الباذنجان علامة النضوج!
كبرت وصرت متفقًا مع أمي. فمن يحب الباذنجان قد نضجت براعم التذوق لديه واكتمل نموه، وما عاد طفلًا لا يعرف «كيف يتذوق»
عندما كنت طفلًا، كانت والدتي -حفظها الله- تبذل جهدها في تسويق طبق الخضار المسلوقة أو «مسقعة الباذنجان». وكانت ترد على عدم تجاوبي معها بعبارة لا أنساها: «أنت لا تعرف كيف تتذوق!» في ذلك الوقت لم تكن العبارة منطقية في نظري، لكني فهمتها بعد أن تجاوزت الثلاثين!
اليوم عندما ألتقي أصدقائي، نختار عادة تناول العشاء في مطعم شعبي، أو مطعم يقدم أطباقًا نمدحها لشبهها بطعام المنزل «أكل بيتي». وبالرغم من أن الأطعمة التي كنا نرجو أهالينا أن يسمحوا لنا بتناولها في طفولتنا مثل البرقر والبطاطس أصبحت سهلة المنال ومتاحة بضغطة زر بسيطة عبر تطبيقات التوصيل، فإننا في أحيان كثير لا نفكر فيها!
يقول الباحثون إن لدى الإنسان قرابة عشرة آلاف برعم تذوق على لسانه وجوانب الفم وسقفه، وتتجدد الخلايا داخل هذه البراعم كل أسبوعين تقريبًا. وأنَّ نمو العظام لدى الأطفال يفرز هرمونات تشجعهم على تناول الحلويات ليمنحوا أجسادهم الطاقة. أما الذين توقف نموهم، مثلي ومثلك، فلا تفرز أجسادهم هذه الهرمونات، لذلك نبدأ وقتها بحب الخضار!
«كره النكهة المشروط» (Conditioned taste aversion CTA) هو ارتباطٌ عاطفي بين موقف ونوعٍ معين من الطعام. فعندما تأكل دجاجًا مقليًا من مطعم ما، مثلًا، وتصاب معدتك بالتوعك، قد تكره الدجاج المقلي لبقية حياتك لأنه يذكرك بألم المعدة! والعكس صحيح أيضًا. فتجارب الطعام الممتعة في المحلات الفاخرة أو في الأجواء العائلية الدافئة تجعل مذاق الطعام أفضل!
لهذا، مؤخرًا، أصبحت أحب «مسقعة الباذنجان»، بينما معارفي من مواليد الجيل الجديد لا يحبونها أبدًا. قد يكون ارتباط المسقعة بأمي سبب حبي للطبق، وأنَّ مذاقه يعيد لي ذكريات الطفولة الجميلة التي أفتقدها بما أني أعيش في مدينة بعيدة عن منزل أمي!
على أي حال، كبرت وصرت متفقًا مع أمي. فمن يحب الباذنجان قد نضجت براعم التذوق لديه واكتمل نموه، وما عاد طفلًا لا يعرف «كيف يتذوق».
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.