لماذا نحب زيارة الأسواق الشعبية؟
نحن في الحقيقة نحب زيارة الأسواق الشعبية ليس لنتعرف على المدينة وثقافتها، بل لنعود بالزمن إلى ما تعودنا عليه من طرائق عرض المنتجات.
أحب زيارة الأسواق الشعبية. وفي الرياض أزور سوق المعيقلية، ليس لأشتري بالضرورة، بل لأتمشى وأستمتع بأجواء المكان البسيطة. وفي مختلف رحلاتي خارج السعودية دائمًا ما تجذبني الأسواق الشعبية بما فيها من خضار وفاكهة ومأكولات وملابس وتحف، وغيرها من الأشياء المألوفة وغير المألوفة، التي لا يجمع بينها سوى بساطة طريقة عرضها.
وتنتشر في يوتيوب مقاطع مصوّرة لجولات الأسواق الشعبية، كثير منها تحت عنوان «تجربة أكل الشوارع». وقد شاهدت مقاطع منها جرى تصويرها في دولٍ كثيرة مثل باكستان ومصر وإيطاليا وغيرها من الدول. وعشت تجارب مماثلة لتلك المقاطع في رحلاتي المتعددة، منها جولة في العاصمة اليونانية أثينا، حيث زرت سوق الخضار. وهناك تذوقت عشرات الأنواع من الزيتون، وجربت عدة وصفات من المخبوزات.
التجربة كانت ممتعة. والعجيب أنني في جولتي في أسواق أثينا الشعبية، وجدت أن معظم العاملين في هذه الأسواق من غير اليونانيين. فمنهم عرب وأفارقة وشرق آسيويون، وكلهم يقدمون لك المنتجات بطريقتها اليونانية كأنهم أبناء أرسطو.
كان لي جولة أخرى في «سوق بورو» (Borough market)، سوق شعبي في العاصمة البريطانية لندن. لكن أيضًا كان السوق شبيهًا بأسواق أثينا؛ إذ إن معظم العاملين فيه من الأجانب -ليسوا بريطانيين. لكن اللافت أن ما يقدَّم في السوق ليس بالضرورة بريطانيًّا، بل تجد في أقسام كثيرة منه أطباقًا ومنتجات من مختلف أنحاء العالم.
وذكّرني هذا بالأسواق الشعبية في الرياض. فأنت تجد منتجات سعودية أصيلة، لكن ستجد معها منتجات عديدة لا تمت إلى الثقافة السعودية بصلة. وجدت مثلًا متجرًا صغيرًا يبيع مجسمات خشبية على شكل جمل، الذي هو من دون شك رمز من رموز الثقافة السعودية، ولكن كان بجانبه مجسمات على شكل فيل!
ما حصل أنَّ الأسواق الشعبية اليوم لا تعكس هوية المدينة فحسب، بل أصبحت تعكس مكونات النسيج الاجتماعي لها، الذي هو خليط من ثقافات وأعراق متعددة.
ونحن في الحقيقة نحب زيارة الأسواق الشعبية ليس لنتعرف على المدينة وثقافتها، بل لنعود بالزمن إلى ما تعودنا عليه من طرائق عرض المنتجات، ونبحث في السوق الشعبي عما يذكرنا بالماضي، حتى لو كان الماضي الذي يعرضه السوق مختلفًا عن الماضي الذي عشناه وألفناه.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.