جريمة حرمان رغد من المكرونة

زائد: عن العطاء بطيب خاطر

زياد الرحباني، مثل أمه فيروز، ارتبط في جانبٍ من جوانبه بالصباحات. لكن لا أعني من خلال الأغاني، بل مقاطع التك توك والريلز. ليس على نمط «ترند»، بل بالأحرى على نمط «خط فني» مستقل بذاته. 

وهذا الخط يقوم على اقتطاع عبارات تأملية لزياد الرحباني عن الحياة، وعبارات أخرى تحمل في طيّها مشاعر الحنين أو العتاب، من ثم تركيب صوته على مقاطع يصورها صاحب الحساب للصباحات والناس العادية، على شرفات البيوت أو الشوارع. 

المحزن في رحيل زياد الرحباني ليس في فقدان أثره الفني، لأنه باقٍ ويتجدد مع أي تطوّر، وسيظل يرافق صباحاتنا. المحزن حقًّا معرفتنا بأنَّنا نعيش في عصر الذكاء الاصطناعي، ويومًا بعد يوم، نصبح مستعدين للتخلي عن الإبداع البشري لصالح إبداعٍ مزيف قائم على الاستنساخ. 

في عددنا اليوم، يكتب خالد القحطاني عن الطفلة الفلسطينية رغد، وكيف حرمها الاحتلال من طبقها المفضل. وفي «شباك منور» تذكرنا شهد راشد بأن نعطي بطيب خاطر، وبدون انتظار مقابل. وفي «لمحات من الويب» نودعك مع اقتباس من جيمس كلير عن أهم مقومات الحياة السعيدة، وأهمية ألا تدع أحد يقتحم وقتك الخاص. 

إيمان أسعد


Imran Creative
Imran Creative

جريمة حرمان رغد من المكرونة

خالد القحطاني

عندما تقابل طفلًا لأول مرة، قد تسأله عدة أسئلة للتعرف على اهتماماته وأحلامه: كيف تحب قضاء وقت فراغك؟ ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ ما أكلتك المفضلة؟

وعلى هذا المنحى، سألت الصحفية الفلسطينية عبير أطفالًا من غزة والضفة الغربية هذه الأسئلة في كتاب «لا توجد حياة على كواكب أخرى» (There Is No Life On Other Planets). يشمل الكتاب مقابلات أجرتها معهم، وكتبتها لأول مرة في عام 2014. 

وفي عام 2024، رجعت عبير إلى الأطفال أنفسهم، وأعادت عليهم طرح الأسئلة ذاتها.

توثِّق عبير في هذا الكتاب تغيُّر إجابات هؤلاء الأطفال وطموحاتهم بعد مرور عقد كامل، وكيف لسياسات دولة الاحتلال الإسرائيلي وممارساتها أن شكلَّت تلك الأجوبة ومحتها. فمثلًا، عندما سألت عبير الطفلة رغد عندما كان عمرها تسع سنوات عن أكلتها المفضلة، أجابتها رغد ببساطة: «المكرونة». ولكن عندما سألتها السؤال نفسه بعد عشر سنوات، أجابتها: «أكلتي المفضلة هي ما اعتدت أكله قبل الحرب، لأن طعمه مختلف عما نُجبَر على أكله الآن.» 

الجوع وسوء التغذية يهددان حياة رغد، ومعها أكثر من نصف مليون فلسطيني في غزة (وفق تقرير منظمة الصحة العالمية في مايو، وبالتأكيد هذا العدد ازداد.) وحتى تاريخ الثالث عشر من يوليو، 875 فلسطينيًّا قُتلِوا عمدًا على يد قوات الاحتلال لدى محاولتهم الحصول على الطعام والمساعدات الغذائية. وفي ثلاثة أيام فقط، لقي اثنان وعشرون طفلًا حتفه وهو ينتظر رغيف خبز واحد. فها هي دولة الاحتلال ترتكب جريمة أخرى بحق الإنسانية وأهل فلسطين، بتجويع وقتل أهل غزة. تستغل الطعام وحاجتهم إليه وسيلةً لإبادتهم، تاركةً أجسادهم هزيلة، يفتكها الجوع والمرض. 

هذا لا يعني أنه لا يوجد طعام كافٍ ليدخل أراضي غزة؛ فهناك أكثر من 116 ألف طن من الأغذية تنتظر خارج حدودها، بما يكفي لإطعام مليون نسمة على مر أربعة شهور، وجاهزة للدخول فورًا ما أن يُرفَع الحصار. لكن قوات الاحتلال تتحكم بما يدخل ويخرج، لذلك تحاصر وتمنع دخول أي لقمة. 

وعندما سمحت قوات الاحتلال بدخول الشاحنات المحملة بالطعام أخيرًا، كما شهدنا يوم الأحد الماضي، استقبلتها وانتظرتها أفواج من الرجال والنساء والأطفال بفارغ الصبر. ولكن انتظارهم انتهى بعدما أمطرت عليهم قوات الاحتلال بالرصاص، وقتلت 94 شخصًا وهم ينتظرون طعامهم الذي حرموا منه. 

درس الباحث ألكس دي وال تاريخ المجاعات، وكيف استخدمتها الدول المحتلة، باختلافها، في محاصرة من تحتلهم وقتلهم ببطء، فتجبرهم إما على مواجهة الموت أو مرارة الإزاحة من أوطانهم. وحذَّر وال في مقابلة أجراها في شهر مارس 2024، أنه لم يشهد أي مجاعة منذ الحرب العالمية الثانية كالتي نشاهدها (الآن) في غزة؛ فهذه المجاعة لم تسبّبها الكوارث الطبيعية أو غيرها من الظروف التي يصعب تجنبها أو التحكم بها، بل هي مجاعة «مصنَّعة»، ووسيلة مصممة ومهندسة لإبادة الفلسطينيين.

في مقال «تحت عواء الجوع» (Beneath the Howl of Hunger)، تكتب الباحثة الفلسطينية آلاء القيسي ما تشهده بعينيها الآن من تجويع وقتل في غزة، وتقول: 

«إن العيش في غزة يستهلكه الغياب. نحن لا نسير، بل ننجرف. نحن لا نأكل، بل نبحث. نحن لا ننام، بل نبقى يقظين، وآذاننا تنتظر الصوت الذي يهددنا ويدفعنا للجري. البقاء على قيد الحياة هنا هو طقس من طقوس التكيُّف في عالم لا يقدم لنا شيئًا. ومع ذلك، وفي خضم هذا الروتين المكسور، ما زلت أقابل لحظات تذكّرني بإنسانيتنا العنيدة: امرأة تأخذ آخر رغيف خبز تملكه، وتعطي نصفه لجارتها.»

على البشرية أن تتحرك، أن تقف إلى جانب هذه الإنسانية العنيدة التي تحاول كل يوم دولة الاحتلال تجويعها وقتلها. فتعود أكلة رغد المفضلة، المكرونة، إلى مائدتها كما كانت في طفولتها. 


عملاؤك يستاهلون تجربة شراء سهلة وذكية.

توصيل لكل العالم، وتعامل بكل العملات، وربط مع مختلف التطبيقات، ومئات المزايا الأخرى التي تساعدك على توسيع نطاق تجارتك للعالمية. 🌎

سجّل في سلّة، وانقل تجارتك إلى المستوى الذي تستحقّه.


خلال قراءتي لكتاب «جنّة الشوك» لصاحبه طه حسين، شعرت أني في مجلس يتبادل جالسوه القيل والقال والقصص الطريفة، وكأني أختلس السمع إلى الشيخ والفتى، أو الأديب والسلطان، أو أصدقاء عابرين. وكان مما سمعت: 👂🏽

  • «قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: لقد أنبأْتَنا، كما أنبأَتْنا الكتب، بأن مَن قدَّم إلى الناس خيرًا لقي منهم خيرًا، ومَن قدَّم إلى الناس شرًّا لقي منهم شرًّا، وقصصتَ علينا من كتاب المكافأة في ذلك قصصًا رائعة، وأخبارًا بارعة، ولكنا ننظر فنرى الصنيعة لا تكاد تُغرَسُ في قلوب الناس حتى تستحيل إلى شجرة الزقوم، تلك التي وصفها القرآن الكريم بأنها طعامُ الأثيم، كالمُهْل يغلي في البطون كغلي الحميم. قال الأستاذ الشيخ وعلى وجهه ابتسامة رفيقة رقيقة: فإن هذه الشجرة، كما وصفها القرآن الكريم، تخرُجُ في أصل الجحيم، وليستْ قلوب الناس كلهم جحيمًا؛ وإن منها لجنات يستحيل فيها الشر خيرًا، والمساءة إحسانًا؛ فاجعل ما نقوله لك من هذا عزاءً عما تقوله لك الحياة، وقدِّمْ الخير غير يائس من أن تُجزَى عليه بمثله.» 📜🌴

  • هذا الحوار الدائر بين الشيخ والفتى ما زال يدور بيننا في كل زمن، وفي معظم العلاقات. فنحن نقدّم ونبذل ونبادر منتظرين المقابل الذي قد يأتي أو لا يأتي، وننسى أن لكلٍ طريقته في ردّ الخير ومجازاته. فقد أقدم لصديقة هدية في مناسبة، في حين تطهو لي وجبة ترسلها إلي حال مرضي مثلًا. ورأيت كثيرين ممن تملؤهم الخيبة من أصدقائهم ومعارفهم لأنهم يتلقون منهم هدايا لا تقابل ما أعطوا، ويتذمرون لأن أحدهم لم يقل «شكرًا» حين فتحوا له الباب. وننسى أننا أحيانًا يجب أن نقدم الخير بلا دوافع، بل عن طيب خاطر وبنفسٍ مُحبّة، لأن أفعالنا، وببساطة، انعكاس لنا. 🫱🏽‍🫲🏻🎁

  • قبل مدة، انتشر مقطع من بودكاست «سمرة»، استُضيف فيه الشاعر حامد بن سمحه، وسأله المُضيف: «شرايك بالرجال اللي ما يتصل عليك إلا بوقت الحاجة؟» فأجاب: «هذا كفو، ما اتصل علي بعزّ حاجته إلا أنه يقدّرني ويثق فيني»، فأضاف المقدّم: «منتب زعل إذا ما اتصل عليك سنة وجاك يطلب منك شيء؟» فردّ: «لا والله بفرح؛ لأن هقوته فيني زي ما هي.» هذا المقطع، في ثوانٍ، غيّر نظرتي لموضوع كنتُ أعتقد أني حسمت رأيي فيه؛ فمن يدّخرني لحاجته لا بد أنه يستغلني. ولكن الشاعر منحنا منظورًا مختلفًا تمامًا لم يفكر فيه معظمنا؛ تخيل شخصًا في أضعف حالاته يرانا نقطة تَصِله بأمانه وحاجته، فنهبّ له دون نظرٍ إلى دوافعه ونواياه، ودون إشعاره بالخجل، فوق حاجته، بمعاتبته والمنّة عليه. هذا المقطع والتصور يعكس إنسانية نفتقدها، وكلما عدتُ إليه شعرتُ بضرورة الاقتداء به، كما يهدينا فرصة النظر إلى الأشياء من جديد؛ اختبارها وإعادة التفكير فيها، وشجاعة التصريح بعكس ما يُتوقع منا. 🎙️❤️‍🩹

🧶إعداد

شهد راشد



نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+60 متابع في آخر 7 أيام