ليلة جديدة مكررة في كرة القدم السعودية: أمل كبير قبل الصافرة، ثم خيبة أمل كبرى مع صافرة النهاية. اثنان وعشرون سنة يتكرر هذا المشهد؛ أعذار متعددة، الكل يرمي هذه المشكلة على طرف والآخر يرد بالرمي على طرف آخر، حتى أصبح المنتخب السعودي مكانًا لرمي الأعذار من الجميع.

في استاد البيت، على بعد 35 كيلو من العاصمة القطرية الدوحة، حضر 22 لاعبًا على أرضية الملعب. كان لاعبو المنتخب السعودي بدون أدنى شك الأعلى في التقييم المالي، وهم من يلعبون في دوري وُصِف بأنه من أفضل خمس دوريات على مستوى العالم، بينما الأقل في الجانب الآخر.

في استاد البيت، تشعر أن المنتخب الأردني يقاتل لشيء؛ لكن يختلف الأمر لدى لاعبينا، فهم يحاولون تقديم الواجب فقط داخل أرض الملعب. لا تشعر بالروح القتالية من أجل الفوز ولا عجب في ذلك، فهذا هو الحال لمدة 22 سنة في المنتخب السعودي إلا فيما ندر.

وإذا أردنا حل مشاكل المنتخب السعودي، يجب علينا أن نتحرى الصدق في ذلك ونتحلى بالوضوح. لقد خذل اللاعبون جميعهم مشجعي المنتخب السعودي، بل وُضِع اللاعبون المسؤولون في موقف محرج أمام الكل الآن، وربما يذهب بعض المسؤولين ومدرب المنتخب السعودي ويفلت اللاعبون من هذه الليلة المخجلة.

عليكم الخجل من أنفسكم، أنتم لا تفهمون معنى كرة القدم ولا تعرفون أهميتها بالنسبة للسعوديين، فمسؤولية 22 سنة من الغياب لا تقع إلا عليكم. نعم أنتم من ستلعبون كأس آسيا 2027 وسيعود الضغط عليكم من جديد، وأعلم أن النهاية مشابهة لهذه الليلة وبمثل ليلة عمان الشهيرة في كأس الخليج قبل عام وليلة جاكرتا الشهيرة أمام منتخب إندونيسيا.

هناك مشاكل كثيرة في كرة القدم السعودية من الجميع، ولكن إذا احتجنا إلى استراتيجية وطنية من أجل الفوز بكأس العرب أو كأس الخليج فنحن على طريق خاطئ. لا تزال كرة القدم السعودية ولّادة، ولكن هناك حد دائم لكل شيء، وأحد الحدود المتكررة هو سقف طموح اللاعب السعودي. يصل الجميع سريعًا إلى السقف، ويتحول اللاعب المميز إلى لاعب أشبه بالعبء، وتنتظر أن يستعيد ذاكرته.

الحقيقة التي تحتاج كرة القدم السعودية أن تواجهها بكل شجاعة هي قضية اللاعب السعودي الذي صار محدودًا جدًا، حتى أنه لا يستطيع التحدث والتعبير بكل حرية عمَّا يريد.

ليلة استاد البيت هي تكرار لفشل دام لمدة 22 سنةً،. تغير الكثير طوال هذه السنوات إلا اللاعب السعودي. سائر في القارب دائمًا، يتغير فقط من يجلس بجانبه، وعلى كرة القدم السعودية مواجهة هذه الحقيقة سريعًا.

شكرًا فقط للمشجعين، فقط للمشجعين.

ماذا قال هيرفي رينارد في المؤتمر الصحفي ؟

يصل هيرفي رينارد بشكل مبكر إلى قاعة المؤتمرات الصحفية في استاد البيت ليجيب عن أسئلة الصحافة، ويحاول ألّا يجيب بشكل مباشر أو بشكل صريح عن الأسئلة التي واجهها. كان مؤتمر رينارد سيئًا جدًا على غير عادته.

قال ابتداءً: «أود أن أهنئ المنتخب الأردني بالوصول إلى النهائي، النتيجة ليست جيدة اليوم. خضنا مباراةً ضد فريق لديه قوة دفاعية، ونحن لم تكن لدينا خيارات وخسرنا المباراة بسبب التمريرات الجيدة من الأردن الذي سجل من فرصة ولم نستطع العودة للمباراة.»

