربة «سلمى» (نور الخضراء)، التي قد تبث فيه بصيص أملٍ في حياة تختلف عن حياة التلصص والآذان المتسمرة على سماع «البودكاستات» الحوارية المتكررة عن الرجل والمرأة.
ومن خلال اتباعه الطريق الذي تقوده إليه خطوات «سلمى» (على رغم اتسام رحلته بالقرارات الساذجة) يذهب ترقُّب «طارق» إلى احتمالية الإشراقة المنتظرة في حياته إلى منطقة سياحية بطابعها الثقافي والتاريخي، ليحمل ذلك المكان «لعنة» مرتبطة بالخرافة القديمة والطوائف المختبئة، فلا يخفى هنا ما يستمده الفِلم من تأثر بالحركة الحديثة لأفلام الرعب النفسي التي قدّمتها «أي 24»، وبخاصة عمل آري أستر «Midsommar 2019» أو «Hereditary 2018»، بل في دوافع الطائفة الانتقامية وعودتها إلى الجذور الاجتماعية كما هي في أعمال جوردان بيل.
بصيرة في سباق مع العين
وعلى رغم براعة حسام الحارثي في أدائه دور «طارق» الذي بدا أنه مستوحًى من شخصية كولين فاريل في «The Lobster 2015» شكلًا وتكوينًا –وهو من إنتاج «أي 24» كذلك– إلا أن هناك فجوة تواصلية بين حركة «طارق» والمتلقي، وهي عزلة منطقية قبل أن تصبح نفسية لاحقًا، حيث يكون المتلقي فيها أذكى من الشخصية، عارفًا كذلك مآلات الوجهة التي يتحرك فضول «طارق» إليها، إضافة إلى كشف الستار عن جوهر الطائفة في مشاهد الفِلم الافتتاحية وسدله على عناصر تكوينها، ففي حالة كثّف الضبعان الغموض فيها، يذهب «طارق» إلى المكعب السحري الذي تركته «سلمى» في مكتب «أبو معاذ» مع درايتنا الكاملة بارتباطه بشعوذات «الخطّابة»، وعند وصول كولين فاريل إلى الفندق فإنا جميعًا، سوى «طارق»، نرى كم هو مريب ذلك المكان.
ولأن السينما فن لا آفاق لاحتمالاته، فإن هنالك شواهد سينمائية عدة تغلبت على منطق المتلقي من خلال تعزيز جوانب نفسية مرتبطة بالوسيلة نفسها، فعلى رغم براعة الضبعان في تكوين إطارات بديعة جاءت بالتعاون مع المصوّر السينمائي التونسي طارق بن عبدالله، التي لم تنحصر جودتها في المشاهد الخلابة لمدينة العُلا فحسب، بل في كيفية إدارة الإضاءات الداخلية والخارجية التي كانت أزمة لمعظم أقرانه.
على رغم ذلك إلا أن تلك البراعة في الوقت ذاته منعت فِلم «الخطّابة» من إيجاد حالة ارتباط نفسي مع شخصية «طارق»، ليس بسبب الجماليات التي حكمت صورة الضبعان هنا، بل لأنها كانت أقرب إلى «طارق» وأبعد عما يتتبعه (فهو في حالة تلصص واقتفاء طوال مجريات العمل)، إذ إن صورة «طارق» البريئة عند استراقه النظر أو في غرابة جريه عند حالات هربه (وهي بديعة في نواحيها المرئية) جعلت الكاميرا تبدو في حالة غرامية مع «طارق» أكثر من فضولها إلى تكوين حالة تقصٍّ نفسية لما يقتفيه.
بين طارق وسلمى
لا يخفى أن أكثر ما يعزل منطق المتلقي الاستنتاجي عن الصور التي يتعرض لها كامنٌ في فضول العين إلى ما تشير إليه أنظار شخصياتها، المتتبعة بشكل غريزي ما هو مختلف بصريًا عن ما يحيط بها (شكلًا أو لونًا)، أو ما هو إغوائي، وكل هذه عوامل اتّكأ فِلم «الخطّابة» نظريًا عليها دون تفعيل ذلك بصريًا، ونظرًا إلى أن «سلمى» عنصر جاذب لنظرات «طارق» الذي شد رحاله إلى العُلا بسببها، فعلى عكس فِلم «أغنية الغراب» – الذي أغرق السلمان فيه رومنسية ظهور «هديل» – تفادى فِلم «الخطابة» أدوات الجذب النفسية التي تتحرك الشخصية نحوها مقابل تعزيزه مركزية «طارق».
وبغض النظر عن مشاهد التتبُّع التي تركزت بشكل شبه تام على «طارق»، وبحركة كاميرا لا تتوقف إطلاقًا عن التقريب البطيء في لقطاتها، أو لما يمكن تسميته «حمى أنقيلوبولوس». فإن هنالك التقاطة استمرت دقيقة كاملة في السلّم في أثناء تتبع «طارق» «سلمى»، وحينما وصل إليها ظلّت الصورة ثابتة مستمرةً في حجبها «سلمى»، كما لو أن «طارق» ليس متتبعًا سوى وحدته «السايكوباتية» التي ترغب بمغيّرٍ لذلك لا في شيء ما بحد ذاته، لينقضّ الفِلم ذلك بعدها في محاولة دخيلة لإيجاد عمق مفاجئ لشخصية «سلمى»، أو إلى خط سردي مليء بالتحوّلات الأخلاقية التي لم يكن الفِلم بحاجة إليها.
