كوريا واليابان.. كرة آسيا وقليل من الإنصاف

تغيرت كل المعطيات كما يبدو، ولم يتبقَ إلا رسم صورة جديدة عن كرة آسيا المتطورة التي أصبحت واقعًا لا يمكن إنكاره أبدًا.

«أتفهم أن الأمر مفاجئ لكم، لكننا لا نشعر بأن تأهلنا يُعد مفاجأة، عليك أن تأخذ كرة القدم الآسيوية على محمل الجد.»

كانت تلك كلمات لاعب الوسط الياباني تاكيفوسا كوبو عقب ضمان منتخب اليابان التأهل لثمن نهائي مونديال قطر بعد الفوز على منتخبات بحجم ألمانيا وإسبانيا. كلمات يسيرة ومباشرة ومفعمة بالثقة تمامًا مثل أداء المنتخب الياباني خلال مباريات البطولة.

في اليوم التالي، ضمن المنتخب الكوري الجنوبي التأهل هو الآخر بهدف فوز درامي أمام البرتغال ليخرج هيونغ مين سون نجم المنتخب الأبرز في تصريح مماثل: «هذا رائع لكن البطولة لم تنتهِ بعد.» علمًا بأن منتخب سون سيقابل العملاق البرازيلي، إلا أن الكوري يعتقد أنه ما زال للحلم بقية.

لا يمكنك أبدًا أن تتجاهل تصريحات لاعبي المنتخبين المتشابهة إلى حد كبير. ربما تعتقد أن شيئًا من الغرور يشوب تلك التصريحات، لكن على العكس تمامًا؛ فهي محاولات لإعادة رسم الصورة النمطية عن منتخبات آسيا التي تحوي دومًا شيئًا من التقليل غير المسوَّغ على الإطلاق.

سيلعب منتخبا كوريا واليابان مباريات ثمن نهائي قطر 2022 في اليوم ذاته، ربما تذكر المرة الأخيرة التي اقترن فيها ذكر منتخبي كوريا واليابان بكأس العالم، كان هذا منذ عشرين عامًا عندما استضافا المونديال عام 2002، استطاع المنتخب الكوري حينئذٍ أن يظفر بالمركز الرابع في المونديال، في حين خرجت اليابان على يد منتخب ألمانيا؛ أحد طرفي النهائي.

على الرغم من تلك النتائج المشرفة فإن رحلة كوريا 2002 دائمًا ما تُختزل في أخطاء الحكم المصري جمال الغندور ضد إسبانيا. أما شمس الإمبراطورية اليابانية التي لم تغِب عن أراضي كأس العالم منذ عام 1998 وما تملك من مباريات إقصائية حماسية، فهي لا تهم أحدًا في عالم كرة القدم.

جزء من الصورة النمطية تلك ارتبط دون شك بطريقة لعب المنتخبات الآسيوية التي كانت تعتمد على الصمود أمام الفرق الكبرى فقط وتحصيل النقاط بطريقة المنفعة قبل المتعة. أما الجزء الآخر المتعلق بالتعاطف مع الكرة الإفريقية على سبيل المثال في مواجهة كرة آسيا، أن أندية أوربا جميعها تعُج بلاعبي إفريقيا، لكونه «بروفايل» لاعب قوي سريع مناسب لكرة أوربا ذات الأحمال البدنية المرتفعة.

حسنًا، لقد تغيرت المعطيات دون شك. خلال السنوات العشرين تلك تطورت المنتخبات الآسيوية لتقدم كرة قدم سريعة تكتيكية بشكل ملحوظ خلال نسخة المونديال الحالية. تفوق المنتخب السعودي على رفاق ميسي بحيلة تكتيكية بحتة. لم تشفع أسماء لاعبي منتخبات إسبانيا وألمانيا الصمود أمام سرعات الفريق الياباني. انتزع المنتخب الكوري بطاقة التأهل بمرتدة مثالية أمام منتخب البرتغال في الدقيقة 90.

معظم لاعبي منتخب اليابان ضمن قوائم أندية أوربية، كما يمتلك المنتخب الكوري ركيزة أساسية لأحد أكبر أندية الدوري الإنقليزي، وهو سون بالطبع. تغيرت كل المعطيات كما يبدو، ولم يتبقَ إلا رسم صورة جديدة عن كرة آسيا المتطورة التي أصبحت واقعًا لا يمكن إنكاره أبدًا.

هذا الواقع الذي ينكره الفيفا شخصيًّا؛ الذي قرر زيادة عدد المنتخبات المشاركة في كأس العالم بداية من مونديال 2026 لعدد 48 فريقًا، على أن يكون نصيب آسيا منهم 8.5 مقاعد في مقابل 9.5 مقاعد لإفريقيا و 16 مقعدًا لأوربا. هل يدفع أداء المنتخبات الآسيوية في قطر لمحاولة إعادة التفكير في نسبة آسيا من مقاعد المونديال؟ من المؤكد أن هذا لن يحدث.

تشير التوقعات إلى خسارة فريقي كوريا واليابان خلال مباريات ثمن النهائي، لكنّ لدى البعض أملًا يسيرًا أنه ربما تزيد النمور الآسيوية من مفاجآت كأس العالم الوفيرة في قطر. هذا الأمل اليسير في نفوس جماهير كرة القدم نتاجُ عمل احترافي لسنوات في تلك البلاد التي تحب كرة القدم وتلعبها وتطور من نفسها كل يوم من أجل مزيد من الأمل.

سيشجع محبو كرة القدم البرازيل أمام كوريا، وسينتظر عشاق مودريتش انتصاره أمام اليابان، لا ضرر من ذلك بالطبع، لكن أرجوك تذكر جيدًا، عليك أن تأخذ كرة القدم الآسيوية على محمل الجد.

اليابانكأس العالمكورياكرة القدم
مقالات حرةمقالات حرة