يكمل: «بالنسبة لهذه المباراة، هناك الكثير من الجهود للتحكم في الكتلة والاستحواذ لكي نحقق فارقًا تقنيًا خاصةً على الأطراف، وهناك الكثير من الانقضاض. كان يجب علينا أن نلعب بشكل أفضل، وقد سنحت لنا فرص قليلة للبقاء في المباراة.»

وعمّا ينقص المنتخب السعودي، قال: «يُفتَرض أن يكون الأداء أكثر فعالية، وهناك أكثر من مرة اقتربت فيها الكرة من المرمى وبذل اللاعب جهده الأقصى، وعندما نخرج بهذه النتيجة غير الجيدة يحمل المدرب مسؤوليتها.»

يضيف: «لدينا المركز الثالث والبطولة لم تنتهِ بعد، والأفضل أن ننهيها بأفضل أداء ممكن والمنافس القادم صعب. شعرنا بالإحباط، ومن الغد سنركز على اللقاء ولا ينقصنا لاعبين، والسبب في الخسارة أننا لم نحدد الأدوار في أثناء امتلاك الكرة واعتمدنا على التمرير، احتجنا لأن نكون أفضل في الجانب الدفاعي.»

وعن تفكيره بالتبديلات قال: «قد تذهب المباراة إلى 12 دقيقة وعلينا إدارة ذلك، وعندما دخلنا الشوط الثاني كدنا نحدث الفارق. ولا يوجد لاعب في المقام الأول هو الأهم، وهذه البطولة تُلعَب داخل أرضية الملعب ويجب أن نتخذ قرارت، وعند الفوز تصبح القرارات صائبة وعند الخسارة خاطئة.»

حول ما إذا كانت الأندية أهم من المنتخب الوطني بالنسبة للاعبين، قال: «المنتخب مهم جدًا بالنسبة للاعب، إذا حلّلت المباراة ستجد أننا لعبنا جيدًا بالموقف الدفاعي وإيقاف اللعب المرتد ومن الصعب فعل ذلك. ولكن اللاعبين قدموا أداءً رائعًا، والنتيجة ليست بسبب سوء اللاعبين. ونحن متأسفون على هذه النتيجة ويجب أن نستمر بالاستفاقة، ويجب أن نستمر في جهودنا، ويجب أن يفهم اللاعبون أنهم يلعبون من أجل بلدهم ويكونون أكثر شراسةً وقوةً، وهم فخورون بتمثيل بلادهم بلا شك.»

قال أيضًا: «عندما تخاطر في الجانب الهجومي، يجب أن تتمكن في الجانب الدفاعي وتجد التوازن فيه. وعلينا محاولة لعب تمريرات طويلة، فهي اليوم قليلة وغير فاعلة أمام المرمى. يجب أن يكون أداؤنا أفضل من هذه الأمسية.»

يختتم مؤتمره وقال: «طلبت من اللاعبين التركيز، هذا ما قلته لهم. يجب أن نبقي رأسنا مرفوعًا ونركز على القادم. كنا نعرف ما الذي ينوي الأردن فعله وحاولنا أن نعد ونستعد لهذه المباراة، وهو المنوال الذي نتبعه ونكرس كامل الجهد له حتى المباراة المقبلة.»

إدارة بطولة غير موفقة من هيرفي رينارد

من الجنون أن يجلس على مقاعد البدلاء لاعب بقيمة مصعب الجوير، لاعب مختلف تمامًا عن لاعبي المنتخب السعودي كلهم، لاعب يلعب بجرأة وشجاعة عندما تهتز أقدام الآخرين من الخوف. قرارات هيرفي رينارد في خط الوسط خلال البطولة العربية هي أساس المشكلة، وكان التغيير الدائم هو دخول مصعب الجوير بالنصف الأخير من المباراة.

يتحمل هيرفي رينارد كثيرًا مسؤولية سوء خط الوسط، وربما اختياراته على مستوى الأظهرة أيضًا خلال البطولة. إذ يفضل هيرفي رينارد التحفظ في خصائص اللاعبين، وهذا أمر تسبب كثيرًا في وضع الضغط أكثر على المنتخب السعودي خلال الكثير من المباريات.