قد لا يكون «الخطابة» عملاً نتوقع من الضبعان صناعته من حيث النوع، والمتمثل في اتجاهه إلى سينما «الجنرا» والرعب النفسي على وجه التحديد، لكنّ مزيج الإيقاع الهادئ للصورة مع تصاعد الحالة النفسية للسيناريو، وأوربّية الشخصية الرئيسة مع تميّز محلية الأداءات الثانوية (كما لدى جبران الجبران)، إضافة إلى إدخال «تكنيكات» سردية حديثة على السينما السعودية -وهي تفتقد ذلك كثيرًا- بغض النظر عن جودة تطبيقها، كل تلك سمات تثمّن من تجربة «الخطابة» التي قد يحتاجها الفِلم السعودي اليوم، وحتى إن لم يجد الفِلم جمهوره الآن فإن أفلام الطوائف دائمًا ما تجد في الغد المنتظَر جمهورًا لها.
أخبار سينمائية
سجّلت السينما العربية رقمًا قياسيًا في مهرجان «كان» السادس والسبعين بمشاركة أربعة عشر فلم عربي مشارك في مهرجان كان السينمائي القادم تسع أفلام طويلة وخمس قصيرة، ومشاركة أولى لعدد من الدول مثل السودان والأردن، وأهم هذه المشاركات فلم «بنات ألفة» للمخرجة كوثر بن هنية الفلم المنافس في المسابقة الرسمية.
خمسة أفلام من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تلقّت دعم صندوق البحر الأحمر للأفلام خلال مهرجان كان القادم.
يعرض الآن
يواصل فِلم «John Wick: Chapter 4» تميزه في شباك التذاكر السينمائي السعودي بعد 3 أسابيع من عرضه في صالات السينما.
بدأ عرض الأربع حلقات الأخيرة من الموسم الأخير لمسلسل الكوميديا السوداء «Barry» المسلسل الذي يواصل نجاحه موسمًا بعد آخر ويحقق مشاهدات عالية في منصات المشاهدة.
يعرض الأسبوع المقبل في صالات السينما السعودية فلم «BlackBerry» الذي يحكي عن تاريخ عملاق الأجهزة الإلكترونية الذي جاء صعوده سريعًا ليتربع على عرش الهواتف المحمولة، ويسلط الضوء على كيفية التفوق على المنافسين ومن ثم الهبوط سريعًا. الفلم عُرض بداية هذا العام في مهرجان برلين السينمائي.
توصيات سينمائية
5 أفلام مهمّة لم تُرشّح لجائزة «أوسكار»!
فلم «Heat»
بعد اجتماع النجمين الأسطوريين روبرت دي نيرو وآل باتشينو في الجزء الثاني من ملحمة «العرّاب» «The Godfather»، يلتقيان مرة أخرى في فِلم «Heat»، من إخراج مايكل مان صاحب أفلام شهيرة مثل «Public Enemies» و«Collateral» و«The Insider». حقق الفِلم نجاحًا تجاريًا ونقديًا كبيرًا، ولكنه لم يقنع أعضاء الأكاديمية لترشيحه في أي من فئات الجائزة، ليتحول بعد سنوات إلى واحدة من الأيقونات السينمائية.
فلم «The Shining»
فِلم المخرج الأسطوري ستانلي كوبريك الذي يمتد أثره الفني إلى أجيال وأجيال من صناع السينما الذين تأثروا بلغته السينمائية الثرية وأسلوبه الفني المميز. فِلم «The Shining» هو أحد الأفلام التي أعيد اكتشافها بعد سنوات من عرضها، لتتجاوز القالب التجاري والتصنيف النوعي كفِلم رعب، إلى ما هو أكثر وأعمق من ذلك. الفِلم مقتبس من قصة الكاتب الأمريكي الشهير ستيفن كينق، ومن بطولة النجم الكبير جاك نيكلسون.
فلم «The Good, the Bad and the Ugly»
واحد من أهم الأفلام الكلاسيكية التي لا تخلو منها أي قائمة لأفضل الأفلام في تاريخ السينما، ولكنه لم يحظ ولو بترشيح وحيد لجائزة «أوسكار». الفِلم من إخراج سيرجيو ليوني المخرج الأمريكي صاحب العلامات الشهيرة في أفلام «الويسترن»، ولم يُرشح لجائزة «أوسكار» على الإطلاق على رغم ما قدمه من أعمال مهمة من بينها «Once Upon a Time in the West» و«Once Upon A Time in America»، والفِلمان أيضًا لم يرشَّحا لأي من جوائز «أوسكار».
فلم «Mean Streets»
فِلم المخرج الأمريكي الكبير مارتن سكورسيزي الذي أسس من خلاله لأسلوبه الخاص ولغته السينمائية المميزة لاسيما في أفلام العصابات والجريمة في أفلام مثل «GoodFellas» و«Casino» و«The Departed» و«The Irishman». لم يلتفت أعضاء الأكاديمية إلى جوانب التجديد والإبداع التي مثلها هذا الفِلم في أحد الأنواع السينمائية الراسخة، كما لم يلتفتوا كذلك إلى أداء بطل الفِلم النجم الكبير روبرت دي نيرو. بعد سنوات لمع فيها نجم سكورسيزي على المستوى التجاري والفني، عاد الجمهور إلى هذا الفِلم وتحوّل إلى أحد أفلام طائفة «Cult Movies».
فلم «The Big Lebowski»
فِلم الأخوين كوين اللذين يمتلكان مسيرة فنية مميزة للغاية تضم أفلامًا مثل «Barton Fink» و«Fargo» و«No Country for Old Men»، وعلى رغم أنهما ليسا غريبين على منافسات «أوسكار»، إذ فاز كل منهما بأربع جوائز «أوسكار»، فضلًا عن 11 ترشيحًا آخر، فإن فِلم «The Big Lebowski» الذي يعد واحدًا من أهم وأفضل أعمالهما، لم يحظ ولو بترشيح وحيد في أي من فئات الجائزة.
مقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.