كيف ستغيّر زيارة ولي العهد لواشنطن السعودية والشرق الأوسط
لم تعد السعودية الطرف الذي يبحث عن مقعد على الطاولة، بل باتت الطاولة التي يُعاد فوقها ترتيب الحسابات

وصل اليوم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، في زيارةٍ ستكون الحدث الأبرز في أخبار هذه الفترة.
المآلات الممكنة جرّاء الزيارة متعددة، وعلى رأسها تعميق التعاون الأمني والنووي والتقني والاقتصادي، بصورة مُغيّرة لواقع التوازنات في الشرق الأوسط. ولذا، يبحث هذا العدد هذه الزيارة، ويحلل آثارها الممكنة.
قراءة ماتعة.
عمر العمران


ليست الزيارة الحالية لولي العهد إلى واشنطن تكرارًا لزيارة 2018؛ فالفاصل بينهما ليس سنوات فقط، بل تغيّر كبير في معادلة النفوذ ومراكز الثقل الإقليمية. في 2018، كان الأمير محمد بن سلمان في بداية صعوده العالمي، والسعودية في طور تقديم نموذجها للعالم. أما اليوم، فهو سيُستقبل في واشنطن ليس بوصفه «زعيمًا واعدًا»، بل بوصفه صانع توازنات إقليمية، وفاعلًا دوليًّا لا يمكن تجاوزه. لم تعد السعودية الطرف الذي يبحث عن مقعد على الطاولة، بل باتت الطاولة التي يُعاد فوقها ترتيب الحسابات.
أما الولايات المتحدة، فلم تعد الطرف المانح الذي يحدد من يستحق الدعم، ومن يُستثنى منه. هذا التحول في موازين القوى العالمية -من الانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط، إلى التحدي الآسيوي بقيادة الصين- جعل واشنطن بحاجة إلى شريك موثوق وقادر في المنطقة، لا مجرد تابع.
تدخل المملكة العربية السعودية بزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن برؤية استراتيجية واضحة، ليست قائمة على التمني أو المجاملة، بل على إدراك دقيق لمتطلبات المرحلة وموازين القوة الراهنة.
تختلف هذه الزيارة عن زيارة 2018، التي كانت تركز أساسًا على تعزيز الشراكات الاقتصادية والاستثمارية في إطار رؤية 2030، مع الاعتماد على دعم أمريكي مباشر لمواجهة التحديات الأمنية. أما اليوم، فالفوارق جوهرية: أصبحت السعودية صانع توازنات إقليمية، لا مجرد متلقٍ للدعم، حيث تفرض أجندتها بثقة أكبر، مدعومة بتطورات داخلية مثل تنويع الاقتصاد وتعزيز القدرات الدفاعية الذاتية. وفي 2018، كانت الزيارة تتمحور حول جذب الاستثمارات الأمريكية، أما الآن فتتجاوز ذلك إلى بناء شراكات دفاعية وتقنية ملزمة، مع التركيز على الاستقلال الاستراتيجي في ظل تغيرات عالمية مثل تراجع الهيمنة الأمريكية وصعود البديل الآسيوي.

منذ عام 2018، شهد الأمير محمد بن سلمان تحولًا بارزًا في قيادته جراء المتغير الإقليمي والدولي، حيث أصبح أكثر براغماتية وتركيزًا على الإصلاحات الجذرية الداخلية والخارجية. كما تغير نهجه الخارجي نحو خفض التوترات الإقليمية، مثل إعادة العلاقات مع إيران وتحسين الروابط مع دول المنطقة والإقليم ذات الأهمية للسعودية، مما عزز من دوره بوصفه صانع توازنات إقليمية بدلًا من الاعتماد على التحالفات التقليدية فقط.
هذا التحول يعكس وعيًا أعمق بمتطلبات الاستقرار الطويل الأمد. فالرياض لا تبحث عن حماية رمزية أو غطاء سياسي مؤقت، بل تسعى إلى شراكات عملية تحمي مشروعها الوطني الطويل الأمد، خاصة رؤية 2030 التي تحتاج إلى بيئة إقليمية مستقرة.
أولويات الشراكة مع أمريكا: دفاع وتقنية
تقف في صلب الرؤية السعودية أولوية مزدوجة. أولًا، تفاهم دفاعي، يمثل ترقية وازنة من الوضع الحالي قابلة للتنفيذ. إذ تسعى السعودية إلى ترتيبات ثنائية دفاعية، حتى دون مصادقة مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي، تترجم التزامات واشنطن الكلامية ومذكرات التفاهم إلى آليات ردع واضحة أمام تهديدات حقيقية وليست نظرية تواجهها السعودية. هذا التحول ينبع من وعي بأن الأمن المؤقت لا يحمي المشاريع الطويلة، وأن رؤية 2030 تحتاج إلى أمن مستدام.

