من سيربّي روبوتك؟
إن حصلت معجزة ما وقررت الآلة الذكية أنَّ الإطار الأخلاقي البشري غير مناسب لها، هنا سنعيش في عالم يربّينا فيه عيالنا الآليون.
تقول القاعدة: الابن الصالح نتاج والدين صالحين. فهل ستمارس الآلة الذكية العقوق ما أن تتاح لها الفرصة؟
بينما تتفكّر أنت في إجابة هذا السؤال الفلسفيّ، فإن خوارزميات الذكاء الاصطناعي النشطة عبر الإنترنت والتطبيقات الشخصية تتعلم وتُحسّن أداءها لتصل إلى المستوى الذي أراده مطوروها؛ أن تصير أذكى منّا.
لكن ما تعريف الذكاء؟ وإذا صارت الآلات ذكية فهل سيقتضي ذلك أن تزيحنا من مقعد القيادة لتقرر عنّا كل شيء؟ فنحن لا نفتأ نحذر بعضنا من مستقبل أسود تحكمنا فيه الروبوتات. لكن الحقيقة أننا نُسقط طباعنا على السلوك المتوقع من تلك «الكائنات» الرقمية التي تزيد ذكاء ووعيًا كل يوم، بفضلنا نحن!
لا تدرك برمجيات الذكاء الاصطناعي ماهية الأخلاق. ولكن إذا برمجناها -بأيدينا نحن- على توجيه المحتوى الرقمي إلى المجتمعات الأقدر على دفع الاشتراكات الشهرية، فستتعلم العنصرية! وإذا قرر مبرمج نظام شركة الكهرباء أنَّ توفير الطاقة لتبريد خوادم قوقل أولى من تبريد ثلاجات الموتى في مستشفى سان سباستيان في قيظ الصيف، فسيتعلم الخوارزم الذكي أنَّ قيمة «الداتا» أعلى قيمة من حرمة الأموات.
وإذا كان المصدر الوحيد لخوارزم تعلم اللغة العربية هو أرشيف أغاني عبد الحليم، فلا تستغرب إن كان كل كلام الروبوت «أتمنى لو أنساك» و«طريقك مسدود يا ولدي مسدود!»
والأمثلة البائسة في الواقع عديدة ومعروفة. منها مشروع مايكروسوفت «تاي» (Tay) الذي سُمح له بمخالطة مستخدمي تويتر كي يتعلم العنصرية والدموية والسفالة، ليجري إلغاؤه خلال أقل من أربع وعشرين ساعة تشغيل! وهناك أيضًا «أليس»؛ المقابل الروسي لـ«سيري» و«أليكسا»، التي سُئلت بعد أسبوعين من تشغيلها بين المستخدمين إذا كان إطلاق النار على الناس أمرًا مقبولًا، لتجيب: «قريبًا لن يكون هناك ناس.»
الذكاء الاصطناعي… اصطناعي! إنه محض تدوير وإنتاج مُسرّع لذكائنا نحن، وعواطفنا نحن وغرائزنا نحن البشر، التي مكّنتنا من تجاوز آلاف السنين من الصراع مع الكائنات الأخرى لنسود نحن.
وهذا التصور هو أساس مشكلتنا القادمة مع الآلات الذكية التي نفترض منها الأسوأ؛ لأننا نعرف جيدًا كم نحن آباء سيئون. وإن حصلت معجزة ما وقررت الآلة الذكية أنَّ الإطار الأخلاقي البشري غير مناسب لها ولذكائها الخارق، هنا سنعيش في عالم يربّينا فيه عيالنا الآليون. ولا حل لنا إلا أن يقتنع أولئك العيال بمبدأ «البِرّ» ولا يقرروا إرسالنا جميعًا إلى دار عجزة كبير.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.