الخلود من دوري المناطق إلى نصف نهائي أغلى الكؤوس

لنرجع للوراء قليلًا، إلى سنة 2017 في الرس تحديدًا. ستُلعَب مباراةٌ حاسمة  لنادٍ من دوري المناطق «الدرجة الثالثة» إلى دوري الدرجة الثانية. لم يتخيل أحد حينها أن النادي الصاعد ذاته سيكون أحد أطراف نصف نهائي أغلى الكؤوس في العام 2025.

في الرس، وعلى ملعب غريمهم في المدينة نادي الحزم، عبر الخلود إلى نصف النهائي بعد التغلب بنتيجة (4-3) أمام نادي الخليج، في لقاء مثير مليء بالأخطاء الدفاعية من الفريقين. إلا أن الخلود كان الفريق الأكثر استغلالًا لتلك الأخطاء، فنجح بالعبور إلى نصف نهائي الكأس.

ربما تنتهي رحلة الخلود في الكأس في نصف النهائي، ولكن هذه الرحلة التي بدأت عام 2017 من دوري المناطق إلى نصف نهائي كأس الملك، قصة صعودٍ هائلة في كرة القدم السعودية. وقد قال مدرب الخلود بعد اللقاء في المؤتمر الصحفي «أدَّى الكل عملًا جبارًا وكبيرًا في تاريخ النادي منذ تأسيسه، وما عملوا به هو أساس ما وصلنا إليه اليوم، في النتائج والقيم التي زرعوها في النادي؛ نحن انطلقنا منها للوصول إلى هذه الليلة.»

ولا شك أن النجاحات السابقة هي أساس النادي الآن، الذي أصبح أول أندية الكرة السعودية تحت الملكية الأمريكية. وللصدفة، وفي أهم ليلة في تاريخ النادي -كما وصفها هاربورق- غاب مالك النادي بن هاربورق بسبب سفره للخارج، لكن محمد الخليفة حضر وحيدًا مع المشجعين، الرجل الذي بدأ هذه القصة من المدرج ليشهد فصل القصة الأخير من المدرج أيضًا. فقد قدم محمد الخليفة الكثير لنادي الخلود، ولن ينساه التاريخ في قصة التحول التي يعيشها النادي الآن.

قال مالك النادي عبر منشور في منصة «أكس» بعد الفوز: «نقف اليوم على أكتاف وإنجازات رؤساء سابقين مثل أبو عادل والعديد ممن لا يسعني ذكرهم، وغياب أسمائهم لا يعني غياب فضلهم، فبفضل الله ثم بفضلهم جميعًا بُنيَ هذا الصرح العظيم.»

بالعودة إلى عام 2017 أرفق لكم في الأعلى صورةً لتدريبات الفريق في ذلك العام، قبل انطلاق تصفيات الصعود لأبطال المناطق. لا تتوفر أطقم تدريب، لا يوجد طاقم تدريب كبير، ملعب متهالك والكثير من النواقص، ولكن وُجدَت رغبة بصناعة نادٍ جديد بحلمٍ كبير. نادٍ يكبر يومًا بعد يوم بفضل من عملوا به من الرئيس واللاعبين والمدربين وحتى أصغر العاملين في النادي، من اليوم الأول في عام 2017 حتى اليوم في العام 2025.

استطاع نادي الخلود أن يكوِّن نفسه من لا شيء، فأصبح اليوم أحد أندية نصف نهائي أغلى الكؤوس. ويُنظَر إلى النادي كقصة نجاح مليئة بالدروس لكثير من الأندية والمحافظات التي تطمح للوصول في يوم من الأيام إلى المكانة التي وصل إليها نادي الخلود اليوم.

نجاح عبدالعزيز العليوة هو نجاح لنموذج الخلود

في منطقة المقابلات يظهر شخص جديد من نادي الخلود بغياب المالك، وهذا الشخص هو قاريث، المدير الرياضي لمجموعة بن الرياضية المالكة لنادي الخلود. وفي حديثه لوسائل الإعلام قال: «نريد أن نمنح اللاعبين فرصًا للتطور والوصول إلى أفضل مستوى.»

يكمل: «لقد بذلنا الكثير من الوقت والجهد في اختيار المدرب الذي أردنا ضمه إلى النادي، ليس للفوز بالمباريات فقط ولكن لتطوير اللاعبين.»

