المغرب في مواجهة فرنسا: أكثر من مجرد مباراة
ثمة شعور مؤكد داخل قلوب الكثير من المغاربة، أن المباراة فرصة جيدة لإثبات إمكانية نجاح المغرب خارج السيطرة الفرنسية.
يسفر كل فوز للمنتخب المغربي خلال مونديال قطر 2022، عن احتفالات تتجاوز حدود المغرب والبلاد العربية حتى تصل إلى معظم العواصم الأوربية. ربما تفاجأ البعض بوجود مهاجرين مغاربة أو مواطنين أوربيين من أصول مغربية في معظم تلك الدول.
إلا أن الأمر بلغ ذروته عقب الفوز الأخير على البرتغال، حيث تأهل المنتخب المغربي إلى نصف نهائي البطولة لمواجهة فرنسا التي تأهلت في اليوم ذاته. كانت الاحتفالات في باريس صاخبة إلى الحد الذي جعل الشرطة الفرنسية تطلق الغاز المسيل للدموع على المحتفلين في الشانزليزيه.
لكن المثير هنا أنك، وفي قلب باريس، لن تتمكن أبدًا من تحديد مصدر سعادة هؤلاء المحتفلين، هل من أجل تأهل المغرب أم لتأهل فرنسا. حتى أعلام البلدين اختلطت اختلاطًا واضحًا، وهو ما يفسر لك فكرة ازدواجية الهوية التي دومًا ما تذكر عند الحديث عن المنتخب المغربي.
هاجر العديد من المغاربة للعمل في فرنسا في الستينيات والسبعينيات، ما شكّل جالية مغربية كبيرة يبلغ عدد سكانها اليوم 1.5 مليون شخص، نصفهم يحملون جنسية مزدوجة، وفقًا إلى تقرير برلماني صدر عام 2015 ومنهم المدرب وليد الركراكي.
استطاع منتخب المغرب، الذي ولد أكثر من نصف لاعبيه في دول أوربية، أن يتخلص من قلق الهوية خلال هذه النسخة من المونديال بشكل جلي؛ بل إن الركراكي أكد أنها ميزة واضحة، وشبه الأمر بأن المنتخب المغربي يشبه اللبن المخفوق في إشارة إلى تداخل الثقافات تداخلًا إيجابيًّا.
وبينما يتوقع الجميع مباراة تتسم بالأخوة على أرض الملعب بين فريقين كلاهما يعج بمزدوجي الجنسية، فإن اللقاء على المستوى الشعبي سيصبغ بصبغة سياسية دون شك، ولا سيما أن تصريحات اللاعبين المغاربة، ردًا على أسئلة اختيار اللعب للمنتخب المغربي، ربما أشعلت حنينًا داخل صدور المهاجرين والمنحدرين من أصل مغربي، إلى فرصة للاحتفال والفخر بجذورهم أكثر من أي وقت مضى.
لم ألعب للمنتخب الإسباني لأنني ببساطة لم أشعر أنني في بيتي إلا في المغرب.
هكذا صرح حكيمي في إشارة واضحة إلى فهم فكرة الوطن الأم مقارنة بمكان الميلاد؛ كان منزل حكيمي مغلفًا بالثقافة العربية على الدوام. ومن المؤكد أن هناك آلاف المنازل في أوربا التي تتمسك بالثقافة المغربية، وتحتاج إلى النصر أمام فرنسا تحديدًا، البلد الذي احتل المغرب ما يقرب من خمسة عقود ومارس سلطاته مدة خمسين عاما أخرى.
ما يؤجج من شرارة الوضع هو العلاقة الباردة بين فرنسا والمغرب على المستوى السياسي، التي يمكن تلخيصها في قيود التأشيرات من قبل الحكومة الفرنسية، وأزمة الصحراء الشهيرة إذ يميل إيمانويل ماكرون إلى الجزائر على حساب فرنسا. كذلك محاولات بعض السياسيين اليمينيين استغلال الأمر؛ إذ أشاروا إلى أن أعمال الشغب والاشتباكات مع الشرطة عقب المباريات تظهر افتقار المهاجرين العرب إلى الهوية الفرنسية، وكأن العرب فقط من يحتفلون ويسببون الشغب.
بعيدًا عن خطأ تلك المزاعم ثمة شعور مؤكد داخل قلوب الكثير من المغاربة، أن المباراة فرصة جيدة لإثبات إمكانية نجاح المغرب خارج السيطرة الفرنسية، بل واستنادًا إلى الروح الوطنية تحديدًا، إذ تذهب كفة الإمكانيات حتمًا إلى الفريق الفرنسي.
هناك بالطبع من لا يرى أي مغزى سياسي من المباراة، حتَّى أن بعض الفرنسيين من أصول مغربية لا يمكنهم تحديد أي المنتخبات يشجعون، ووصفوا الأمر بأنه مربك وأشبه بمباراة بين والدك ووالدتك. ربما احتفل بعض هؤلاء في الشانزليزيه حيث اختلطت الأعلام.
على كل حال لا يمكنك أبدًا فصل كرة القدم عن الواقع، هذه المباراة من المؤكد أنها تحمل الكثير من الذكريات لدى الجماهير، وربما تحمل لنا جميعًا خبرًا سعيدًا على يد منتخب المغرب، كما هي عادته خلال مونديال قطر. يومها ستخرج الجماهير في البلاد العربية للاحتفال بتأهل منتخب عربي إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى؛ ويومها سيكون هناك علم واحد يرفرف في الشانزليزيه.