ثانيًا، شراكة تقنية تعكس احترامًا متبادلًا. إذ لا تبني السعودية اقتصادًا استهلاكيًّا، بل معرفيًّا مستقلًّا. وهي تطلب من الولايات المتحدة شراكة إنتاج ونقل معرفة: مراكز بيانات داخل السعودية، وتدريب كوادر وطنية، وتوسع في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي ونقل التقنية، وهذا فرق جوهري عن مجرد تراخيص الاستخدام. وإذا لم تقدم واشنطن منظومة تصدير مستقرة، فالبدائل الآسيوية مفتوحة. ستكون الرسالة السعودية واضحة في الزيارة: إما شراكة تقنية تنقل السعودية تقنيًّا إلى مكان آخر أعلى تنافس فيه العالم، أو الانفتاح والاندفاع نحو خيارات شرقية وغربية أخرى لأن عامل الزمن أساسي في هذا المجال بالذات.

في الجوهر، هذه الوسائل -ما أسميته بالتفاهم الدفاعي، والاتفاق النووي المدني، والتقنيات المتقدمة، وحتى صفقات الـ(F-35)- تخدم هدفًا سعوديًّا واحدًا واضحًا: خلق بيئة مستقرة تمكن السعودية من إعادة تشكيل اقتصادها، وتحييد مصادر الفوضى، وكسر احتكار الردع لدى أطراف إقليمية مثل إيران وإسرائيل. لا تطلب السعودية أكثر من حقها في نموذج مستقر مبني على توازن يسمح للجميع بالازدهار.
السعودية والسلام: شراكة لاستقرار حقيقي
لا تبحث الرياض عن تطبيع مجاني أو اختراق إعلامي يتآكل سريعًا. إذ ترى في «التطبيع» وسيلة وليس غاية في حد ذاتها -كما حصل مع غيرها- ضمن صفقة أوسع تعيد تشكيل المنطقة على أسس عادلة. فأي صفقة لا تبدأ بحل سياسي للقضية الفلسطينية لن تُثمر استقرارًا.
والموقف السعودي قائم على ثلاث ركائز: حل الدولتين كإطار عام، وترتيبات أمنية جماعية تحفظ التوازن الإقليمي، وإعادة إعمار غزة ضمن مسار سياسي واضح حتى لا نُفاجأ بتفجر دائرة جديدة من العنف في المستقبل القريب.
بطبيعة الحال ستسعى إدارة ترمب لإنجاز سريع يقدم التطبيع مقابل بعض الامتيازات الدفاعية والتقنية التي ستُمنح للسعودية. لكن التطبيع من منظور الرياض لا بد أن يكون نتيجة تفاهم شامل يحترم الحقوق ولا يتجاهل الحق الفلسطيني في أي شراكة أمنية أو اقتصادية.
فالسعودية مع الانفتاح المحسوب، لكنها لن تدفع ثمنًا سياسيًّا مقابل استقرار ظاهري. وهي مستعدة للسلام الحقيقي، لكنها ترفض أن تكون شاهد زور على تسويات مبتورة. وحتى لو كانت الإدارة الأمريكية ترى الجهود الدولية، مثل ما تقوم به فرنسا أو غيرها، عملًا غير مفيد أو مضيعة للوقت -والسعودية لا تراها كذلك بالطبع- فستتعامل السعودية مع المبادرات الأمريكية بجدية ورغبة جامحة في إنجاحها، أسوة بما قامت به من تحشيد عالمي بما يتعلق بحل الدولتين.
تثبيت العلاقة مع أمريكا: شراكة مع الدولة لا الحزب
تربط السعودية علاقتها بـ«أمريكا الدولة» لا «أمريكا الحزب». ولا رغبة للسعودية أن تكون طرفًا في المنازعات الداخلية الأمريكية ولا مصلحة لها في ذلك. فهي تركز على المؤسسات الراسخة: البنتاقون، والخارجية، ومجتمع الاستخبارات وأجهزته، مع عدم إغفال قدرة الرئيس وصلاحياته في التأثير فيها، خصوصا مع ترمب حيث تأتي التوجيهات والخطط الكبرى والصغرى من أعلى إلى أسفل لا العكس.

