المجتمع أمام نظام التشهير

هل يجب أن تُحمى الشركات من التشهير، أم التشهير بها حق للمستهلكين؟


بين فترة وأخرى، تتصدر وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها منصة (X)، قضية رأي عام تتصل بسلوك إحدى الشركات، كان آخرها الجدل الدائر حول إحدى أكاديميات الطيران.

في مثل تلك الحالات يبرز مفهوم قانوني هام، وهو «التشهير»، ويكون جوهريًّا في تنظيم ذلك النقاش والتأثير في أطرافه.

يناقش عدد الأسبوع هذا المفهوم والسبل الممكنة لتطويره، لدوره الرئيس في تلك القضايا وتأثيره البالغ في عموم أفراد المجتمع.

قراءة ماتعة.

عمر العمران


تصميم: أحمد عيد
تصميم: أحمد عيد

المجتمع أمام نظام التشهير

أحمد العطاس

بين حينٍ وآخر تتصدر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع ومنشورات حول أشخاص يشهر بعضهم ببعض، أو بشركات ومحلات تجارية يتعاملون معها. والتشهير إن أردنا تبسيطه هو إظهار أمر ما للعلن، وهو من السلوكيات التي تتعلق بالشأن اليومي للناس. فالبشر يوميًّا يبدون آراءهم ويصدرون أحكامًا تجاه ما يتعاملون معه ويواجهونه. ونلحظ وجود نوع من الريبة وعدم اليقين القانوني عند الناس، وعليه تهدف هذه المقالة إلى مقاربة إصلاحية تجاه مفهوم التشهير، وهل ينبغي تطبيقه بالمعايير نفسها على الشركات.

كما ألحظ كثرة حديث الناس عن التشهير والاختلاف في فهمه حتى بين المتخصصين. فهل التشهير هو أن تدعي أن شركة أو شخصًا ما قد خالف القانون؟ وماذا لو ثبتت هذه المخالفة؟ هل يبقى التشهير جريمة؟ أم أنه يزول بسقوط زعم المُشهر؟ وهل التشهير بين ثلاثة أشخاص في قروب واتساب هي ذاتها في العلن؟ وماذا عن فرضية أخرى وهي لو شهّر شخص ما بأحدهم في أمر ليس مخالفًا للنظام، لكنه ربما مما يعيب الشخص ويقدح في مروءته؟ وماذا عن تعليقات منصات مثل «قوقل مابس» التي تسمح لك بإبداء تقييمك حول خدمات الشركات ومنتجاتها؟ متى تكون قد سقطت في دائرة التشهير ومتى تتجاوزها؟

Attribution: Mkkagain
Attribution: Mkkagain

جميع هذه الأسئلة لو طرحتها على الناس في أي من المجالس ستجد اختلافًا كبيرًا، بل ستسمع قصصًا مغايرة بين شخص شهّر بشركة وقاضته، وشخص شهّر بأخرى ولم يحصل شيء. ولعلي هنا أستطرد قليلًا في أن كثيرًا من الشركات قد تهدد الشخص بأنها ستشتكي عليه إلا أن يعوّضها أو يقدم اعتذارًا أمام العلن، ومن المهم أن نعرف أن هذا مجرد تهديد، لو ذهبت به الشركة إلى القضاء لرُدت الدعوى ربما. ولكن لضبابية مفهوم التشهير، سيرجح الشخص خيار خسارة المال أو الاعتذار علنًا على أن يراهن باحتمالية دخوله السجن لارتكابه جريمة التشهير.

وكما ذكرنا فإن التشهير من المواضيع التي تمس حياة الناس اليومية، وهو من طبيعة الجرائم التي تصدر بطريقة عفوية ولا تحتاج إلى عقلية إجرامية. ولهذا ينبغي أن يكون لهذه الجرائم في القانون تعامل دقيق، لأن هناك فرق بين جريمة مثل جريمة الخطف التي تستدعي قدرًا من التخطيط والجرأة والعقلية الإجرامية، وتحصل على مراحل وخطوات زمنية ممتدة من انتظار وترقب وخطف واحتجاز وإعداد وسيلة ومكان للخطف، وجريمة مثل التشهير. ففي لحظة غضب أو انفعال تريد أن تبوح بشيء أو تبدي رأيًا او تعليقًا تجد نفسك متهمًا بجريمة جنائية عقوبتها السجن.

