بفلوسي!

أزعم أن أكبر خطر يهدد الحياة على هذا الكوكب هو تعاظم فئة الأثرياء الحمقى، فلا تعلم ماذا يمكن أن يفعلوا بالأموال الزائدة.

سمعت مقولة لأحدهم –نسيت اسمه– مختصرها أن المال إذا زاد عن حد معين فإنه لا قيمة له. والثراء المبالغ فيه ضرره أكثر من نفعه، على الثري نفسه وعلى بقية الخلق.

والرقم الذي يجب أن يبلغه حد الثراء الفاحش، محل خلاف بين الخبراء والحكماء الذين يتحدثون عن فوائد المال؛ فأنا -على سبيل المثال- أعتقد أن أي مبلغ أكثر من عشرة آلاف ريال سيفسدني، وقد يجعل مني شخصًا منحرفًا يصرف الأموال ببذخ على أمور لا فائدة منها، لكن خبراء آخرين يرفعون هذا الرقم قليلًا. تخيل مثلًا أن تكون ثروتك مئتي مليار دولار –عافانا الله وإياكم- ماذا ستفعل بها؟ ستشتري كل ما حلمت به أنت وآباؤك الأولون حتى الجد العاشر صعودًا وأبناؤك اللاحقون حتى الحفيد السابع نزولًا، ولن يتغير فيها شيء، وربما تجد أنها أصبحت أربعمئة مليار بعد أن تنتهي أنت وأسلافك وأحفادك من شراء أحلامكم. وهذه واحدة من طلاسم الأموال لم يستطع أحد فهمها حتى ساعة كتابة هذه المدونة؛ فالأثرياء تزيد ثرواتهم كلما أسرفوا، والفقراء تتبدد أموالهم بمجرد التفكير في شراء ما يساعدهم في رحلة الكفاح من أجل البقاء.

الزميل أيلون ماسك لديه ثروة يصعب قراءة الرقم الذي بلغته، دون الاستعانة بقلم لوضع الفواصل بعد كل ثلاثة أرقام، ولذلك تجده يحاول جاهدًا أن يبدد هذه الثروة ولا يستطيع، بل على العكس، فكلما تصرف بتهور وحماقة وبدد مليارًا؛ عاد إليه أضعافًا مضاعفة.

Giphy 7
إيلون ماسك / Giphy

فمرة يصنع صواريخ للرحلات الفضائية، وتارة يشتري شركات بما حملت، مع أنه غير مقتنع بها ولا بما تنتجه. ولعل آخر صفقات هذا الزميل الأرعن هي صفقة شراء تويتر، التي أظنه أبرمها لأن شخصًا ما حظره، أو ربما لأنه أراد أن يكتب أكثر من 280 حرفًا ولم يستطع.

وهذه واحدة من فوائد الأموال التي تزيد على الحاجة التي ربما لم يلتفت إليها من يقولون إن المال الزائد لا قيمة له. شراء شيء لمجرد أنه استفزك فكرة لا بأس بها، مثل أن تدخل بقالة فيتأخر عليك البائع؛ فتشتري البقالة وتغلقها وتسرح البائع.

ولأني واحد من مشجعي كرة القدم الذين سبق أن تحدثت عن «بلاهتهم» في تدوينة سابقة، فإن أول ما خطر لي، وأنا أتخيل أني أمتلك ثروة إيلون ماسك وحماقته، أني سأشتري بضعة أندية كرة قدم حول العالم وأغلقها، وأحول مقراتها إلى مقاهٍ شعبية. أو ساحات عامة خضراء مساهمة مني في معالجة أزمة المناخ التي يقال إن العالم يمر بها. عشرة أندية بملاعبها ومدربيها ولاعبيها وموظفيها ستكلفني أقل مما دفعه ماسك لشراء توتير، وهذا ما يجعل الفكرة تبدو أكثر منطقية وأقل حماقة من شراء تويتر.

وأزعم أن أكبر خطر يهدد الحياة على هذا الكوكب هو تعاظم فئة الأثرياء الحمقى، فلا تعلم ماذا يمكن أن يفعلوا بالأموال الزائدة، ولا الطريقة التي يفكرون بها، بيل جيتس على سبيل المثال «أظنه» اشترى فيروسات وأوبئة ليجربها في الخلق، لأنه شعر بالملل حين لم يعد لديه ما يحلم به!

وقد سمعت أن ماسك قد اضطر إلى الاقتراض من أجل تمويل صفقته هذه، وهذه صفة مشتركة فيما يبدو بين الأثرياء ومعدومي الدخل؛ فالكل يقترض. مع أن فكرة المال في هذا الوقت تبدو عبثية بعض الشيء، فأنت تعمل في مؤسسة ما، وهذه المؤسسة تحول أرقامًا إلى البنك الذي يحول بدوره أرقامًا إليك وأنت تعطي الآخرين أرقامًا، هم يعطونها إلى آخرين فتعود إلى البنك مرة أخرى، ولا أحد في هذه الدائرة رأى المال بعينيه أو لمسه بيديه. ولذلك فإن الثروات الفاحشة التي نسمع عنها في تصنيف الأغنياء في غالبها ثروات ورقية، قد تختفي في لحظات. ومع هذا فلا مشكلة لدي أن أكون من الأثرياء الورقيين، رغم معارضتي للمبدأ. فليست مشكلة كبيرة أن يعمل الإنسان ضد مبادئه.

وهذا العصر مع أنه أكثر العصور ازدحامًا بالفقراء والمعدمين فإنه أسهل العصور التي يمكن للإنسان أن يصبح فيها ثريًا، وينتقل من فريق المسحوقين إلى فريق الساحقين. فكل شيء قابل للتسليع والبيع، ويصبح الإنسان فاشلًا فقط حين لا يجيد عرض بضاعته، ويتعافى المرء بالسفاهة!

حتى الحرية نفسها التي قال ماسك أنه اشترى تويتر من أجل تمكينها وتعزيزها، عرضها للبيع، فمن يدفع يستطيع أن يعبرّ بطريقة أفضل، وستتاح له وسائل أكثر؛ أما الذي يخشى الإملاق فإن الحرية التي سيحصل عليها من متجر ماسك ستكون أقل بريقًا وجاذبية.

ولا شك أن مما يحسب له تسريحه نصف موظفي تويتر، فالوظيفة عبودية القرن الحادي والعشرين!

إيلون ماسكالإنسانالثروةالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!