ستكون الزيارة مكسوّة بلغة الدولة: تعاون دفاعي مشترك، واستثمارات طويلة الأمد. لا صور استفزازية أو تصريحات انتخابية، بل دبلوماسية مسؤولة تعمل بتركيز شديد على إمضاء شراكة مستدامة. هذا ليس حيادًا، بل تثبيت للسعودية بوصفها قوة مستقلة تدير تحالفاتها من موقعها.
وستكون الرسالة لواشنطن: نحن شريك طويل النفس، نطلب احترامًا متبادلًا لعقل الدولة. ومع تراجع الرغبة الأمريكية في الانخراط في مشاكل الشرق الأوسط، تحتاج واشنطن إلى السعودية بوصفها ضابط إيقاع إقليمي متزن بقدر حاجة الرياض إليها.
من بقيق إلى الدوحة: إعادة كتابة معادلة الردع
كشف الهجوم الإسرائيلي على الدوحة في 9 سبتمبر، بعد هجمات بقيق سبتمبر 2019، عن هشاشة الردع الأمريكي رغم الوعود الكلامية. وتحركت الرياض نحو ردع مستقل: اتفاق دفاع مع باكستان، ومطالب بترتيبات أكثر وضوحًا مع الجانب الأمريكي. وفي نهاية المطاف، الأمن بالنسبة إلى السعودية يُبنى داخليًّا ولا يُفوض، والتحالفات والشراكات تُقاس بالضمانات وإلا فهي فارغة، والأكيد أن من لا يصنع أمنه بذراعه سيبتلع فوضى غيره.

الاتفاق النووي المحتمل
برزت الجهود السعودية خلال السنين الأخيرة نحو الاستثمار في الطاقة النووية، وسعت تحديدًا لتأكيد استحقاقها في التخصيب المدني على الأراضي السعودية، وأمضت تفاهماتها مع وكالة الطاقة الدولية على هذا الأساس.
إلا أن التعاون النووي مع أمريكا، وما يتيحه ذلك من قدرة على استيراد التقنية النووية الأمريكية، يستلزم التزام الدول الأخرى بالتوقيع على «اتفاق 123»، وهو القاضي بتوفير عدّة ضمانات لأمريكا، بينها تقييدات دقيقة لعمليات التخصيب المحلي.
خلال هذه السنة، صرّح وزير الطاقة الأمريكي بأن الرياض وواشنطن في مسار الوصول إلى اتفاق تطوير برنامج نووي مدني سعودي، وأنه يتوقع كشف تفاصيل هذا التعاون قبل نهاية العام.
لن تُحدث هذه الاتفاقية تغييرًا جذريًّا، فنحن اقتصاد يعتمد على النفط، لكنها ستوفر ما بين 15% و20% من الكهرباء لقطاعي تحلية المياه والصناعة، وهذا سيوفر النفط.
وبذلك، قد يتطوّر هذا الملف بصورة جوهرية خلال الزيارة القادمة، سواء بالمضي في اتفاق 123، أو وفق إطار آخر أقل تقييدًا للتخصيب المحلي.

كيف تتخيّل بيت العمر؟ 💭
مسكن متكامل ومريح، موقعه قريب من كل شي، وفيه كل شي 🏡✨
موقفك الخاص، مصلى، مقهى،بقالة، صالة رياضية، وترفيهية!
هذي هي تجربة السكن في صفا 🔗
التجربة اللي تسبق الحاضر وتنبض بالحياة 🖼️🥁

فقرة حصريّة
اشترك الآن

ادّخر بذكاء من كل عملية شراء 🧠
كل ريال تنفقه يمكن أن يصنع فرقًا في مستقبلك المالي.
«ادخار سمارت» من stc Bank حساب ادّخاري يعطيك 4% أرباح سنوية وتقدر تسحب فلوسك بأي وقت!
ادّخر اليوم، واستثمر في غدك مع «ادخار سمارت».


«تعيد المعادلة الجديدة في الشرق الأوسط تشكيل واقع المنطقة بما يخدم إسرائيل أولًا وأخيرًا. غير أن السعودية تعرف منذ زمن أن أمنها الوطني يأتي قبل أي اعتبار آخر.»
في مقالة «كيف سيغيّر الاتفاق السعودي الباكستاني أمن الخليج» المنشورة في نشرة الصفحة الأخيرة، يحلل هشام الغنام دوافع الاتفاق الدفاعي الأخير بين السعودية وباكستان وجذوره، والمآلات التي يحملها للبلدين والشرق الأوسط.
*تعبّر المقالات عن آراء كتابها، ولا تمثل بالضرورة رأي ثمانية.

مساحة رأي أسبوعية تواكب قضايا اليوم بمقالات ولقاءات تحليلية في مختلف المجالات، لتمنحك فرصة استكشاف الأحداث وتكوين رأي تجاهها.