وساوس طائفية!

حين يأتيك إبليس الرجيم موسوسًا، ويغريك بفكرة أن تكون لصًا في زمرة اللصوص، فإن أول فكرة تخطر في بالك، على الأرجح، أن تسرق بنكًا.

حين يأتيك إبليس الرجيم موسوسًا، ويقدم لك عرضًا مشوقًا عن مزايا اللصوصية، ويغريك بفكرة أن تكون لصًا في زمرة اللصوص، فإن أول فكرة تخطر في بالك، على الأرجح، أن تسرق بنكًا.

فكرة سرقة البنوك سهلة حتى على إبليس أثناء إعداده العرض الذي سيقدمه لك. فالأموال في مكان واحد، ولا تخص أحدًا بعينه. والمبلغ الذي ستظفر به بعد نجاح العملية سيغير حياتك، وحياة من يعرفك ومعارف من يعرفك إلى الأبد.

وبالتعاون مع إبليس، روجت الأفلام والمسلسلات لرومانسية هذه الفكرة. فلص البنوك ذكي لماح صاحب قضية عادلة، ومظلوم يريد أن ينتقم من الحياة. وهذه مقومات التعاطف مع أي أحد في أي مكان.

ثم إن سرقة البنك مغرية دراميًا لأنها تجري عكس السياق المنطقي. وعلى غرار القاعدة الصحفية الشهيرة «إذا عض كلب إنسانًا، فهذا ليس خبرًا. أمّا إذا عض إنسان كلبًا، فهذا هو الخبر»، يمكننا القول: إذا سرق بنكٌ مواطنًا، فهذا ليس خبرًا. أمّا إذا سرق مواطنٌ بنكًا، فهذا هو الخبر.

راودتني هذه الأفكار الشيطانية -إن كنت تسأل عن المناسبة- وأنا أتابع أخبار السطو على البنوك في لبنان. إلا أن الفارق بين ما أشهده في الأخبار القادمة من لبنان، وبين ما يرسمه الشيطان في مخيلتي، هو أن الذين يسطون على البنوك هناك يريدون أموالهم التي ترفض البنوك إعادتها لهم. فقد جرى السطو على الدولة نفسها ببنوكها ووزاراتها وسيادتها من قبل دولة أخرى. أما في وضعي، فإن الشيطان يعلم أن البنك هو الذي يريد أن يستعيد أمواله -أموال المودعين بشكل أدق- التي أقرضني إياها قرضًا غير حسن.

وفكرة إفلاس البنك تشغل تفكيري منذ فترة ليست قصيرة. ولهذا اقترضت قبل بضع سنوات من أحد الأصدقاء الموسرين، واشتريت خزنة أضع فيها الأموال، خوفًا من إهمال البنك في استثمارها والحفاظ عليها.

وقد بدا لي بعد مرور سنوات أن الخطوة استباقية أكثر مما ينبغي، فالأموال لم تأت بعد. فتحت الخزنة قبل أيام، فوجدت داخلها أدوات خياطة وبطاقة ضمان لغسالة لم تعد موجودة وألبوم صور لأشخاص لا أعرفهم.

Giphy 5 1
الثراء الفاحش / Giphy

والحقيقة أن التفاؤل بأني سأصبح غنيًا فاحش الثراء ما زال موجودًا، ولكن الطريقة الوحيدة المتاحة لتحقيق هذه الغاية -حسب اقتراح إبليس- هي سرقة بنك. ما يدفعني لعدم تقبل فكرة الشيطان هو المكان الذي سأضع فيه الأموال بعد أن أسرقها؛ هل أعيدها للبنك مرة أخرى كي يحتفظ بها في حساباتي؟ هذا يعني أن مخاوفي من إفلاس البنك ستتخذ منحى آخر، وتكون أكثر جدية، مما يحرمني من التمتع بملذات الثراء. أم أضعها مع ضمان الغسالة في الخزنة التي اقتنيتها؟ وفي هذا مخاطرة أيضًا، لأن اللصوص ليسوا جميعًا متفقين على عدم السرقة إلا من البنوك.

لا يلوح في الأفق ما يبشر بنهاية هذه الحيرة. وحتى يأتي يوم الفرج، سأكتفي بالتأمل والتعاطف مع اللبنانيين. وأحمد الله أني لست لبنانيًا هذه الأيام، لأني أجد صعوبة في تقبل فكرة أن أضطر إلى سرقة الأشياء التي تخصني. فاللصوص يسرقون الأشياء التي لا تخصهم، ولا أريد أن تسوء سمعتي بين اللصوص قبل أن ألحق بهم يواسوني.

الإنسانالماللبنانالرأي
نشرة الساخر
نشرة الساخر
منثمانيةثمانية

الحياة أقصر من أن تستفزك تغريدة على إكس. هذه النشرة من أجل استفزازك بطريقة أخرى!