وهذا مما يحفز الحديث عن إصلاح مفهوم التشهير من خلال تعديلٍ تشريعي يضبط سلوك التشهير بشكل يقلل النزاع حوله، لأننا لو عدنا إلى المادة التي تجرم التشهير وهي المادة الثالثة الفقرة الخامسة: «التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم، عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.» نلاحظ أنها لا تعرف التشهير بقدر ما تذكر أن التشهير بالآخرين جريمة.

وبالمناسبة، وهذه من المسائل الفنية في علم القانون، الأنظمة والقوانين عمومًا ليست دائمًا وظيفتها التعريف بالمصطلحات، وذلك لاعتبارات عملية كتجدد مفاهيم كثير من الكلمات، ولقدرة النظام على مواكبة مستجدات العصر ونوازله، وكون الأنظمة والقوانين ليست من الأمور التي يمكن تغييرها بسهولة، بل ولا ينبغي أن تكون كذلك، لما تعطيه من استقرار وثبات وثقة لدى الناس. إذ لو كانت تتغير دائمًا وبشكل سريع لأدى ذلك إلى ضعف الثقة تجاهها، ولهذا يكون التعريف غالبًا شأن القضاء وفقهاء القانون. ولكن مع ذلك تسعى بعض الأنظمة إلى التعريف تجنبًا للالتباس وضبطًا للمصطلح، وهو أمر تزداد أهميته في موضوع مثل التشهير الذي يتقاطع مع الناس بصورة يومية ويعد من الجرائم، فالحاجة تستدعي هنا تعريفه بدقة. 

المحكمة العامة بالرياض / وكالة الأنباء السعودية
المحكمة العامة بالرياض / وكالة الأنباء السعودية

وأيضًا يدعونا هذا إلى اقتراح نشر الأحكام القضائية النهائية المتعلقة بالتشهير؛ مما يخلق قدرًا من اليقين في عمل القضاء وفهمه لقضايا التشهير، ويساعد المختصين على تقديم الرأي والاستشارة الدقيقة. ففي غياب الوضوح في التشريع، وقلة بل انعدام الأحكام القضائية حول التشهير، يجد المستشار القانوني أو المحامي نفسه في موقف ضبابي، ويقدم استشارة وقائية من باب (ابعد عن الشر) ومن قبيل تجنب إبداء الرأي: «احذف تعليقك» أو «لا تعلّق»، حتى لو كان هذا المحامي ذاته لا يرى وجود تشهير، لكنه مع ذلك يقترح تجنب هذا السلوك لاحتمالية أن يعاقَب طالب الاستشارة بعقوبة جنائية.

وإذا تأملنا الغاية من تجريم التشهير، نجدها قائمة على حماية الجانب المعنوي للإنسان، كسمعته وعرضه. فالبشر في مجتمعات مترابطة أفرادها كثيرون، ويصعب علينا أن نتعامل مع الأشخاص بعد أن نعرف كل التفاصيل عنهم، ولا يمكننا معرفة كل شخص وكل شركة بدقة، فنركن إلى السمعة حمايةً لنا واختصارًا للوقت. ويأتي تجريم التشهير هنا حماية لهذه المصلحة المعتبرة، وأيضًا يمتد ذلك إلى حصر التشهير بيد الجهات الرسمية والقضاء، وإن صح ما شُهر به، تجنبًا للسماح للناس باتخاذ التشهير وسيلة تصفية حسابات بينهم، ولما فيه من تعدٍّ على الدولة لكونها هي التي تضبط الأمن وتأخذ حقوق الناس، وحتى لا نتحول إلى قانون الغابة ويتفشى الظلم الملتبس بالحق بين الناس. وقد فصلنا ذلك في مقالة سابقة بعنوان «التشهير قبل حكم القضاء فوضى وجريمة».

وهذا ينقلنا إلى المحور التالي: هل ينبغي أن تكون معايير وقوع التشهير على الفرد هي ذاتها للشركات؟ أو هل مستوى الحماية المقرر لشخص ما هو ذاته للشركات؟ بالطبع من الضروري أولًا أن نقر بأن الشركة بمثابة الشخص في نظر القانون، وكما أن للشخص الطبيعي حقوقًا ينبغي حمايتها بالقانون، فإن الشخص الاعتباري، مثل الشركات، يستحق حماية القانون أيضًا.

ولكن في تصوري أن أهمية السمعة للشخص الطبيعي أكثر ارتباطًا وأكثر موثوقية منها لدى الشركات -على الرغم من أهميتها للشركات- لأن تطلّبات الناس حول الأشخاص ومعاييرهم حول ما ينبغي أن تكون عليه سمعتهم أكثر منها في الشركات. فالناس تتقبل من الشركات ما لا تتقبله من الناس، والحاجة تجاه إبداء الرأي والتعليق حول البشر أقل منها في الشركات.

