مغرب يوم العيد!

المشجع العادي المحب لكرة القدم يجب أن يكون سعيدًا، لأنه شاهد أفضل نسخة من كأس العالم، وعاصر أجمل مباراة نهائية في تاريخ كأس العالم.

دخل عشاق كرة القدم بعد نهاية مباريات كأس العالم مرحلة «مغرب يوم العيد»؛ إذ تبدو الأشياء بطيئة ومملة، والحياة بالكاد تتحرك. إضافة إلى الكسل وعدم الرغبة في عمل أي شيء. وهذه المرحلة تستمر فترة قصيرة قبل أن يعودوا إلى ما اعتادوه قبل هذا التجمع. المشجعون في الغالب لديهم ذاكرة سمكية؛ ينسيهم هدف في الدقيقة الأخيرة من المباراة كل الكوارث التي شاهدوها طوال المباراة، والعكس صحيح أيضًا. 

شاهدت قبل نهاية كأس العالم ببضعة أيام مباراة في الدوري المحلي، لأني مبتلى بتشجيع أحد طرفي تلك المباراة. شاهدت عشر دقائق فقط، ولعلي بهذه المناسبة أقترح على الجهات الأمنية أن تعرض تلك المباراة وغيرها مما يشبهها على عتاة المجرمين المتمرسين الذين يصعب انتزاع اعترافاتهم؛ إني واثق أن أقواهم سينهار ويعترف بكل شيء قبل نهاية الشوط الأول. المحظور الوحيد في هذه الطريقة للتحقيق أنها قد تخالف المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ونزاهة الحصول على الاعترافات.

لقد جربت بنفسي، ووجدت رغبة في الاعتراف بجرائم لم أرتكبها بعد أول عشر دقائق، كنت أضع يدي على رأسي، وأدور في أرجاء الغرفة وأصرخ: أنا من أرسل إحداثيات بغداد إلى هولاكو، وأرسلت صورًا للكعبة إلى هاتف أبرهة الحبشي، أنا الذي اقترح على هتلر حرق اليهود، أنا الذي لمس الكرة بيده داخل منطقة الجزاء في الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع.

انتبهت فجأة كمن يستيقظ ضميره من تحت الأنقاض، وتساءلت: لماذا أعاقب نفسي، لماذا أرمي بها إلى التهلكة، هل ارتكبت ما يستحق هذا العقاب؟ ثم غيرت القناة هربًا وطلبًا للسلم النفسي، والنجاة من حفلة التعذيب التي كان يمارسها لاعبو ذلك الفريق ومدربهم على كل من تسول له نفسه أن يتابع مباراتهم.

وتبدو فكرة مشاهدة أي مباريات في أثناء كأس العالم غير مباريات البطولة تكفيرًا للذنوب، أكثر من كونها طلبًا للفرجة والترفيه والاستمتاع؛ فكيف إن كانت مباراة أحد طرفيها فريق ممل طوال أيام العام. تُلعب كرة القدم كل يوم، ولكن كأس العالم عيدها الرسمي، لذلك تكون المشاركة فيها شيئًا لا يشبه غيره، أما الفوز بها فهو غاية وطموح أي لاعب أيًا كان اسمه.

احتفل ميسي بالكأس كطفل، بدا أنه لم يكن ليرفض فكرة التخلي عن كل المجد الرياضي الذي صنعه مقابل لحظة رفعه لكأس العالم. وسعادته تلك كانت مشتركًا بشريًا بين سكان المعمورة، فباستثناء بعض الفرنسيين، وقليل من المتعصبين من محبي رونالدو، وثلة من الذين كانوا يريدون بقاء الكأس في أوربا متزينة بألوان قوس قزح، فإن ما يقرب من ثمانية مليارات إنسان كانوا سعداء برؤية ميسي يرفع الكأس انتصارًا للمنطق، ولطبيعة الأشياء. 

Tumblr D6523df1d0c22894c877e17d3509c87d 22fb0601 640
ميسي يرفع كأس العالم / DoingGreat

كان سبب السعادة أن لاعبًا مثل ميسي يستحق أن يكون كأس العالم ضمن إنجازاته، ولأنه يعني شيئًا للناس. وفرحة الأرجنتينيين وطريقة احتفالاتهم بالفوز تشرح كل شيء. ولا يحدد الفوز أفضلية لاعب على آخر، ولا يغير شيئًا في مقياس الأفضلية، فحتى منتخب الأرجنتين الفائز بكأس العالم قبل بضع ليال كان من بين لاعبيه من لا يستحق حتى مشاهدة كأس العالم في التلفزيون، فضلًا عن المشاركة في مبارياته والفوز به. ولو استمروا في رفع الكأس شهرًا كاملًا دون أن تنزل أيديهم لما تغير في الأمر شيء. لن يجعل الفوز بالكأس ماركوس أكونيا لاعبًا عظيمًا، كما لن تجعل الخسارة كيليان إمبابي لاعبًا عاديًا. 

المشجع العادي المحب لكرة القدم يجب أن يكون سعيدًا، ليس لأن فريقًا انتصر وآخر خسر؛ بل يجب أن يكون سعيدًا من أجل نفسه، لأنه شاهد أفضل نسخة من كأس العالم، وعاصر أجمل مباراة نهائية في تاريخ كأس العالم، يجب أن يكون سعيدًا لأن كرة القدم هي المنتصرة في هذه النسخة، وليست الأجندات الملونة.

يفترض أن يكون سعيدًا لأنه كان شاهدًا على النسخة المحترمة الأخيرة من كأس العالم، لأن هذا الكم من القيم العليا ومن كرة القدم لن يكون متاحًا فيما يبدو في قادم السنوات.

افرحوا الآن لأن أسباب السعادة متوفرة، ووفروا مخزونكم من النكد لقادم الأيام.

كأس العالمكرة القدمالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!