الهوية البصرية لكأس العالم: دنيا من الألوان

نجحت كل دولة، نالت شرف تنظيم كأس العالم، في البقاء بذاكرة شعوب الأرض من خلال تميمتها الخاصة بها، المستوحاة من أحد رمزياتها الوطنية.

في حفل افتتاح النسخة الحالية من بطولة كأس العالم المقامة في قطر، كان استعراض تمائم كأس العالم السابقة، قبل تقديم «لعيب» التميمة الحالية للبطولة، لفتة مثيرة للحنين. لم تقتصر بطولة كأس العالم قط على كونها مناسبة رياضية، بل كانت سجلًا من الألوان والتصاميم وإيقاعات الأغنيات والاستعراضات.

في الواقع نجحت كل دولة، نالت شرف تنظيم كأس العالم، في البقاء بذاكرة شعوب الأرض من خلال تميمتها الخاصة بها، المستوحاة من أحد رمزياتها الوطنية، وتصاميم الكرة المعتمدة رسميًّا للعب في مباريات كل بطولة، بجانب تصاميم الملصقات الدعائية التي بدت شعارًا موازيًا للشعار الذي غالبًا ما يمثل كأس العالم، وقد تداخل مع تصميم مستوحى من ثقافة البلد المضيف، ما يجعل الحدث في كل مرة يبدو مدهشًا، وكأنه يُقام للمرة الأولى.

ليست الهوية البصرية لنُسخ كأس العالم فكرة حديثة، بل أنها قد بدأت منذ ثلاثينيات القرن الماضي في نسخة الأوروقواي من كأس العالم عام 1930، وقت أن كان شعار البطولة يأخذ طابعًا فنيًا وتذكاريًا، قبل أن يتحول بالوقت إلى نوعٍ من التسويق الناعم لثقافة البلد المضيف، مِن خلال استغلالها في خلق هوية بصرية مميزة تبقى في الذاكرة الوجدانية للشعوب، وفي الوقت نفسه تسوّق من خلالها للثقافة الوطنية دون الإخلال بعالمية المناسبة؛ فمثلًا جاءت العديد من الشعارات تحمل أعلام الدول المضيفة بشكلٍ واضح كنُسخ تشيلي 1962 وإنقلترا 1966 وإسبانيا 1982 وألمانيا 2006.

بعض تلك الشعارات جاء متأثرًا بأحداث عالمية كشعار كأس العالم بفرنسا 1938 الذي تخيل لاعبًا يضع قدمه على كرة بينما يقف فوق الكرة الأرضية، وفي الخلفية قوس قزح بمسحة برونزية، في إشارة إلى مخاوف البشر من حرب عالمية محتملة. وهو ما حدث بالفعل بعد أقل من عام، ما أوقف البطولة اثني عشر عامًا قبل أن تعود في نسخة البرازيل 1950، التي جاء شعارها جامعًا لأعلام الدول المشاركة على جورب لاعب يضع قدمه على كرة القدم في إشارة ضمنية بضرورة الاتحاد والسلام. 

جاء بعض تلك الشعارات حالمًا ودلاليًا كشعار روسيا 2018، وهو الشعار الأجمل بالنسبة لي، والمستلهم من التقاليد الفنية الروسية، وتاريخ روسيا في استكشاف الفضاء، من خلال قمرها «سبوتنيك»، الذي بدا من خلال التصميم وكأنه ثمرة خيال الإنسان وحلمه في السفر نحو النجوم.

أما شعار النسخة العربية: قطر 2022 فقد جاء على هيئة شال أبيض اتخذ هيئة رقم ثمانية «8»، ليعكس عدد الاستادات التي ستحتضن البطولة، ويعكس أيضًا رمزية الاستمرارية وترابط الحاضر بالتراث والأصالة، مزخرفًا بنقوش نباتية كتلك التي يطرز بها الشال القطري يدويًا، وجاءت باللون العنّابي؛ ليكون مع لون الشال الأبيض رمزية ألوان العلم القطري، عكست التموجات في أعلاه الكثبان الرملية، رمز الصحراء العربية، على يسارها كرة قدم: تلك التي وحدت الدنيا وجمعتها في قطر، أمَّا «الكشيدة» في كلمة قطر الإنجليزية كناية عن التطويل في الحرف العربي.

كأس العالم أكثر من كونه مناسبة رياضية، بل هو مناسبة يتعرف فيها العالم على هوياتٍ تسكنه، ويعيد من خلالها العالم النظر إلى نفسه، وكم يتغير.

الثقافةكأس العالمكرة القدم
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية