صانع المحتوى واقتصاديات المحتوى الهرائي!
زائد: الإبداع على طاولة صغيرة من عاج

إذا طلبنا منك أن تخمن نسبة المقالات المكتوبة بالذكاء الاصطناعي الموجودة في الإنترنت حاليًّا، ما النسبة التي ستخطر على بالك؟
أكيد ليست 100% (مش للدرجة دي 😅) بل 50%😳
هذا الرقم وصلت إليه دراسة شاركتها نشرة (The Rundown AI). لكن اطمئن؛ وفقًا للدراسة، نسبة كبيرة من تلك المقالات هائمة في العدم الإنترنتي ولا تصل إلى محرك بحث قوقل ولا إلى «جي بي تي». لكن، لم تحسب الدراسة عدد المقالات المكتوبة بالتعاون ما بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، وهنا الطامة الكبرى! 🤦🏻♂️
في عددنا اليوم، أشاركك مصطلحًا جديدًا تعلمته من مجلة الإيكونومست ذا علاقة بطوفان المحتوى المصنوع من الذكاء الاصطناعي. وفي «شباك منور» نحتفي بطاولة العاج الصغيرة التي كتبت عليها روائية عددًا من أنجح الروايات الكلاسيكية. وفي «لمحات من الويب» نودعك مع اقتباس تحذيري عمّن ندعي أننا عليه أمام الناس، ومع السؤال: هل كان هومر شخصية حقيقية؟ 🤔
إيمان أسعد

صانع المحتوى واقتصاديات المحتوى الهرائي!
كنت قاب قوسين أو أدنى من مشاركة مقطع الفيديو على «لمحات من الويب»، لامرأة توبخ قطة على الطعام المرمي على أرضية المطبخ، بينما القطة توبّخ وتزعق موجهةً اللوم بمخلبها إلى الكلب المذعن لها. تعرف لماذا لم أشاركه: اكتشفت أنه من صنع الذكاء الاصطناعي، تحديدًا تطبيق «سورا» (Sora). واكتشفت هذا الأمر من التعليقات وليس من حدة ملاحظتي (ولا من العلامة المائية للتطبيق على المشهد!!)😬.
تظن أني تعلمت الدرس؟ لا. مرة أخرى، البارحة، كدت أشارك مقطع فيديو لكلب ينقذ طفلًا من سقوط شاشة التلفاز عليه.
أولًا، وفي ملاحظة قد تبدو جانبية للموضوع الرئيس: أظن وجود الحيوانات في هذه المشاهد يسهّل الوقوع في فخها. فإذا اعتمدنا على الهدف النهائي الذي تريده شركات الذكاء الاصطناعي من تطبيقاتها، ألا وهو إثارة تفاعلنا معها ومع محتواها لأطول وقت ممكن، فالحيوانات طعم ممتاز.
فقد تربينا على حكايا ومسلسلات وأفلام كرتونية تتصرف فيها الحيوانات على نحوٍ بشريّ، ورغبتنا الطفولية في تصديق «أنسنة» الحيوانات تحفزها مقاطع كهذه. واعتيادنا على مقاطع المحتوى الحقيقي للحيوانات في تك توك وريلز كرَّس فينا مصداقيتها. مما يعمينا لحظيًّا عن انتماء المقطع إلى المحتوى الهرائي، حتى مع وجود العلامة المائية.
غرق منصات التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو من إنتاج تطبيق «سورا»، مع احتلال التطبيق المرتبة الأولى في أبل من حيث التحميل (بسرعة فاقت سرعة وصول «تشات جي بي تي» إلى هذه المرتبة لدى نزوله السوق)، دفع خلال الأيام الماضية إلى ظهور تحليلات وقعتُ على بعضها، من أصغر تحليل تك توكي إلى أكبر تحليل في الإيكونومست ودورية «أم أي تي» التقنية.
وكعادة الإيكونومست، عرفت منها مصطلحًا اقتصاديًّا جديدًا «اقتصاديات المحتوى الهرائي» (Sloponomics)، وذلك في تقريرها بعنوان «اقتصاديات المحتوى الهرائي: من الفائز والخاسر في فيضان محتوى الذكاء الاصطناعي؟» (Sloponomics: who wins and loses in AI-content flood).
ففي اقتصاد إبداعي يُتاح فيه للجميع إنتاج كم لا نهائي من المحتوى المرئي، بصرف النظر عن مهارات صانع المحتوى، ويُتاح فيه نشره للعامة بصرف النظر عن جودته، ما الذي سيحل بالصناعة الإبداعية المرتبطة بهذا المحتوى؟
قد يكون طوفان المحتوى المصنوع بالذكاء الاصطناعي ظاهرةً جديدة، لكنها في الواقع متكررة. فهذا ما حصل تمامًا مع إنستقرام، حيث تحوَّل الجميع إلى مصورين فوتوغرافيين، وغرقت المنصة بمحتوى لا نهائي من الصور والنصوص. لكن يشير التقرير إلى أنَّ ما أتاحه حقًّا تطبيق إنستقرام قبل خمسة عشر عامًا، وتتيحه الآن تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل «سورا» و«مدجورني»، هو دمقرطة الإنتاج الإبداعي.
هذه الدمقرطة لا تمنح صانع المحتوى الإبداعي، المحبط من العوائق أمامه، الأدوات اللازمة لصنع محتواه بأقل تكلفة مالية وبشرية فحسب، بل تمنحه أيضًا القدرة على التكسب من إبداعه. وكلما تطور استخدام صانع المحتوى للأدوات وأبدع فيها، نجح في تشكيل اقتصاد جديد مربح يعتمد على محتواه.
أكبر مثال يوتيوب. فقد مرَّت المنصة بفترة كانت أقرب إلى «مكب» لمحتوى عشوائي لا نهائي، ومخالف لقوانين الملكية الفكرية. لكن مع تميُّز مجموعة من صناع المحتوى، هم الأقلية المبدعة ضمن عدد لا نهائي من الصناع، نجحوا في إنشاء اقتصاد ربحي جديد يدرُّ المليارات. كما نجحوا في صناعة شكل جديد للمحتوى اليوتيوبي المرئي، والذي مع الوقت بات شكلًا تقليديًّا الآن.
خلاصة ما تقوله الإيكونومست، أنَّ دمقرطة صناعة المحتوى الإبداعي وفتح الباب للجميع لم تمنع تميُّز الأقلية إبداعيًّا ولا تطوّره للأفضل. فهؤلاء القلة نجحوا في مزج الاستفادة من الأداة المتطورة والإبداع في صناعة شكل جديد ومميز للمحتوى. كما لم تؤدِّ الدمقرطة إلى انهيار الصناعة الإبداعية الأساسية واقتصادياتها، بل أدت إلى قولبة جديدة لتلك الاقتصادات وتجديد صور التكسب القانوني منها.
من هنا، تختم الإيكونومست تقريرها بأن الفائز والخاسر في اقتصاديات المحتوى الهرائي، هما الفائز والخاسر في أي اقتصاد آخر: المتميز إبداعيًّا والمجتهد هو الأقرب إلى الفوز، والمتكاسل الذي يتبع الأنماط السائدة دون إضافة هو الخاسر.
لذا، إلى أن تبرز الأقلية المبدعة، سنظل غارقين في هراء محتوى الذكاء الاصطناعي، وسنصدق للحظة ما نراه من عجائب القطط والكلاب! 🤷🏻♀️


الإبداع على حيّز طاولة صغيرة من عاج 💰🚪
وأنا في عمَّان، تصفحت كتاب «غرفة تخص المرء وحده» للروائية فيرجينيا وولف، بترجمة عهد صبيحة. الكتاب مقالٌ مطوَّل يعتمد على عدة محاضرات قدمتها وولف في أكثر من جامعة لتعليم المرأة، تحديدًا حول قدرة المرأة على الكتابة الروائية. وفي الصفحة الثانية، تلخِّص وولف كل ما تحتاج إليه المرأة لكي تكتب: المال + غرفة تخصها.
تذكرت هذه المقولة حين ظهر لي في الريلز مقطع الكشف عن تمثال الروائية جين أوستين احتفاءً بمرور 250 عامًا على مولدها، وإلى جانبها طاولة صغيرة. هذه الطاولة مضرب مثل لما احتاجت إليه جين أوستن لكي تكتب: حيز صغير للغاية من الخصوصية المكانية والزمنية.
لم تتفرغ جين أوستن للكتابة إلا في سنواتها الأخيرة قبل وفاتها، من سن الخامسة والثلاثين حتى الحادية والأربعين. وتحقق لها ذلك حين انتقلت إلى عزبة أخيها لتسكن مع والدتها وأخواتها في كوخ. لم يكن لدى جين أوستن غرفة تخصها، لكن سُمِح لها بالتفرغ لبعض الوقت والتقليل من مساهمتها في أعمال البيت.
حينذاك، الحيز الوحيد الذي كان متاحًا لها لكي تكتب حيزٌ في زاوية قريبة من الباب الأمامي. وفي هذا الحيز طاولة صغيرة، تُعَد أصغر طاولة كتب عليها روائي. كانت تغطي أوراقها كلما سمعت صرير الباب لكي لا يطّلع أحد على أوراقها، ورفضت حتى نهاية حياتها إصلاح الصرير.
لكن «الطاولة الصغيرة» قد ترد أحيانًا بمعنى مجازي. فمن يقرأ روايات جين أوستين يدرك فورًا أنَّ العالم الذي تعيشه تلك الروايات عالمٌ محدود، تحدُّه خبرة جين أوستين الضيقة بالحياة، ونظرتها المحدودة لها من النافذة أعلى الطاولة. غير أنَّ هذا الأفق الضيق الذي فرضه النظام الاجتماعي لم يمنعها من خلق عوالم أدبية لا تزال تلقى صدىً حتى في القرن الحادي والعشرين.
روايتها «كبرياء وهوى» ليست فقط أكثر رواياتها تجسيدًا في الدراما، بل أكثر رواياتها (وأكثر الروايات الكلاسيكية الانقليزية) إلهامًا في الأعمال الأدبية والسينمائية حول العالم، آخرها فلم (Materialist).
المغزى، أنَّ المرأة فعلًا تحتاج إلى مال وغرفة تخصها حتى تغدو كاتبة، وأعرف ذلك لأني أكتب إليك الآن من الغرفة (الكيربي) الصغيرة في حديقة البيت التي حرصت على تشييدها بالمال الذي ادخرته من راتبي بعد قراءتي كتاب فيرجينيا وولف. لكن ما تبيّنه تجربة جين أوستين، أنَّ الأهم من المال والغرفة إيجاد حيزٍ من الوقت والمكان، مع القدرة على التركيز المتواصل.
حينها، حتى إذا كانت نظرتك إلى العالم والحياة بوسع خرم الإبرة، ولم تتوفر لديك كل الأدوات، بإمكانك أن تمارس إبداعك على أصغر حيّز.🪟✍️
إعداد 🧶
إيمان أسعد

ادّخر بذكاء من كل عملية شراء 🧠
كل ريال تنفقه يمكن أن يصنع فرقًا في مستقبلك المالي.
«ادخار سمارت» من stc Bank حساب ادّخاري يعطيك 4% أرباح سنوية وتقدر تسحب فلوسك بأي وقت!
ادّخر اليوم، واستثمر في غدك مع «ادخار سمارت».

«أنت الشخصية التي تدَّعيها أمام الناس، فاحذر مما تدّعي أن تكون عليه.» كورت فونيقوت
هل هومر حقيقي؟
لما تتخصص في رسم البط على الطوابع البريدية.
أشيلك يا عمري على ذراعي وكتفي.

صانع المحتوى يلحق جزرة الخوارزميّات.
المغزى من كتابة المقال في عصر «جي بي تي».


نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.