ولذا ينبغي أن تكون المعايير أقل صرامة في الشركات. فالشركة كثيرًا ما تكون غير مرتبطة بأشخاص مؤسسيها وملاكها، ويمكن إنشاء شركة باسم آخر وتستأنف الشركة عملها، بينما يصعب ذلك على الإنسان فيما يلتصق به من تهمة -ولاحظ أني قلت تهمة، فالناس تتوقى الشخص وتتجنبه بمجرد اتهامه فهي لا تنتظر حكمًا قضائيًّا يفصل في الموضوع- والحاجة إلى إبداء الرأي حول خدمات الشركة ومنتجاتها وتعاملها أكبر، فهذه غاية وجود الشركة وهي تقديم منتج أو خدمة ونحو ذلك، بعكس الإنسان الذي يصعب حصره في هذه النظرة، فالإنسان أوسع من ذلك وأشمل.

والحاجة إلى إرساء بيئة تمكن المستفيدين من نقد الشركات وإبداء الرأي حول خدماتهم هو أمر يصب في مصلحة الجميع. فمن الزاوية الاقتصادية، ما يرفع الجودة ويخفض الأسعار هو التنافس الحر الذي يقوم على كثرة المعلومات وانتشارها. فنقص المعلومات أو كما يسميه الاقتصاديون (Lack of Information) يقلل الجودة، ويمنع الناس من معرفة الشركات التي يتعاملون معها لقلة التعليقات حولها؛ وقد يكون أحد أسباب قلتها هو خوفهم من الوقوع في جريمة التشهير، فيمتنع الناس عن مشاركة تجاربهم. وبذلك تفقد الشركة حافز التطوير والتحسين، بينما بانتشار المعلومات ستسعى الشركات إلى بذل الجهد في إصلاح الأخطاء وتلافيها.

وأخيرًا، أدعو إلى إصلاح في مفهوم التشهير من خلال التشريع ونشر الأحكام القضائية، الذي بدوره سيزيل الضبابية الموجودة في أذهان الناس حول ما يتعلق بسلوك يرتبط بالشأن اليومي، وهو من السلوكيات العفوية التي لا يلقي فاعلها لها بالًا ولا يخطط لها. وربما نحتاج إلى معايير أقل صرامة تجاه إبداء الرأي في الشركات لتشجيع الناس على مشاركة انطباعاتهم حولها، وهو ما سيعود بمنفعة عامة. وبما أن التدارك وإمكانية العودة للشركات أكثر منها لدى الإنسان، اقتضى ذلك حماية الإنسان بدرجة أكبر.


كيف تتخيّل بيت العمر؟ 💭

مسكن متكامل ومريح، موقعه قريب من كل شي، وفيه كل شي 🏡✨

موقفك الخاص، مصلى، مقهى،بقالة، صالة رياضية، وترفيهية!

هذي هي تجربة السكن في صفا 🔗

التجربة اللي تسبق الحاضر وتنبض بالحياة 🖼️🥁


فقرة حصريّة

آسفين على المقاطعة، هذه الفقرة خصصناها للمشتركين. لتقرأها وتستفيد بوصول
لا محدود للمحتوى، اشترك في ثمانية أو سجل دخولك لو كنت مشتركًا.

اشترك الآن

«ترك باب التشهير مفتوحًا على مصراعيه للناس أشبه بتوزيع الأسلحة بينهم!»

في مقالة «التشهير قبل حكم القضاء فوضى وجريمة»، المنشورة في نشرة الصفحة الأخيرة، يحلل أحمد العطاس ظاهرة التشهير غير القانوني في وسائل التواصل الاجتماعي وينقدها؛ لتقويضها الإجراء العادل لإقامة العقوبات في المجتمع.


*تعبّر المقالات عن آراء كتابها، ولا تمثل بالضرورة رأي ثمانية.

نشرة الصفحة الأخيرة
نشرة الصفحة الأخيرة
أسبوعية، الثلاثاء منثمانيةثمانية

مساحة رأي أسبوعية تواكب قضايا اليوم بمقالات ولقاءات تحليلية في مختلف المجالات، لتمنحك فرصة استكشاف الأحداث وتكوين رأي تجاهها.

+10 متابع في آخر 7 أيام