كيف ذهب هيرفي رينارد إلى البطولة العربية بغياب سلطان مندش، أحد أهم لاعبي الدوري هجوميًا هذا الموسم؟ كيف اختار هيرفي رينارد عبدالله الحمدان لهذه البطولة وصالح الشهري؟ هل أراد تجهيز اللاعبين أو الفوز باللقب؟ قد صرح خلال المؤتمرات الصحفية أنه يريد الفوز باللقب، لكن أفعاله لا تقول ذلك.

لماذا أصبح محمد كنو لاعبًا رئيسًا في البطولة؟ لماذا أصبحنا نلعب كرات طولية بشكل مبالغ به؟ لماذا لا يتحكم خط الوسط في المنتخب السعودي بالمباريات؟ لم يكن الأخضر مقنعًا على الجانب الفني، وربما يعود السبب الرئيس لذلك إلى طبيعة رينارد التي تميل للتحفظ أكثر من الجرأة.

هل يُقال رينارد الآن؟ ربما، ولكن هل سنضمن قدوم بديل مناسب؟ على الجانب الشخصي أفضِّل الاستمرار مع هيرفي رينارد فهو أقرب للوضع الحالي، وسيحتاج المدرب القادم إلى وقت طويل ولا نملك وقتًا طويلًا. أمامنا سنة واحدة فقط على كأس آسيا 2027 وتحسين الأمر مع رينارد وارد، على عكس بديله الذي ستكون أول المشاكل فيه أن من سيختاره هي الإدارة الرياضية نفسها التي اختارت مانشيني ثم قررت إعادة هيرفي رينارد.

استطاع هيرفي رينارد أن يعيد هذا المنتخب من القاع في ليلة جاكرتا الشهيرة إلى المونديال خلال أشهر بسيطة، وقاد عملية تجديد كبرى في المنتخب السعودي وأراه الشخص الأنسب بوجود الإدارة الرياضية الحالية في المنتخب السعودي. وإن تغيرت الإدارة الرياضية يتغير المدرب حينها.

أرجوكم دعنا لا نكرر الأخطاء نفسها مع الأشخاص أنفسهم.

استاد البيت.. هوية واضحة وهيبة مكتسبة

يمثِّل استاد البيت الذي يبعد عن العاصمة القطرية الدوحة حوالي 35 كيلومتر في مدينة الخور القطرية معنى الهوية الواضحة في الملاعب. وهذا الملعب مثال قوي لمن يريد أن يضع بصمته أو هويته على أي ملعب كرة قدم في أي مكان بالعالم.

في الطريق، وأنت تسير إلى الملعب، يظهر الاستاد بشكله الخارجي المهيب الذي اعتاد العرب عبر التاريخ مشاهدته، وهي الخيمة العربية باللون الأبيض وخطوطها السوداء؛ ليعطي شكلًا خارجيًا رصينًا ومختلفًا وملفتًا للجميع.

وعندما تدخل الملعب، تشعر أن الهيبة التي شاهدتها في الخارج تسير معك إلى الداخل، من المقاعد الداخلية التي صُمِّمت بالطريقة العربية، والنقوش والكتابات باللغة العربية، وسقف الخيمة الذي يشعرك فعليًا بدخول بيت شعر حقيقي وليس ملعب كرة قدم.

وعند التوجه إلى المقاعد ستجد اللون الأحمر هو اللون الأكثر حضورًا مع سقف الملعب المزخرف بالسدو احتفاءً بالأسلوب البدوي في الحياكة والنسيج. تشعر أن الملك منك وإليك ولذلك افتُتِحت بطولتا كأس العرب السابقة والحالية هنا على هذا الملعب، وافتُتِحت كأس العالم 2022 -أول مونديال على الأراضي العربية- في هذا الملعب أيضًا؛ لتصل الهوية العربية التي يمثلها هذا الملعب إلى العالم أجمع.

نستعد لبناء ملاعبنا لمونديال 2034، والأكيد أن الكثير من ملاعبنا ستمتلئ بمثل هذه الهيبة والهوية التي يحتضنها استاد البيت وهو ما نستحق الحصول عليه. ما نريده أن نصدِّر ثقافتنا للعالم كله عبر كرة القدم، ونعبِّر عن أنفسنا دائمًا بكل شيء وليس بالتقليد فقط لما يفعله الغرب. والملاعب أحد هذه الأدوات المهمة في التسويق لهويتنا عبر اللعبة الشعبية الأولى في العالم.