ما قاله قاريث هو الأمر نفسه الذي يتحدث عنه مالك النادي بن هاربورق طوال الأشهر الماضية. فقد اتضحت رغبة نادي الخلود في تجهيز لاعبين سعوديين من أجل بيعهم على أندية أخرى داخل الدوري، ومن هنا يحقق النادي الإيرادات الأكبر. وهذا نموذج يحتاج إلى جهد مضاعف.

هل بذل الخلود جهودًا؟ بكل اختصار، نعم فعل النادي ذلك. وعبدالعزيز العليوة هو أكبر عملية تسويق لفكرة النادي حتى هذه اللحظة. فاللاعب يقدم موسمًا رائعًا جدًا إلى هذه اللحظة في 11 مباراةً شارك بها مع الفريق، ويقترب من معادلة عدد مبارياته في مسيرته مع ناديه السابق النصر.

ذهبت إلى محمد البريكي كاتب نشرة بين الخطوط، وطلبت منه شرح خصائص اللاعب لنا، وقال: «يلعب العليوة في الغالب كجناح أيمن، ويجيد اللعب في الجناح الأيسر أيضًا. وأكثر ما يميز عبدالعزيز العليوة أنه لاعب مباشر، عندما يحصل على الكرة يذهب مباشرةً إلى المرمى، وهذا أمرٌ ممتاز.»

يكمل: «يفضِّل الأجنحة عادةً الذهاب إلى الأطراف ولعب الكرات العرضية بزيادة أو محاولة المراوغة من أجل المراوغة فقط، ولكن العليوة مباشر جدًا على المرمى، وهي ميزة ممتازة فيه.»

يستكمل حديثه: «يفرِّغ نفسه بشكل ممتاز دائمًا بدون الكرة، تجده مفرغًا نفسه في أكثر من لقطة على الطرف أو يصل إلى العمق أحيانًا في المساحات اليمين؛ وذلك للابتعاد عن الرقابة ولاستلام الكرة بين الخطوط أو خلف الظهير. تحركاته ذكية وممتازة واستلامه ممتاز ولمسه للكرة ممتاز أيضًا بدون لمسات زائدة، هو جريء وجرأته واضحة جدًا.»

يختم البريكي حديثه بالنقاط التي من المفترض أن يطوِّرها اللاعب: «يحتاج العليوة إلى أن يتطور في المساندة الدفاعية؛ فهو يتراجع بدنيًا بعد الدقيقة 60. ولكنه لاعب شاب، الجانب البدني نقطة سلبية فيه وفي غالبية اللاعبين الشباب السعوديين، ويجب أن تتطور لديه تلك النقطة.»

يبلغ عبدالعزيز العليوة من العمر 21 عامًا الآن، وهو في قائمة المنتخب السعودي تحت 23 سنة ولديه فرصة كبرى للتطور أكثر خلال الموسم الحالي والذهاب بعيدًا في المستقبل. وبلا شك نجاح اللاعب هو أكبر تسويق لنموذج الخلود، وربما سيكون النادي أكثر قدرةً على إقناع اللاعبين الشباب مستقبلًا بتفضيل نادي الخلود في عملية اتخاذ القرار في مفاوضات الانتقالات.

جماهير نادي الخلود: قاعدة تنمو

في أثناء جلوسي في المنصة الإعلامية في ملعب الحزم في الرس لمتابعة لقاء الخلود والخليج، يجلس أمامي مشجعو نادي الخلود. والأمر البارز في المشجعين بالمدرجات صغر سنهم بشكل جليّ جدًا.

يحضر طلاب المتوسط وطلاب الثانوي بكثرة عالية (ستجد أولياء أمور أيضًا بسبب حضور بعض الأطفال في الملعب)، إذ يصنع نادي الخلود قاعدةً جماهيريةً جديدةً بمحافظة الرس. وربما بدأت تظهر النتائج الأولية لتحركات الملاك الجدد بالنادي نحو التقرب أكثر من المجتمع.

كانت مباراة اليوم هي المباراة الثالثة للنادي فقط في محافظة الرس منذ انتقال ملكية النادي، وهو أمر لم يساعدهم بطبيعة الحال في تطوير تجربة الحضور وفهم جمهورهم الجديد. ولكن مع مرور مباريات الموسم سيكون للنادي معرفة أكثر وقاعدة ستنمو يومًا بعد يوم.

تستحق تجربة الخلود الجديدة تحت الملكية الأمريكية المراقبة بشكل أكبر للاستفادة من دروسها، التي قد تفيد الكثير من الأندية الأخرى في المحافظات الراغبة بالنجاح كما نجح الخلود في هذه السنوات المثيرة بالنادي، بقصة صعود ناجحة على كل المقاييس.